عادي
قصيدة جديدة تفيض بالحكمة وأبياتها تنساب في رقة

محمد بن راشد.. فيلسوف يدعو إلى التأمّل بدفق شعريّ حميم

04:36 صباحا
قراءة 9 دقائق
دبي: «الخليج»

يأبى النص الشعري عند صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أن يأتي منفتحاً سهل التأويل، فهو لا يكشف عن المعاني التي يحتشد بها، إلاّ بمقدار المفاتيح التي يتركها بين الحواشي والمتون، فيلتقطها القارئ الذكي الذي يلامس المعنى، في رحلة استكشاف تغوص بين خفايا النص، لتستجلي المقصي عمداً والمُبعد اختياراً، ولعل ذلك واضح في القصيدة التي نشرها سموّه على حسابه في موقع «إنستجرام»، وحملت عنوان «هو لغز موضّح وخفيّ»، فخطابها الشعري غارق في التأمل في الأشياء وطبيعتها، ويقدم لغزاً يختفي في لعبة المجاز الشعري، لا يكشف عنه سموّه، ولكنه يتركه لفطنة القارئ، ولئن كان لهذا المنحى الشعري أثره في التراث متمثلاً في الأحجية واللغز، فإنه يكاد يمثل عماد الاتجاهات الشعرية الحديثة التي يختلط فيها نهر الشعر بتيارات الفلسفة، فيلجأ الشاعر إلى التلميح بدلاً عن التصريح.
يأتي استهلال القصيدة منساباً في رقة ودفق شعوري شديد الدفء والحميمية، وكدأب سموّه في منهجه الشعري، فهو يضع اللغة في حالة سيولة، فيكثر من الصور والمشاهد العامرة بالوصف البلاغي، فتترصع القصيدة بألوان البيان، وتتعطر بعلم البديع، وتحلق في عوالم المجاز، في مزاوجة بديعة بين الخيال والواقع، فالقصيدة تنفتح على مشهد يستعير فيه الشاعر صورة فتاة، وقد ترمز إلى شيء آخر، ولكن الصورة التي ستتبادر إلى ذهن القارئ، هي لفتاة تحمل كتباً ثم تباغت الشاعر بسؤال صعب لا يكاد يجد له جواباً، أو حار معه جواباً، وربما أن هذا السؤال قد نقل الشاعر إلى عوالم من التأمل في الحياة والوجود وطبيعة الأشياء وطبائع البشر، ما جعل القصيدة محتشدة بالحكم، والمفردات المستعارة من الأمثال القديمة، وقبل هذا الانتقال، يرصع سموّه استهلاله ببديع الوصف والتشبيه عن الفتاة البضة؛ أي النضرة الرَّقيقَةُ، الناعمة كملمس طفل، وقد يقصد الشاعر فتاة من لحم ودم، وربما يعني شيئاً آخر، كما هو دأب الشاعر عندما يلجأ للاستعارة والكناية، فهي قد تزينت وتخضبت مع حلول العيد لتلهم القصائد والأغنيات والألحان محاكية العطور البديعة الرائحة.

بادَرَتني وفي يديها الكتابُ
                عَنْ سُؤالٍ لا يعتريهِ جَوابُ
بَضَّةٌ كَفُّها كملمَسِ طفلٍ
                ومنَ العيدِ بانَ فيها الخِضابُ
وتُغَنِّي العود شَدوٌ ولَحنٌ
                وتُهَنِّي وللعطورِ انسكابُ

