عادي

المسلمون قادمون

04:31 صباحا
قراءة 9 دقائق
إعداد: عبدالله ميزر
مع تصاعد الانتهاكات والجرائم التي تمارسها المنظمات الإرهابية في العالم باسم الإسلام، ألحقت أفعالهم الضرر البالغ بشكل مباشر بالمسلمين في العالم الغربي، إذ بات الشخص لمجرّد أنّه من أبوين مسلمين، أو لمجرّد أنه يصلي في المسجد بضع صلوات، هدفاً للمتطرفين، الذين تغذي عقولهم آلة الإعلام الغربي بشكل ما، والمنظمات المتخصصة في ترويج الإسلاموفوبيا .
باتت الصورة النمطية السائدة عن المسلمين في العالم الغربي تسبب إشكاليات كثيرة ضمن المجتمعات الغربية، خاصة أن أجهزة المخابرات والشرطة أخطأت في العديد من تقديراتها، حيث صنّفت، من دون أدلة دامغة، بعض الشخصيات الإسلامية على أنهم يمولون الإرهابيين ويؤوونهم، ومارست بحقهم السجن والتعذيب، وتعرض بعضهم للقتل .
يستعرض الكاتب آرون كاندناني في عمله هذا العديد من الأخطاء التي وقعت فيها الحكومات الغربية، خاصة الأمريكية والبريطانية، بشأن بعض الأئمة والمسلمين، كما يكشف فداحة التهديد على من يمارس طقوس الإسلام في مجتمع بات يصور كل مسلم وحشاً، ينشر الإرهاب من حوله .
يبين كاندناني مساهمة ودعم بعض المنظمات الداعمة للمتطرفين في الغرب، حيث تستفيد من ترويج هذه الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين لتعزيز مصالحها في العالم، فكما يبدو من تحليله: كلما زاد إقناع الشخص الغربي بتهديد الإسلام له، كلما زاد حجم أرباحهم وتعززت مصالحهم .
الكتاب صادر عن دار النشر الأمريكية "فيرسو" في 327 صفحة من القطع الكبير، 2014 .

صيحة إنذار يرسخها الإعلام الغربي لدى مجتمعات مصابة بالهلع والهستيريا

لعنوان الكتاب "المسلمون قادمون" قصة، وهو كما قرأنا يعدّ بحدّ ذاته صيحة إنذار أو نفير عام ترسخه آلة الإعلام الغربية في ذهن المجتمع، الذي يشتهر بالهلع والهيسيتريا، حيث يبين أنه عند قدومهم (أي المسلمين)، لابدّ من أخذ الحيطة، والحذر في التعامل، وتوقع أسوأ الاحتمالات في أفضل الأحوال، والسير على قاعدة، "كلّ مسلم متّهم حتى تثبت براءته" أمام الرأي الغربي، وهنا الأمريكي تحديداً، كون الولايات المتحدة تحمل لواء محاربة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر المأساوية في 2001 في مدينة نيويورك .
فكرة العنوان لم يخترعها الكاتب، بل أخذها من عنوان فيلم سياسيّ كوميدي بعنوان "الروس قادمون . الروس قادمون" أخرجه نورمان جويسون في عام ،1966 الذي كان من ضمن الحرب الإعلامية ضدّ السوفييت، ويصوّر أنّ بعض الجنود الروس وصلوا إلى جزيرة صغيرة في "نيو إينغلاند" على الشاطئ الأمريكيّ، وهو ما اعتبره الأمريكيون بداية الغزو السوفييتي للأراضي الأمريكية، إلا أن كاتباً ليبرالياً علم حقيقة الأمر، ولاحقاً تتغير القناعة الجمعية، وتنتهي تلك الهيستيريا التي أصابت الشعب الأمريكي، بعد أن يحاول الروس والأمريكون سوية إنقاذ طفل . وكانت رسالة الفيلم أن المحافظين يبالغون في تخويف الأمريكيين من الشعب الروسي بشكل عام، ولابدّ من التعامل مع العدو الروسي بطريقة مختلفة، أي "أنسنته"، وعدم إسباغ صفات وهمية مبالغ فيها عليه .
وأصل العنوان في حقيقته مأخوذ من عبارة شهيرة لجيمس فوريستال وزير الدفاع الأمريكي في عام 1949 الذي ردّد: "الروس قادمون . الروس قادمون . إنّهم حولنا الآن . لقد رأيت الجنود الروس" .
وبالنسبة للعنوان الحالي "المسلمون قادمون" يقصد الكاتب به هول التضخيم الممارس في الإعلام الأمريكي تجاه المسلمين .

