عادي

أم النسور

02:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
قصة: عبدالرضا السجواني

تهبط من الجبال الشاهقة، من سابع علو . تصيح والحنو يكتنف روحها . وروحها في انطواء، "على كدر ولظى" . وكأن ما من هكذا لظى إلا لأضلع وأفئدة تكتنز الجمر والوجعا! يختلط التوجس بهيبتها وهي تصبو طافقة إلى حيث الفلك المتسمر . على جنبه الأيمن يضطجع، ولا من يم . سوى من أحياء . كانت تلوذ بالمياه قبلئذ، وها هي بلا أي رمق من الحياة!
تنطلق مستشفة صرحا، عد طهرا تآلبت عليه الفظائع، ومن قائل الفجائع! تحط مفترشة جناحيها وكأنها تهم بمعانقته . تدنو برقبتها إليه، فلكأنها تشم صدراً مهشماً . جثت واضعة أضلعها على صدره، وعيناها محمرتان، قد نثرتا لؤلؤا، فتناثر هنا وهناك، تضفي رطوبته على أديم قد جفت كل مكوناته، متضعضعة، في تهشم أواصره . منزوعة روحه! بجسدها تتمسح، وإذ هو في عناق . والجناحان مطبقان . صدغها الأيمن مستلق على صدره، ينشد السبات والارتياح، وثمة سرور يمتطي لجام الطمأنينة يلتحم بروحها . علها تشفي جراحات قد خلفتها السنون . حملت رأسها لتضع صدغها الآخر برهة .
فروت من مقلتيها أضلعا ما عاد أي منها على نحو الاستقامة! قبل أيام كان يشق سبيله في مياه البحر . غير عابئ بعبابه . والعباب في طياته المكر، بالغدر يتدثر . يطغى الوئام على الفلك، وعلى حياة كل من حواه . وإذ هو فرح بمضيه، مشرئب بشموخه وما هو بصدده . من أول وهلة . بعدما لفظه جور البحر، سمع هتاف طائر نورس، مسترسل لا يتوقف . تشوبه نبرة حزن يتخللها نذير!
ياقوم لا أمان لكم اليوم . . .
رفعت الطيور الكاسرة أعناقها محدجة أبصارها
هيا هبوا . . .
فلك الإباء . .
وكأن الكلمات قد اختنقت بما يمتثل أمامه . .
هناك . . .
قد قذف به البحر، حيث الرمال الملتهبة . .
وماذا أيضاً:
نطق نسر قد تصدع قلبه .
ورفاقه متناثرون على يمناه ويسراه . صرعى يتوسدون التراب . وأشباهه الأربعة من بينهم، وأكبرهم السبع بمقربة من سيف البحر .
من أجله بذلوا كل ما في وسعهم، سخروا كل طاقاتهم، واضعين جل معينهم لصدره الحنون . كديدن أمهم المتفانية أبداً من أجل هناء الفلك ومضيه سعيداً، مذ أشرفت على شؤونه مع من له صلة به . بعد أن نذرت نفسها بخلق عوالم المسرة والوئام لحياتهم . أربعتهم دونما ارتقاء أو حتى تلمس لجلال أمهم . لم تبدأ بأي خطو . . وما كانت لتهم بأي أمر . قبل أن تفترش آيات طاعتها، باذلة مهجتها لمآقيهم . ولم يكن يساور ذاتها أي جنى، لمكنونها الثر . بل لما يختلج به من تلظٍ، قد مزق نياطاً بعد اضطرام . ولا من عيون كعينيها في سكبهما، لاعتلاجات واحتراق أحشائها . تتأجج كلما اعتلى أفق ذهنها ما ألم عزيزها المسجى! المغدور به، مرتم بمحاذاة شاطئ البحر . لم يقر لها أي قرار، في مثواها على الجبال . عيناها في سفرهما البعيد، إلى حيث مثواه . يخفق توقها إليه . كمن يستشف معيناً أو مسحة بلسم . فيمضي بها التلظي منطلقة، إلى ذلك الرابض، متشامخاً . مررت بجناحيها عليه، موضعا تلو موضع . متوقفة عند صدره، حيث فؤاده المطعون . قد أضفى على المكان المقفر بهاء . كقنديل، يتراءى للمتشوق، يتفرد ببريق لألاء . يصبو كل ما سبح وعام في مياه البحر، وما هام ودب على الأرض، من التوجه إليه وأخذه في طيات صدره . ففي ذلك أفواج من البهجة والانشراح تلامس نياط أفئدتها .
طغى عليها النوم، وجسدها في احتضان لجسده . فرأت كما يرى الرائي في جثو بين أحضانه يجوب عوالم ما رأت عيناها مثله قط .
كائنات تحاول التعلق والالتصاق بالفلك، لاجئة إلى دفء كنفه . تأخذها المياه إلى جانبه المواجه للبحر، فتحاول اللواذ به، إلا أن المياه لا تمكنها من ذلك . إذ سرعان ما تجرها نحو غياهبها، ولكنها تعاود محاولاتها لاجئة، ولو بملامسات من أطرافها، علها تظفر متنعمة بعبق ملاذ بل بوئام كهف بالانشراح يفيض . وثمة كائنات، تدب زاحفة على صدورها، تأتي من البعيد، مستجيرة به في لهفة كلهفة الظامئ لرشفة ماء .
لم تندهش لما ترى، والكرى يداعب عينيها على وقع تسبيح أمواج البحر الطريحة على رمال السيف . محاولة تلمس ظهر كيان يبث السرور لكل من رآه حتى ولو من البعيد! أطبقت جفنيها مجدداً، لتراه ميمماَ بها عبر البحور السبعة كعهده السابق . وقلبها يطير من شدة الفرح، محلقاً بها في ابتهاج . . . ولكن ذاك المنى . . لو أن ذلك يتحقق .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"