عادي

محمد أبو زيد: مواقع التواصل أوجدت عشرات الكُتّاب المزيفين

04:02 صباحا
قراءة 5 دقائق

القاهرة: رحاب عبد العظيم

محمد أبو زيد كاتب تنوعت إسهاماته بين الرواية والشعر والنقد والمقالات الصحفية؛ حيث يثبت تميزه في كل منها، بدأ الكتابة منذ عامه الأخير في الجامعة، حين صدر له أول دواوينه: «ثقب في الهواء بطول قامتي» عام 2003، ليواصل كتاباته وتميّزه في «قوم جلوس حولهم ماء» عام 2006، كتاباته تواصلت في الشعر للكبار، وللصغار أيضاً، ككتابه في شعر الأطفال «نعناعة مريم»، كما طرق باب الرواية ب «أثر النبي» عن دار شرقيات عام 2010، وأخيراً كتابه النقدي «الأرنب خارج القبعة». هنا حوارنا معه.

*ما الذي دفعك لكتابة «روشتة الفشل في الكتابة» في كتابك الأخير «الأرنب خارج القبعة»؟
- الضد يظهر حسنه الضد، كما قال الشاعر القديم. في ظني أن «روشتة الفشل في الكتابة»، تكشف عن أحد أسباب ضياع أجيال كاملة من الكُتّاب، أو اختفائهم، رغم أن بعضهم ما زال يكتب، لكن بلا أثر يذكر. «روشتة الفشل في الكتابة»، هي رسالة إنذار لنا جميعاً ككتاب، حتى لا نتوقف عن الكتابة، أو حتى لا نكتب شيئاً لا يمكن أن نسميه كتابة جادة بأي حال من الأحوال. عدد من الأصدقاء - ممن كانوا يطمحون أن يكونوا كُتّاباً في زمن قبل أن تجرفهم تصاريف الحياة إلى الانشغال بالعمل قالوا لي، إن ما ذكرته في هذه «الروشتة»، ينطبق عليهم، وأن هذه الأسباب كانت بالفعل سبباً في ابتعادهم عن الكتابة. يمكنك أن تقولي إن «روشتة الفشل في الكتابة»، هي تحذير للكُتّاب، ولي قبلهم، حتى أتمسك بالحبل السري للحياة، ذلك الذي يُسمى الكتابة.

*هل ينافس الأطفال «المرأة» في عالم الإلهام أم أن لكل منهم أثره في ذهن الكاتب؟
- التجربة بشكل عام هي الملهم الأول، بعضهم تلهمه تجربة الحروب، وبعضهم الآخر يلهمه الحب، بعضهم قد تلهمه صورة، أو حادث، أو لا شيء، على الكاتب أن يستعين بأدوات الطفل في التعامل مع العالم، كي يتعامل مع كتابته؛ حيث اكتشاف العالم كأنه مخلوق للتو، كأنه قطعة من الحلوى، فضها خلسة دون أن يراه أحد، كأن كل شيء حوله لم يحدث من قبل، وأنه يصنعه بنفسه. هنا يمكن القول إن الطفل هو معلم الكاتب في كيفية صناعة عالم مثالي، لا يبارى في الكتابة.

*تحدثت عن أهمية الكتابة، فهل أنت راضٍ عن سيل الكتابات التي تشهدها دور النشر مؤخراً؟
- الزمن خير مصفاة للكتابة، لو أحضرنا جرائد الخمسينات والستينات، وتصفحنا صفحات الثقافة فيها لوجدنا عشرات الأسماء التي اختفت، ولم يبق إلا من يملك مشروعاً حقيقياً، ومن يستطيع الصمود في وجه الضغوط المجتمعية، التي تدفع كل فرد بعيداً عن الكتابة، ولو جربت مثلاً أن تتذكري أيام الدراسة الجامعية، لوجدت عشرات الزملاء، الذين كانوا يقدمون باعتبار أنهم شعراء الجامعة، في النهاية لا يبقى إلا الشيء الحقيقي الجاد، والمشروع الطموح. ربما ساهمت بعض دور النشر، التي تسعى للربح فقط، في الفترة الأخيرة، في زيادة الأزمة، عن طريق نشر كتب لكل من يريد أن يجمع أوراق مراهقته في كتاب، وربما ساهمت بعض المكتبات في ذلك بسيل حفلات التوقيع، لكن منذ متى كان النشر أو حفلات التوقيع، أو حتى الشهرة دليلاً على جودة الكتاب. قبل عقدين من الزمان، كان هناك كاتب وضع اسمه على معظم جدران شوارع القاهرة، ومنح نفسه لقب «أديب الشباب»، وباع آلاف النسخ، أين هو الآن؟ الحكم للزمن. ولن يطول الأمر.