ثم ينتقل إلى الحكمة، وينقلنا عبرها إلى مشاهد أخرى، في نسق بديع يميز النص بتعدد المشاهد والانتقالات، فكل بيت يكاد يكون حالة شعرية متكاملة ومكتفية بذاتها، وهذا ما نلمحه في الأبيات التي تجمع بين الحكمة والتأمل، فالشاعر يرى أن الدنيا لا تزال بخير مادام هنالك من جعلوا الخير فيها مذهباً وقانوناً وحجة، وهم لم يكتفوا بذلك بل كانوا قدوة تمثلت هذا الخير وجسدته. ثم يذهب بنا إلى صورة غاية في الروعة، عندما يحدد من هو الذي يزرع الورد، فهو بلا شك من يحب الورد، وقد يكون المقصود هنا هو صانع الخير الذي لا يجني غير الخير والحب والجمال. ثم يغوص سموّه في الأشياء وطبيعتها، وما تنتجه من معانٍ معلنة وخفية، كما يتجه إلى استجلاء غموض النفس البشرية وجدل العلاقة بين الذات والملذات، ويشير النص الشعري إلى أنها جدلية لا تتمثل في اللغة وتشابه الحروف فقط، فالإنسان يظل في علاقة مع ملذات الدنيا، فمن الناس من يبتعد عنها قدر الإمكان ويقاومها، ومنهم من يقع في فخها وشراكها، فالناس كالمعادن مختلفون في طبائعهم وأفهامهم وأفكارهم، فمنهم من تغريه الدنيا بمتاعها، ومنهم من يرجو ما هو خير منها، ففيهم الذهب الذي يلمع كلما صقلته المحن والتجارب، ومنهم الذي هو دون ذلك، وترى الإخوة الأشقاء من منبت واحد لكن تختلف طبائعهم.

لا يزالُ الورىَ بخيرٍ إذا هُمْ
                      جَعَلوا الخيرَ منهجاً فيهِ ذابوا
يزرَعُ الوَردَ راغبُ الجَنْيِ ورداً
                      كلُّ شَيْءٍ لَهُ يكونُ احتسابُ
ونتاجُ الأشياءِ ينتُجُ منها
                     منطِقٌ ليسَ في مَداهُ عِتابُ
ومنَ الذَّاتِ والمَلَذَّاتِ رَجْعٌ
                    فيهما يَعذِلُ المُصابَ المُصابُ
وتَرَىَ الناسَ كالمعادنِ أمْراً
                    ذَهَبٌ منْ نفوسهِمْ وتُرابُ
وعَجيبٌ أخوُ غريبٍ ولكنْ
                   لا يُحاكي مشيَ القَطاةِ الغُرابُ.

وتمضي القصيدة محتشدة بالتأمل والحكمة والبصيرة، تطارد أسرار الأشياء وكأن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، يستعير من الفيلسوف الألماني كانط، مواقفه من غموض الأشياء، فكانط هو أول من أشار إلى أن الشيء يبقى في ذاته ولذاته غامضاً حتى يستكشف، فيصبح شيئاً لنا؛ أي واضحة معانيه ودلالاته، وهذا الاستكشاف والغوص، يتطلب سلطاناً، هو سلطان العقل، فهو الحجة والدليل، وعقل الشيء أي فهمه، وأدرك حقيقته، فتجلت معانيه وتعرت أسراره؛ وهنا ندخل مع الشاعر في حديقة تسمق فيها أشجار الكلمات، وتدنو ثمرات الإبانة والفصاحة اللغوية، فثمة فيوضات من المعاني، تتخلل الكلمات والمفردات ومجمل البناء النظمي للقصيدة، فهو ما انفك يطارد خبايا العقل وأسرار المعنى في رحلة صعبة يعبر عنها مشهدياً بموقف من يخرج في الصحراء، فلا يبصر سوى السراب، ولا يكاد يذهب حتى يجد سراباً جديداً. ومن تلك الصورة المشهدية القوية ينقلنا الشاعر إلى عوالمه المحببة إلى قلبه، وهي الخيل والفروسية، وهي عوالم تبدو متقاربة، فالعرب كانوا يجمعون بين الفروسية والشعر، وبين هذين العالمين يمتد فضاء الصحراء، الذي هو ميدان للتأمل باتساعه وامتداده، وتظهر المقاربة بقوة في القصيدة بين عوالم الخيل والفلسفة، فلئن كان ميدان الخيل هو الصحراء بوصفها فضاء مكانياً، فإن ميدان التأمل هو ذلك الفضاء المتخيل الذي لا يحيطه مكان، فالشاعر يمارس في الأبيات دعوة للتفكير وفتح العقول، وأن لا يصبح الإنسان متكلساً أسيراً لفكرة واحدة، بل لا بدّ من أن يغير عاداته المكتسبة في التفكير، حتى يدرك معاني الأشياء، بالتالي هي دعوة للتفلسف. ويمهد شاعرنا لسؤاله عن اللغز بإبداع شاعري غاية في الروعة، فهذا المخفي المحجوب عن المتن الشعري، هو «مستظل بغيب»، لكنه في الوقت نفسه، حاضر بصفاته وما يشير إليه، ثم يبدأ بإلقاء المفاتيح التي تضيء للقارئ معرفة ما المقصود.