استرخاص أرواح المسلمين


يتحدّث الكاتب في كتابه عن مقتل الإمام لقمان على يد عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي "الإف بي آي" في ديربورن بولاية ميتشيغن الأمريكية عندما كان وأربعة من أصدقائه يحمّلون أجهزة تلفاز في شاحنة في صباح 28 أكتوبر 2009 .
كان لقمان عبدالله إمام جامع الحق في الجانب الغربي الفقير من حي ديترويت لثلاثين سنة . في أيام الآحاد يقوم بتوزيع الطعام والمتطلبات الأساسية على الفقراء مع مريديه من خلال مطعم مخصص لهذا الأمر، وكانت أغلبية السكان في ذلك الحي إما عاطلين عن العمل أو أجورهم منخفضة، وكانوا يعتمدون على هكذا مبادرات كي يحصلوا على بعض احتياجاتهم .
وكان ابنه عمر يتحدّث عن والده الساعي إلى إجراء تغييرات في أحوال سكان الحي، وتشجيعهم على المطالبة بالحقوق بطرق سلمية حضّ عليها الإسلام، والابتعاد عن الأساليب الإرهابية قائلاً: "كانت لديه رغبة قوية في تغيير الحيّ . آمن أنّ الإسلام سوف يساعد الناس على الإقلاع عن الكحول، والكآبة ."
وكان لقمان عبدالله قد آمن بالإسلام في أوائل الثمانينات بعد خدمته في الجيش، ومعاناته من الاكتئاب، وكان قد ساعده شخص يدعى جميل الأمين، الذي كان في الستينات ناشطاً في لجنة التنسيق الطلابية المناهضة للعنف، وأصبح فيما بعد هدفاً بارزاً من بين السود الثوريين في قائمة "الإف بي آي"، بقي في السجن حتى ،1976 وأعيد اعتقاله في بداية ،2000 في مسعى لتدمير حركته، ويقبع الآن في غوانتانامو مع إرهابيي القاعدة .
سعى لقمان عبدالله إلى تنظيم حملات لإطلاق سراحه، لكن سرعان ما صنفته "الإف بي آي" من أكثر الأشخاص البارزين الجماعات الأصولية بين الأمريكيين الأفارقة، وأنه دعا إلى تأسسيس دولة إسلامية داخل الولايات المتحدة .
عند تشييعه، حضر أكثر من ألف شخص، وكانت وزارة العدل قد برأت عملاء "الإف بي آي"، وأعلنت قتله أمراً قانونياً .
يشير الكاتب إلى أن الإعلام لم يتحدث عن موته، ولم يجده مختلفاً كثيراً عن موت الأمريكيين الأفارقة الآخرين الذين يموتون على أيدي وكلاء تطبيق القانون المسلحين، ويقول الكاتب: "من وجهة نظر أخرى، فإن لقمان يشبه غيره من المقاتلين الذين لم تعرف أسماؤهم، وقضوا تحت قصف الطائرات من دون طيار في باكستان، والصومال، واليمن . وسواء كان "متطرفاً إسلامياً" أو "أمريكياً إفريقياً"، فإن موته كان حادثة طبيعية بشكل مثالي . وإذا كانت الحرب على الإرهاب مادة من أبرز الجدالات حول الحرب، والتعذيب، والمراقبة في سنوات بوش، فإنه تحت حكم أوباما، أصبح الأمر روتيناً بيروقراطياً، غير مثير وبدون معارضة" .

