عادي

رؤية خليجية: إفريقيا كما ينبغي أن نراها

02:58 صباحا
قراءة 5 دقائق
أمينة العريمي*

يقول بريمان، الشاعر الكاريبي، عن إفريقيا في قصيدته المشهورة YouBetter Believe it مخاطباً فيها أوروبا الاستعمارية «لقد صهرتُ الحديد في بلاد النوبة يوم كنتم أمماً تشق الأرض بالمحاريث الخشبية، وسبكتُ النحاس في بنين يوم كانت لندن مستنقعات، وأصبحت تمبوكتو ملاذاً للعلماء في زمان كان الرهابنة يرتجفون من البرد في أروقة أكسفورد»

تعددت الروايات حول أصل كلمة إفريقيا، فهناك من يقول إن معناها «الكهف»، في إشارة إلى أن الأفارقة كانوا يسكنون الكهوف، وهناك من يقول أن الاسم يعود إلى ملك من ملوك التبابعة القدماء «إفريقيس ابن المنار»، أما المصريون القدامى فإفريقيا عندهم تعني أرض الميلاد، في حين يرى اليهود أن إفريقيا تعود إلى «لافير» أحد أحفاد إبراهيم في العهد القديم، كما تقول التوراة، أما اليونانيون فيقولون إن إفريقيا تعني «أرض البرودة والرعب».

تعتبر إفريقيا أقدم المناطق المأهولة بالسكان على وجه الأرض، فلم تقطنها أي أمة مستقرة، وإنما سكنتها مجموعة من الصيادين يطلق عليهم «الخويسان»، إحدى السلالات الإفريقية القديمة للإنسان الحديث، وأكد علماء علم الإنسان إن تلك السلالة متمايزة جينياً مع جميع الأفارقة، لأنها لم تختلط مع أي إثنية إفريقية منذ ما يزيد على 150عاماً، والخويسان هو اصطلاح يطلقه علماء الإنثروبولوجيا على تجمع قبيلتي الخوي (هوتنيتوت) والسان (بوشمن)، فاشتق الاسم من الخوي والسان ليصبح «الخويسان»، فبعد انتهاء العصر الجليدي عاد الأفارقة إلى المرتفعات الداخلية بعد أن تحولت الصحراء إلى ربوع خضراء، إلا أن المناخ الجاف الذي ساد عموم إفريقيا منذ 5 آلاف سنة قبل الميلاد دفع الأفارقة إلى وادي النيل وقاموا بتأسيس ممالك عظيمة مثل الممالك النوبية والمروية والفرعونية، وبسبب توجه الأفارقة إلى تربية الماشية واستئناس العديد من الحيوانات ازدهرت الزراعة من بلاد النوبة إلى شمال القارة، ولكن تقلصت تلك الممالك بسبب جفاف المناخ وهاجر الأفارقة إلى مناطق أكثر استوائية في غرب إفريقيا، بعدها تغيرت إفريقيا بسبب انتشار أعمال الحدادة التي وصلت إلى جنوب وشمال القارة وأصبح تصنيع الأواني النحاسية أمراً شائعاً في عموم القارة، ما يؤكد قوة شبكة التجارة التي كانت سائدة بين مختلف المجتمعات الإفريقية.

تاريخياً، كانت إفريقيا قبل الاتصال بأوروبا خليطاً من جماعات وممالك آخذة في التطور والنمو، وكانت هناك حركة للتاريخ ولم يكن التخلف الذي ألم بها بسبب الظروف الطبيعية أو من النماذج التاريخية الثقافية والديناميات الداخلية، ولكن كان للاتصال الأوروبي أثره في انقطاع حركة التطور الاجتماعي وعدم النضج الطبقي الذي هو أساس حركة التطور في أي مجتمع، فالتكوينات الطبقية هي أساس القدرة على بناء هياكل سياسية متطورة، وعادة ما تكون طبيعة النشاط الاقتصادي هي المسؤولة عن ذلك النضج الطبقي، ومع تأثير الاتصال الأوروبي السلبي على هذه الأبعاد نشأت حالة التخلف التي نراها في القارة الإفريقية اليوم، كما أن درجة التطور والتنمية التي كانت في إفريقيا قبل الاستعمار لم تُستخدم في بلورة الهياكل السياسية والاقتصادية لفائدة أبناء إفريقيا، وحسب بل كان لها تأثير في تنمية المجتمعات الغربية، وبالقدر ذاته الذي أسهمت به إفريقيا في تطور وتنمية الغرب كان للأخير دوره في تخلف إفريقيا، وكانت أول خطوات الأوروبيين هي جعل الأفارقة لا يستطيعون التخلي عن السلع الأوروبية التي كان يتم استبدالها بأكثر المعادن ثمناً.