جُعِلَ العَقلُ حُجَّةً ودليلاً
                   وإلىَ العَقلِ للعقولِ انتسابُ
وحجابانِ عَنْ كثيفٍ لطيفٍ
                   طابَ منْ طيبِهِ المِلا والمَلابُ
وانكشافُ الأمورِ عنْ عبقَريٍّ
                    في سرابٍ يقفو خُطاهُ سَرابُ
في تلابيبه من العلم حشوٌ
                    ومن الفهمِ والضياءِ إهابُ
وسؤالي عن مستظلٍّ بغَيْبٍ
                    ذي شمولٍ لهُ المدى ينسابُ
ومنَ الخيلِ إنْ فهمتَ فخبّرْ
                    ولهُ في حوادثِ الدهْرِ نابُ
فاتحاً للحياةِ والخيرِ باباً
                    وعلى الموتِ منهُ يُفتحُ بابٌ
وعمودٌ لهُ وثَمّ عمادٌ
                   واعتمادٌ وصحبةٌ أغرابُ
ولهُ إخوةٌ بأسماءَ شتّى
                   مَنْ تراهمْ يا أيّها الأحبابُ

فصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، يمهد تمهيداً لإلقاء سؤاله، ويصنع مشهداً شعرياً محتشداً يطرح عبره لغزه، ولكن شاعرنا لا يترك القارئ نهباً للحيرة، بل يترفق به ويترك له شواهد ورموزاً ودلالات لا تجعله يضل عن إدراك المعنى والمقصد، فهو لغز للأذكياء ذوي الألباب والعقول، وهو خفيّ وحاضر في الوقت نفسه، وحاضر غائب، يثير الشكوك، والشك هو أول علامات حل اللغز.

هوَ لُغْزٌ مُوضَّحٌ وخَفِيٌّ
                 حاضِرٌ غائبٌ وفيهِ ارتيابُ
هلْ عرفتمُ قصدي إذن خبّروني
                 ومِنَ اللُّبّ كانتِ الألْبابُ


فرادة الشعر

المحرر الثقافي

تتبدى براعة الشاعر في اختيار ألفاظه وتعابيره الشعرية، وفي ذلك السياق الذي يولد عند القارئ سيلاً من المعاني والدلالات، ولذا، فإن هذه البراعة تتجلى في قدرة كاتبها على الإبحار دائماً في مدارات الشعر، كما هو شأن قصيدة «هو لغز موضح ومخفي» لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله،.. نحن أمام قصيدة جديدة لسموه، حيث تشير عتبة العنوان إلى ذلك اللغز الواضح والخفي، والحقيقة أن تداعيات، بل متابعة وقع هذه القصيدة في نفس المتلقي، تشكل تحدياً حقيقياً للقارئ، خاصة وأن كل بيت فيها، يلقي بهذا المتلقي أمام إيحاءات، واستبطانات، ودلالات، ولنقل «أجواء» شعرية جديدة، وبمجرد أن يمسك المتلقي طرف خيط، ويعتقد أنه قد عرف، أو فهم، أو قبض على «مرامي» اللغز، يدفعه البيت الجديد إلى مناخات أخرى، تجعله يتريث في تأكيد ماهية هذا اللغز، ليدخل في مدارات أخرى، أحياناً يجزم القارئ أو المتلقي أن هذا اللغز يشير إلى «الخيل» وأحياناً يدفعه الوهج الشعري، نحو مسميات أخرى، فيتباطأ قليلاً، بما يدل دلالة أكيدة على أن المعنى يظل في بطن الشاعر، فهو القابض على جمر قصيدته، العارف بمراميها، ومآلاتها، وتدفقاتها الحسية، والدلالية، والفلسفية.
نعم، نحن أمام قصيدة بارعة، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تكمن جمالياتها فيما تشتمل عليه من لغة شعرية آسرة، ولنتأمل أبياتها الأولى التي تقول:

بادَرَتني وفي يديها الكتابُ
                  عَنْ سُؤالٍ لا يعتريهِ جَوابُ
بَضَّةٌ كَفُّها كملمَسِ طفلٍ
                  ومنَ العيدِ بانَ فيها الخِضابُ
وتُغَنِّي العود شَدوٌ ولَحنٌ
                   وتُهَنِّي وللعطورِ انسكابُ
لا يزالُ الورىَ بخيرٍ إذا هُمْ
                    جَعَلوا الخيرَ منهجاً فيهِ ذابوا

في هذه الأبيات التي تبدأ بما يشبه الحوار بين الشاعر المتكلم، والآخر الذي هو «فتاة» جميلة، وهو استهلال شعري تعوّد عليه نوابغ الشعر العربي، فالفتاة إما تكون حقيقية من لحم ودم/ وإما تكون دلالة على معنى آخر، في الحالة الأولى هي بضة الكف ومخضبة بالحناء، فتاة تحمل كتاباً وتبادر بسؤال يصبح محور القصيدة، ولغز القصيدة وأحجيتها..والفتاة ذات حضور بهي، تفيض به رائحتها بالطيب، ونوع من الشجى والموسيقى العذبة.. تسير القصيدة في خط درامي وفي عدة مستويات شعرية.. وبالوقوف عند البيت الرابع، تدخل القصيدة في مدارات أخرى تتراوح بين الحكمة والعظة، والتلميح والإيحاء والمجازات والاستعارات حتى آخر القصيدة، هذه القصيدة القوية في جزالة ما فيها من لغة وما تشكله من «مكابدة -إن جاز التعبير- لقارئها، تجعله يبحر في فضاء إبداعي وتخييلي محاولاً استنطاق الدلالة، واستبانة ما في اللغة من بلاغة، وما في القصيدة بوجه عام من عمق الدلالة التي تحتاج إلى قارئ حصيف وفطن، ليقف على تخوم هذه التجربة، ولنقل هذه المكابدة الشعرية في محاولة لفك شيفراتها السرية والتأويلية.
ولعل الحكمة في قصيدة سموّه تأخذ قسطاً وافراً في القصيدة، في نحو سبعة أبيات، منها:

يزرَعُ الوَردَ راغبُ الجَنْيِ ورداً
                        كلُّ شَيْءٍ لَهُ يكونُ احتسابُ
ونتاجُ الأشياءِ ينتُجُ منها
                      منطِقٌ ليسَ في مَداهُ عِتابُ
ومنَ الذَّاتِ والمَلَذَّاتِ رَجْعٌ
                       فيهما يَعذِلُ المُصابَ المُصابُ

هنا، إبداع شعري، مفتاحه الحكمة، ولعل في إيراد هذه الأبيات ما يؤكد، اهتمام سموه في تأكيد عصارة تجربته الشعرية، على النحو الذي يبرز فيها المعنى، ويفيد الإنسان في حياته وفي آخرته، والحكمة في نهاية المطاف هي مكون شعري أصيل عند الشاعر، خاصة إذا كان في مقام سموه الذي يحرص على أن يبرز أجمل ما في الشعر.. وهو يذكرنا بأبي الطيب المتنبي وأبي العتاهية وأبي نواس وأبي فراس الحمداني وطرفة بن العبد وغيرهم من نوابغ الشعر العربي القديم.
يختبر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم قدرة القارئ على التعاطي مع لغز القصيدة منذ البيت الحادي عشر الذي مطلعه:

