عادي
ذاكرة الأيام

حادث سير ينهي مسيرة جون ناش «عقل الرياضيات الجميل»

01:08 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد: عبير حسين
إلى أي مدى يمكن للشغف أن يسيطر عليك حتى يخرجك من عالمك الحاضر وينقلك إلى عالم آخر متقدم عنه بأكثر من عشر سنوات؟ وكيف يكون مقدار الألم الذي يشعر به عبقري رياضيات عانى من «الفصام» فيكتب معادلاته على الجدران والألواح، ويتحول في نظر طلابه إلى «شبح»، ويضطر إلى التخلي عن عائلته وجامعته للخضوع لسنوات طويلة من العلاج؟ وأي مكافأة تمنح لصاحب «العقل الجميل» فتنقله بعد سنوات من المصحة العقلية إلى منصة نوبل متوجاً بجائزتها في الاقتصاد؟ وأي قصة إنسانية تحملها حياة عالم الرياضيات الفذ جون ناش الذي يصادف اليوم ذكرى رحيله في حادث سير في العام 2015 عن عمر ناهز 85 عاماً.
تعاطف العالم مع قصة ناش بعدما قدمها الممثل الأسترالي راسل كرو في فيلم سينمائي ذائع الصيت بعنوان «العقل الجميل» حصد عنه عدة جوائز أوسكار، ولفت الانتباه إلى الثمن الباهظ للعبقرية الذي قدمه البروفيسور ناش من سنوات عمره الطويلة يصارع «الفصام» محاولاً وضع نهاية لحواراته وتخيلاته مع شخصيات لا يراها غيره، ولا يدركها سواه.
عرف ناش منذ صغره بكونه انطوائياً يهوى قراءة الكتب ويقضي ساعات طويلة في لعب الشطرنج. ويقال إنه أجاد القراءة منذ كان في الرابعة، كما تعلم اللاتينية الصعبة ولم يصل إلى السادسة. تأثر البروفيسور ناش كثيراً بوالده المهندس الذي ورث عنه كثيرا من ذكائه، وكان يحلم بدراسة الهندسة ليصبح مثل والده.
في الصف الرابع استدعى معلم الرياضيات والدته ليخبرها بأن «ناش» ضعيف في مادة الرياضيات، فضحكت الأم لأنها كانت تعرف أن مشكلة ابنها في انه يفكر كثيراً في التفاصيل قبل إعطاء الإجابة، وكانت متأكدة أن مشكلته لم تكن في إجادة مادة الرياضيات ولكن في عدم قدرته على التواصل بشكل صحيح مع الآخرين. بعد إنهائه شهادة الثانوية كان ناش أحد الفائزين بمنحة وطنية كاملة للدراسة في معهد «كارينجي» الشهير للتكنولوجيا ودرس الهندسة ثم تحول إلى الكيمياء قبل اكتشاف شغفه بالرياضيات. وعندما قرر تحويل مساره إلى جامعة «برينستون» لدراسة الرياضيات طلب من أحد أساتذته كتابة خطاب توصية لتعزيز قبوله، فاكتفى الأستاذ بكتابة عبارة واحدة في ورقة بيضاء طويلة وكانت «هذا الرجل عبقري».
التحق ناش بالجامعة واهتم بنظرية الألعاب والهندسة التفاضلية والأشكال الهندسية الجبرية الحقيقية لينجح بعدها في حيازة الدرجات الجامعية بسرعة غير متوقعة حتى الدكتوراه في العام 1950 ليصبح بعدها واحداً من أهم علماء الرياضيات البحتة حيث أثرى العلم بنظرياته العميقة وأهمها «نظرية التضمين».
في بداية عام 1957 اقترن ناش بزوجته آليشيا لاردي التي كان لها دور هام في حياته على الرغم من انفصالهما بسبب معاناته مع «الفصام» وخضوعه للعلاج سنوات طويلة، إلا أنها بقيت إلى جواره حتى شفي وتزوجا مرة ثانية عام 2000.
بدأت معاناة البروفيسور ناش مع المرض مطلع الستينات، وتدهورت حالته بشكل سريع من مجرد اكتئاب بسيط إلى تصرفات وسلوكيات غير مضبوطة حتى أصبح يشكل خطراً على نفسه وعلى الآخرين، ولمدة عقدين من الزمان عانى ناش من الفصام وتنقل بين عدة مصحات أمريكية وأوروبية حتى بدأ في استعادة عافيته مطلع الثمانينات. المثير أن الطب الحديث لم يكتشف سر تعافي ناش لكنه كان مفاجأة سارة لعائلته إذ لمّ شمله مع زوجته مرة أخرى، وعاد إلى تدريس الرياضيات حتى رحيله.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"