جبهات داخلية

يستكشف الكاتب جبهات الحرب الداخلية على الإرهاب في الولايات المتحدة وبريطانيا، ويرى أن الراديكالية أصبحت العدسة التي ترى بها مجتمعات الغرب السكان المسلمين في نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وأصبحت النظريات التي تناقش تحليل تحول الشباب المسلمين إلى إرهابيين في صلب الدراسات والسياسات المناهضة للإرهاب على جانبي الأطلسي . إلا أن هذه النماذج تتخذ فرضية لا أساس لها، وهي أن "الإيديولوجية الإسلامية" هي السبب الجذري للإرهاب .
ويشير إلى أنّ نموذجين من التفكير سادا في الحرب على الإرهاب، أحدهما بشكل رئيسي بين المحافظين، والآخر بين الليبراليين .
الأول يرى أنّ النموذج الأوّل يجد أصول الإرهاب سببه ما يمكن اعتباره فشل الثقافة الإسلامية في تبني الحداثة .
والثاني يحدّد جذور الإرهاب ليس في الإسلام وحده، بل في سلسلة من إيديولوجيّات القرن العشرين، التي شوّهت الدين بهدف إنتاج إيديولوجية استبداديّة - الإسلامويّة - على نماذج الشيوعيّة والفاشيّة .
ويرى الكاتب أنّ المشكلة مع هذين المنهجين هي أنهما يتجنبان دور الظروف السياسية والاجتماعية في تشكيل كيفية فهم الناس العالم، ثم التصرف بناء على ذلك .
وعلاوة على ذلك، هذان النمطان من التفكير لا يتحركان بحرية . فقد دخلا في مرحلة المأسسة في الحرب على ممارسات الإرهاب، وتم ترويجهما بشكل نشيط من قبل مجموعات لها ما يكفي من الموارد والمصادر المالية، وفي النهاية تعكس ثقافة سياسية إمبريالية . وكلاهما معاً ينتج الاعتقاد بأن السبب الجذري للإرهاب هو الأيديولوجية والثقافة الإسلامية، لذلك يستمران بنشر فكرة الإسلاموفوبيا التي تكون مشتركة بين الطيف السياسي .
ويذكر أنه، كنتيجة، جانب مهم من السياسة الأمنية القومية كانت الرغبة في هندسة تغيير ثقافي واسع بين المسلمين الغربيين، بينما يتجاهلون الطرق نفسها التي أصبحت فيها الدول الغربية ذاتها راديكالية، حيث أصبحت أكثر رغبة في استخدام العنف في سلسلة سياقات أوسع .
يدخل هذا الكتاب في سياق كشف الصور النمطية الخاطئة عن المسلمين، وأخذهم بجريرة المتطرفين في القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق وبوكو حرام وجماعة أبو سياف وغيرهم الذين يمارسون القتل والتنكيل في أرجاء العالم، حيث ينفذون أجندات استخبارات عالمية ودول إمبريالية .

المؤلف: آرون كوندناني

أستاذ جامعي بريطاني يحاضر في قسم الإعلام، والثقافة، والاتصالات في جامعة نيويورك، وكذلك في قسم الدراسات المتعلقة بالإرهاب في كلية جون جي . كان زميلاً زائراً في جامعة ليدن، هولندا . وعمل رئيس تحرير مجلة "ريس آند كلاس" . تدور اهتماماته ودراساته بقضايا العرق، والعنف السياسي، والمراقبة، والتطرف والإسلاموفوبيا . له كتاب سابق بعنوان: "نهاية التحمّل: العنصريّة في بريطانيا القرن الواحد والعشرين" . يعيش في نيويورك منذ 2010 .

الكتاب

رأى كتاب كوندناني النور بعد سنوات من البحث في مواقع ومدن عديدة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بدعم من معهد العلاقات العرقية في لندن، ومؤسسات المجتمع المنفتح في نيويورك . وأجرى الكاتب 160 مقابلة مع الناشطين، ومنظمي الحملات، ومستشاري الحكومة، ومسؤولي تطبيق القانون، وصنّاع السياسة، وغيرهم .
ينقسم الكتاب إلى تسعة أقسام: عدو نموذجي، ساسة مناهضة التطرف، جذور الغضب الليبرالي، أسطورة الراديكالية، قلوب وعقول، لاحرية، ما بعد الازدهار، الحروب الصليبية في القرن الواحد والعشرين، الفردوس المفقود .
يتناول في فصوله تفاصيل وقضايا توضح السلوك الخاطئ الذي تنتهجه الحكومات الغربية وأجهزة الشرطة والاستخبارات مع القضايا المتعلقة بالإسلام والمسلمين .