وحجابانِ عَنْ كثيفٍ لطيفٍ
                   طابَ منْ طيبِهِ المِلا والمَلابُ

وهنا، يجد القارئ نفسه أمام منحنى أو مستوى شعري آخر من الألفاظ والدلالات، بما تحمله من إيحاء وإيهام، ومن خلال لغة منسجمة مع سياقاتها التعبيرية والدلالية والنفسية، ولعلنا أمام هذا المستوى، نختبر قوة الشعر بوصفه يشكل «هوية» و«وعاء» من البديع والاستعارات والمجازات والتشبيهات، التي تترك أثرها عند السامع.. مستوى من الإبهار والأبعاد الرمزية والفلسفية التي لا تخفى على القارئ الحصيف، حيث تنصهر المعاني، لتبدع نصاً جديداً في كل بيت على حدة، وكأن القارئ أمام عوالم ثرية من التجلي والتكثيف الشعري، ولنقل «الشحنة» الشعرية التي تدل على عمق التجربة.. التجربة الفريدة، بمخزونها اللغوي وتأملاتها العميقة، وما تنتقيه من مفردات تعكس صدى الروح، وما يكتنف النفس من انفعالات متدفقة فيها الكثير من براعة التصوير، وهو ما يؤكد فرادة الشعر عند سموّه، حيث يتحول الخطاب عنده إلى هدف مركزي وبناء شعري عامر بثقافة الشاعر، المعني بتقديم رؤية، وتثبيت تجربة بأبعادها الثقافية والاجتماعية والتاريخية والفكرية.
يكتسب هذا اللغز أهميته، من المفردات المنتقاة بعناية، والتي تتكرر في كثير من الأبيات سواء في الصدر أو في العجز، ولنتأمل على سبيل المثال: «في سراب يقفو خطاه سراب» و«ذي شمول له المدى ينساب» و«من الخيل إن فهمت فخبّر» و«فاتحاً للحياة والخير باباً» وهي في مجملها علامات من عوالم الفروسية، ومناخات الصحراء الممتدة، حيث الخيل سيدة الموقف.. وهنا، يكتسب اللغز أهمية خاصة، كأننا أمام مستوى شعري جديد، ذي طبيعة معجمية خاصة.

هو لغز موضح وخفي


شعر: محمد بن راشد آل مكتوم


بادَرَتني وفي يديها الكتابُ
                   عَنْ سُؤالٍ لا يعتريهِ جَوابُ
بَضَّةٌ كَفُّها كملمَسِ طفلٍ
                   ومنَ العيدِ بانَ فيها الخِضابُ
وتُغَنِّي العود شَدوٌ ولَحنٌ
                   وتُهَنِّي وللعطورِ انسكابُ
لا يزالُ الورىَ بخيرٍ إذا هُمْ
                   جَعَلوا الخيرَ منهجاً فيهِ ذابوا
يزرَعُ الوَردَ راغبُ الجَنْيِ ورداً
                   كلُّ شَيْءٍ لَهُ يكونُ احتسابُ
ونتاجُ الأشياءِ ينتُجُ منها
                   منطِقٌ ليسَ في مَداهُ عِتابُ
ومنَ الذَّاتِ والمَلَذَّاتِ رَجْعٌ
                   فيهما يَعذِلُ المُصابَ المُصابُ
وتَرَىَ الناسَ كالمعادنِ أمْراً
                   ذَهَبٌ منْ نفوسهِمْ وتُرابُ
وعَجيبٌ أخوُ غريبٍ ولكنْ
                   لا يُحاكي مشيَ القَطاةِ الغُرابُ
جُعِلَ العَقلُ حُجَّةً ودليلاً
                   وإلىَ العَقلِ للعقولِ انتسابُ
وحجابانِ عَنْ كثيفٍ لطيفٍ
                   طابَ منْ طيبِهِ المِلا والمَلابُ
وانكشافُ الأمورِ عنْ عبقَريٍّ
                   في سرابٍ يقفو خُطاهُ سَرابُ
في تلابيبه من العلم حشو
                   ومن الفهم والضياء إهاب
وسؤالي عن مستظل بغيب
                   ذي شمول له المدى ينساب
ومن الخيل إن فهمت فخبر
                   وله في حوادث الدهر ناب
فاتحاً للحياة والخير باباً
                   وعلى الموت منه يفتح باب
وعمود له وثم عماد
                   واعتماد وصحبة أغراب
وله أخوة بأسماء شتى
                   من تراهم يا أيها الأحباب؟
هو لغز موضح وخفي
                   حاضر غائب وفيه ارتياب
هل عرفتم قصدي.. إذاً خبروني
                   ومن اللب كانت الألباب

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"