الزحف نحو أوروبا

إفريقيا الفتية تتجه إلى «القارة العجوز»
02:35 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

تأليف: ستيفن سميث
عرض وترجمة: نضال إبراهيم

من الوضع الصعب للمهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب مطاطية إلى الأزمة على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، تعد الهجرة الجماعية واحدة من أكثر القضايا الملحة التي تواجه مجتمعاتنا اليوم. في الوقت نفسه، تبدو الحلول القابلة للاستمرار أكثر بعداً، مع الاستقطاب المتزايد للمواقف العامة والمواقف السياسية. في هذا الكتاب، يركز ستيفن سميث على «إفريقيا الفتية»، ويقدم تحليلاً رصيناً لتحديات الهجرة التي نواجهها الآن.
يقول الكاتب في مقدمة عمله: «بقي التهديد الأمني المتزايد على الحدود الجنوبية لأوروبا غير معترف به لما يقارب قرناً من الزمان. ولم يُتصور ذلك مطلقاً من الناحية العسكرية، وأعتقد أن ذلك صحيح. ولكن لم تُسيَّس هذه المسألة باعتبارها مجرد مسألة نفعية اقتصادية، كالحصول أولاً على القوى العاملة المتدنية المهارات الرخيصة والمطلوبة بشدة، ثم إحداث، حالة ديموغرافية حيوية لتجديد نظم الضمان الاجتماعي المتعثرة في القارة العجوز، والحصول على (علف لحالات التقاعد) باختصار ساخر. منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين، كان التعامل مع هذه المسألة بشكل عشوائي باعتبارها قضية إنسانية. وبذلك نافست السياسة الأخلاقية السياسة الواقعية النفعية، فحدث الانقسام الذي زاد من تعميق الشرخ بين النخب العالمية والمشاعر الشعبية، إن لم يكن مشاعر الاستياء المعادية للمهاجرين بين مواطنيها».
يمثل التهديد الأمني «تدافع إفريقيا نحو أوروبا» بحسب ما يشير الكاتب، ويقول: «منذ ثلاثينات القرن العشرين، عندما شهدت الثروات السكانية الإفريقية تغييرات كبيرة، من الركود لفترة طويلة، وحتى النضوب خلال قرون من تجارة الرقيق، إلى أسرع نمو سكاني تشهده البشرية على الإطلاق، تحولت الجارة الجنوبية لأوروبا إلى عملاق. وبينما كان في إفريقيا فقط نحو 150 مليون نسمة بين الحربين العالميتين، فقد ارتفع عدد سكانها إلى 300 مليون نسمة بحلول 1960 (عام إفريقيا) للأمم المتحدة عندما نالت 17 مستعمرة سابقة في القارة استقلالها وتضاعف مرة أخرى بحلول نهاية الحرب الباردة، ليصل إلى 600 مليون بحلول عام 1990».


عزل إفريقيا


في عام 1885، في ختام مؤتمر برلين، والذي أرسى قواعد التقسيم الاستعماري لإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تبين أن براعة أوروبا العلمية وتصنيعها وجيوشها الحديثة جعلت منها القارة الأكثر تقدماً في العالم؛ بلغ عدد سكان أوروبا نحو 275 مليون نسمة، باستثناء روسيا. وإفريقيا، التي يبلغ حجمها 6.5 ضعف مساحة سطح أوروبا، كان عدد سكانها أقل من 200 مليون نسمة، وكانت أقل القارات نمواً في العالم. وهي معزولة نسبياً من جانب الصحراء الكبرى، ووباء الملاريا الذي يعد «الحارس الأكثر شراسة لأسرار إفريقيا»، وفقاً للرحالة العربي ابن بطوطة، ونادراً ما جرى التخطيط لداخل إفريقيا. ولكن في الوقت الذي كان يجري فيه التطلع فعلاً «للسيطرة على الأرض»، عندما كانت المسيحية وطائفة التنوير للتقدم يقومان بمهام التبشير بحماسة، وعند حدوث غزو فعلي لقاراتٍ أخرى، وبلدان مغلقة من قبل مثل اليابان، فُتحت عنوةً أمام التجارة الحرة، فكان من شأن إفريقيا أن تنال معجزة بسيطة لكي تهرب من الهيمنة الأوروبية.
وسيكون من المدهش بالقدر نفسه ألا تشعر أوروبا بقلقٍ شديد اليوم إزاء الهجرة الضخمة القادمة من الجنوب إلى الشمال، والممتدة عبر العالم من المناطق الأقل تطوراً في العالم. وفيما بين عامي 1960 و2000، تسارعت التدفقات من الجنوب إلى الشمال بسرعة، حيث تضاعف إجمالي أعداد المهاجرين ثلاث مرات من 20 إلى 60 مليون مهاجر. باستثناء المنطقة المغاربية التي غادر سكانها إلى فرنسا على وجه الحصر تقريباً، ولم تؤدِّ إفريقيا حتى الآن إلا دوراً طفيفاً فقط في موجات الهجرة هذه التي انبثقت في معظمها من آسيا وأمريكا الجنوبية. ولا تزال إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فقيرة جداً ومهمشة، بحيث لا يمكنها أن تلعب دوراً في ذلك، إذ لا تزال فقيرة نسبياً. وفي عام 1960، كان أكثر من نصف سكانها يعيشون في فقر مدقع. واليوم انخفض هذا الرقم إلى النصف تقريباً، وفقاً لبيانات البنك الدولي. ولكن في الوقت نفسه، لم يتضاعف عدد السكان في جنوب الصحراء الكبرى أكثر من أربع مرات فحسب، بل أصبح أيضاً أكثر تواكباً مع بقية العالم، الذي تصل إليه الآن محطات التلفزيون الفضائية والهواتف المحمولة وتكنولوجيا شبكة الاتصالات ذات النطاق الترددي العريض. فاليوم، يتمتع نصف سكان القارة بإمكانية الاتصال بشبكة «جي4» الهاتفية والإنترنت.