وبعد أن تم اكتشاف العالم الجديد ومزارع قصب السكر، بدأت الحاجة للأيدي العاملة وبدأت تجارة الرقيق التي كان لها آثار تدميرية في إفريقيا، ونجح الغرب في إيجاد الانقسامات التي تضمن له استمرارية تجارة الرق، بل ونشأ الرق الداخلي لمصلحة الفئة التي كانت تخدم مصالح الاستعمار، ونجح الغرب بعد ذلك في ابتكار الوسائل والسياسات التي يحافظ من خلالها على إفريقيا في موقع التابع بعدما نجح في أن يجعل من الاستقلال الذي حصلت عليه الدول الإفريقية استقلالاً شكلياً، بل وما زال هناك 14 بلداً إفريقيّاً يضع 85% من احتياطاته الأجنبية في البنك المركزي الفرنسي كضريبة لفوائد الاستعمار، ويُسمح لتلك الدول بالوصول إلى 15% فقط، وإذا احتاجت تلك البلدان لمبالغ إضافية فعليها اقتراضها من ال 65% من أموالها الخاصة في الخزانة الفرنسية وبأسعار تجارية، أما واشنطن فلم تكن إفريقيا تمثل مصلحة استراتيجية لها قبل عام 1990، ولكن بعد بروز القوى الإسلامية في القرن الإفريقي وارتباطها بقوى إسلامية خارجيه تم طرح ما يسمى بالقرن الإفريقي الكبير، وتأسيس المجلس الاستشاري الإفريقي، وإنشاء أفريكوم، تلا ذلك إصدار (African Oil Policy Initiative Group) كتاباً أبيض ينص على ضرورة استبدال النفط الخليجي بالنفط الإفريقي، خاصة بعد صدور تقارير اقتصادية أمريكية تؤكد أنه بحلول عام 2020 ستحصل الولايات المتحدة على ربع نفطها من إفريقيا، أضف إلى ذلك أن النفط الإفريقي له ميزات يتفوق بها على النفط الخليجي، مثل انخفاض نسبة الكبريت ما يقلل عملية التكرير، إضافة إلى قرب السواحل الإفريقية من الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهذا ما أعطى النفط الإفريقي ميزة القرب الجغرافي التي ينافس بها النفط الخليجي، كما أن الدول الإفريقية متمايزة عرقياً وثقافياً لا يجمعها رابط ثقافي تاريخي مشترك ما يعيق تبنيها مستقبلاً لسياسة نفطية موحدة تجاه واشنطن والغرب، ومن هنا يمكن أن نفهم حرص واشنطن على تمديد قانون النمو والفرص في إفريقيا لمدة عشر سنوات ما سيوفر الضمانات اللازمة للاستثمارات الأمريكية طويلة الأجل، أما الصين فأسست ما يسمى بمنتدى التعاون الصيني الإفريقي- فوكاك- وبلغت قيمة الاستثمارات الصينية في إفريقيا 26 مليار دولار أمريكي، تدعمها الشركة النفطية الصينية العابرة والحاملة لتفويض سياسي قوي (Petro China) ما جعلها قاعدة جذبت اهتمام الدول الغنية بالنفط في إفريقيا.

 «رؤية خليجية»

بما أن دول الخليج العربي تهدف إلى تهيئة اقتصادها لمزيد من التنافسية والانفتاح من خلال تقوية بنيتها الأساسية وتطويرها لتلبية متطلبات النمو داخلها واستيعاب حجم التحولات الجارية في الاقتصاد العالمي والانتقال التدريجي للثقل الاقتصادي من الغرب إلى الشرق، فيمكن الاستفادة من الساحة الإفريقية. ونظراً لحاجة إفريقيا لنحو 93 مليار دولار سنوياً لتلبية احتياجات البنية التحتية للقارة الإفريقية حتى عام 2020 فإن قطاع البنية التحتية أهم القطاعات التي يمكن التعاون فيها بين مجتمعي الأعمال الخليجي والإفريقي، خاصة أن دول الخليج تتمتع بخبرة واسعة في مجال التنمية الاقتصادية وتطوير البنية التحتية، ومن جانب آخر، تظل إفريقيا هي القارة الأهم في مجال الإنتاج الزراعي والغذائي، حيث يمثل قطاع الزراعة أحد أهم القطاعات التي يمكن لدول الخليج النظر إليها لمعالجة مسألة الأمن الغذائي، كما يمكن استثمار الموقع الجغرافي الخليجي كجسر بين إفريقيا والصين، وذلك يتطلب تفعيل الهياكل المؤسسية وإقناع الشركات الاقتصادية الإفريقية بالتخطيط لإنشاء مراكز لها في دول الخليج حيث ستجد الكثير من المزايا الإيجابية من ناحية التكلفة، بما في ذلك عدم وجود ضريبة على الشركات والدخل والطاقة الرخيصة، ومن المُفيد للشركات الخليجية أن تنظر إلى الخصائص الاستثمارية في الأسواق الإفريقية كل على حدة، بدلاً من النظر إليها على أنها سوق واحدة ومتجانسة.

وأخيراً، لا أتمنى أن يكون مصير العلاقات الخليجية الإفريقية مصير أجنحة إيكاريوس.. فكما تقول الميثولوجيا الإغريقية أن إيكاريوس فتى منحه والده ديدالوس جناحاً من الشمع ليطير به إلى الشمس فذاب الشمع بلفحة الشمس وهوى إيكاريوس إلى اليم واختفى إلى الأبد.

*باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"