*هل تسهم الصحافة الثقافية في أي حراك بالمشهد الثقافي الحالي؟
- وأين هي الصحافة الثقافية أصلاً في مصر؟ لا توجد صحافة ثقافية، لأنه لا توجد صحف تهتم بالثقافة، أول ما يفعله رئيس تحرير أية صحيفة عندما يعد ملفاً عن أي حدث، أو عندما يحصل على إعلان، هو أن يقوم بإلغاء صفحة الثقافة، بل كادت صفحات الثقافة ألا تكون موجودة طوال الخمس سنوات الماضية، بسبب الأحداث السياسية، أما إذا كنتِ تتحدثين عن المجلات الثقافية، فيمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، ولا أعتقد أنها ستحدث أي تأثير وسط هذا العدد الكبير من المبدعين، الذي نراه كل يوم، هناك مواقع ثقافية إلكترونية، لكن معظمها يتعرض للإغلاق، بسبب ضعف التمويل. المشكلة أن الجميع ينظر إلى الثقافة كرفاهية، من مسؤولين إلى صحفيين إلى قراء عاديين، لا يعرفون أنه لا يمكن إصلاح هذه البلاد إلا بإصلاح وتنوير عقول شعبها ومسؤوليها.

*هل تراجع الدور الذي تلعبه المدونات الإلكترونية؟ وما البديل الذي طغى عليها وعلى دورها؟
- كنت من أوائل الذين لجأوا إلى المدونات للنشر، ولإيجاد مكان بديل لكي نقول فيه شيئاً مختلفاً، كان ذلك قبل 11 عاماً تقريباً، وخلال هذه السنوات أستطيع أن أقول إن المدونات كاد ينتهي تأثيرها تماماً، ما زالت موجودة، لكنها غير مؤثرة، لأن المدونين لجأوا إلى منصات إلكترونية أخرى أكثر تأثيراً أو تخصصاً، سواء كانت للتدوين القصير ك«تويتر»، أو تدوين الصور ك«إنستجرام»، أو تدوين الفيديو ك«يوتيوب»، أو كتدوين اجتماعي مثل «فيسبوك»، وأعتقد أن ما حدث هو طبيعة الحال، فالمدونات نفسها ظهرت على أنقاض ما كان يعرف بالمنتديات، لكن الحقيقة أنها كانت تمنحنا مساحة للبوح أكبر من التي تمنحها المنصات الجديدة، كما لم يكن هناك أي اهتمام كبير بالكتابة من أجل «اللايك»، أو رد الفعل، أو المزيد من الإعجابات والمتابعات. كانت الكتابة المفتوحة في بدايتها، بكراً، لم يلوثها هوس الإعجابات، هناك عودة من قبل بعضهم للمدونات، ممن أدركوا ذلك، وممن يبحثون عن الهدوء، والخصوصية، والأرشفة أيضاً، بعيداً عن صخب وجنون «السوشيال ميديا».

*ما نقطة التميز التي حملتها مواقع التواصل الاجتماعي للكُتّاب، وهل تسهم في وأد بعض الأفكار لدى أصحابها؟
- نقطة التميز، التي حملتها بشكل عام، أنها أعطت المساحة لكل شخص ليعبر عن ذاته، أن يكتب، أنها ساهمت في إيجاد مساحة لعدد كبير من الشعراء والكُتّاب الجيدين، ربما لم تكن ستتوافر لهم لو انتظروا النشر الورقي أو الحكومي، أنها قربت بين الشعراء في الأقطار المختلفة، لكنها في المقابل أوجدت عشرات الكُتّاب المزيفين، ممن ظنوا أنفسهم من الكُتّاب المجيدين لمجرد أن عشرات الإعجابات تنهال على ما يكتبونه من أصدقائهم؛ لذا فالفرز مهم. وهو أيضاً متروك للزمن، ولإدراك الكاتب ألا تسحبه دائرة الكتابة للدائرة الضيقة، التي تحييه على كل ما يخطه، سواء كان غثاً أم سميناً. أما سؤالك حول إذا كانت تساهم في وأد بعض الأفكار لدى أصحابها، فهذا يتوقف على الكاتب نفسه، وهل يستخدم هذه المواقع كبوابة للنشر، أم كحائط يعلق عليه كل ما يقوله، وهو ما يحوله في النهاية إلى بحر عملاق يسحبه إلى الداخل، يشبه إلى حد كبير كتاب المقاهي وسط البلد، الذين تسحبهم إلى عالم النميمة فيغرقون فيها، ويتحولون إلى جنرالات للمقاهي، يطلقون الأحكام، وينسون الكتابة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"