مقتطف من الكتاب

ليس هناك ما هو مكافئ في أمريكا لرابطة الدفاع الإنجليزية (حركة سياسية إنجليزية تصنف ضمن اليمين المتطرف تهدف إلى محاربة أسلمة إنجلترا، والتطرف الإسلامي في بريطانيا، وذلك من خلال تعبئة الناس في الاحتجاجات)، وبدلاً من تأسيس حركة تعتمد على تعبئة الشارع، يقوم اليمين المتطرف الأمريكي بالعمل من خلال شبكة من المدونين، المثقفين، الناشطين، ومنظمي الحملات الدعائية الذين يشكلون الرأي العام من عبر الإعلام . إنهم يعتمدون بشكل كبير على كميات كبيرة من التمويل والدعاية والإعلان من جهات مختلفة من الحركة المحافظة "من ناشطي حزب الشاي إلى الصهاينة المتشددين" وعدد من المنافذ الإعلامية المنتشرة، والسياسيين الراغبين في تضخيم رسالتهم . والأكثر أهمية، كما هو الحال مع رابطة الدفاع الإنجليزية، رسالتهم تحدث تأثيراً لأنها تصطف مع عناصر الحرب الأساسية فيما يتعلق بالحديث الرسمي عن الإرهاب . وعلى الرغم من أن تأثيرها كان ملموساً بقوة بعد انتخاب باراك أوباما، إلا أن حملة اليمين المتطرف بدأت في السنوات الأولى من الحرب على الإرهاب، مع هجوم على نشاط الحرم الجامعي المناصر للفلسطينيين . ففي ،2002 مع الدعم المتنامي، بشكل خاص بين الطلاب، لأجل حقوق الفلسطينيين، بدأ الناشطون من المحافظين الجدد مثل دانييل بايبس وديفيد هورويتز بإطلاق حملات استهدفت تكذيب الأكاديميين المناصرين للفلسطينيين . فقد بدأ بايبس حملة مراقبة الحرم الجامعي، ونشر ملفات بشأن أساتذة الجامعة الذي دعموا الحقوق الفلسطينية، وشجع الطلاب المتعاونين معه على إرسال تقارير وملاحظات عن سلوكهم الذي اعتبر ناقداً ل"إسرائيل" . وقد تلقى الأساتذة الجامعيون المستهدفون رسائل عدائية بالبريد الإلكتروني، احتوت بعضها على تهديدات بالقتل . تكتيك مشابه لهذا استخدمته منظمة أخرى مؤيدة ل"إسرائيل"، هي "الرابطة المناهضة للتشهير"، التي وزّعت على الداعمين من الطلاب في سنوات الثمانينات كتيباً يحتوي على "معلومات مساعدة تتعلق بمتعاطفين مناصرين للعرب نشيطين في الحرم الجامعي" . وفي عام ،2003 بدأ ديفيد هوروويتز بإطلاق موقع "ديسكفر ذا نيتوركس دوت أورك"، وهي قاعدة بيانات مصممة لتحديد المجموعات اليسارية، والأفراد المتهمين بتمكين الإسلاموية، وإضعاف القيم الأمريكية . وكذلك كان "أسبوع التوعية بالإسلاموفاشية" من تنظيم هوروويتز في ،2007 محاولة أخرى لتعبئة الأجندة نفسها بشأن الحرم الجامعي . وسجل ظهور شبكة الإسلاموفوبيا من اليمين المتطرف نجاحه الأول في تلك السنة نفسها، مع هجوم على أكاديمية جبران خليل جبران الدولية، التي كانت مدرسة ابتدائية قائمة على المنهج العلماني باللغتين العربية والإنجليزية، كان من المفترض أن يتم فتحها في بروكلين في نيويورك . لكن، من دون دليل، اتهمت مديرة المدرسة ديبي المنتصر (أمريكية من أصل يمني) بأنها جهادية . وطلب منها بضغط من عمدة المدينة ميشيل بلومبيرغ وبعد تهديد بتوقيف المدرسة على تقديم استقالتها .
وفي عام ،2008 التأمت مجموعة من الناشطين المناهضين للإسلام والممولين بشكل جيد . كانت من بينهم، باميلا غيلر، التي برزت مع الحملة ضد مدرسة جبران خليل جبران الدولية من خلال مدونتها، وكانت تعمل عن قرب مع روبرت سبنسر، الذي كان يدير موقع "جهاد ووتش ويب" كشركة تابعة لديفيد هورويتز ومركزه "فريدم سنتر" . وقد استخدم كل من الزوجين الغنيين أوبري وجويس جيرنيك المقيمين في لوس أنجلوس، مؤسستهما لتمويل روبيرت سبنسر بمبلغ وصل إلى مليون دولار ما بين 2004 حتى 2009 (وقد تبرعا أيضاً بتمويلات هامة لمجموعات مناصرة ل"إسرائيل" في واشنطن، مثل معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي كان أوبري جيرنيك وصياً عليه) كما أن منظمة "العمل من أجل أمريكا"، متخصصة في مناهضة الإسلام، وتعدّ شرياناً رئيساً لحركة الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"