البحث عن الثروة

وأخيراً، فإن الخارج من بحر الفقر في إفريقيا هو من الطبقة الوسطى الحقيقية. والآن يبلغ الدخل اليومي المتاح لزهاء 150 مليون شخص من سكان القارة ما يعادل من 5 إلى 20 دولاراً في أي مكان. وما يقرب من 200 مليون شخص آخر يحصلون على ما يتراوح بين دولارين وخمسة دولارات في اليوم. باختصار، فإن عدداً متزايداً من الأفارقة هم في حلقة المعلومات العالمية، ويمكنهم حشد الموارد للبحث عن ثروتهم في أماكن أخرى.
وهذه نقطة حاسمة، وهي السبب الأكثر احتمالاً لعدم اهتمام أوروبا منذ وقت طويل بالنمو السكاني المذهل في إفريقيا. في الماضي لم تتسبب الحروب والجوع وفشل الدولة في إفريقيا في نزوح أعداد هائلة من سكانها إلى الشمال، ولم يترجم النمو السكاني في القارة إلى ضغوط سكانية تمارس على أوروبا. ولكن، كما أشار جيرمي هاردينغ في كتابه «الوقفات الاحتجاجية على الحدود وإبعاد المهاجرين عن العالم الثري» لعام 2012، «قد تحث أولى بارقات الرخاء أعداداً أكبر من الأفارقة على المجيء إلى أوروبا». لماذا؟ أفقر الفقراء لا يستطيعون الهجرة. إنهم مشغولون جداً في تدبر أمورهم المعيشية. وعلى الطرف الآخر الذي غالباً ما يتزامن مع الطرف النقيض من العالم، وسفر الأثرياء بشكلٍ مستمر، إلى درجة الاعتقاد بأنه لا المسافة ولا الحدود ذات أهمية. وحرية حركتهم تضعف من رغبتهم في الاستقرار في مكان آخر. وهذا ليس هو الحال بالنسبة لأولئك الذين نجوا بحياتهم من الموت ويرغبون في العيش في بلادٍ ذات فرصٍ تبدو مفتوحة. إن «إفريقيا الصاعدة»؛ الملياردير الديموغرافي والملياردير المتعدد لاحقاً، تعمل بسرعة على رفع إمكانات الهجرة لديها. فبينما كانت بالأمس تفتقر إلى المال الكافي للمغادرة، يقترب سكانها اليوم من عتبة ازدهار سيضعهم على الطريق إلى «الجنة» الأوروبية.


تحولات الهجرة


هل ستصبح إفريقيا المكسيك في أوروبا؟ قبل سبعينات القرن العشرين لم يتمكن سوى جزء ضئيل من المكسيكيين من تجميع وسائل عبور نهر ريو غراندي والاستقرار في الولايات المتحدة. ولكن مع تجاوز بلادهم عتبة الازدهار النسبي، قرر المزيد والمزيد من المكسيكيين الرحيل. فبين عامي 1975 و2014، هاجر ما يقرب من 12 مليون مكسيكي إلى الولايات المتحدة. إجمالاً، بما في ذلك أطفالهم المولودون في الولايات المتحدة، يشكل الأمريكيون المكسيكيون الآن مجتمعين ما يقارب 37 مليون شخص، أي نحو 11 في المئة من مجموع سكان الولايات المتحدة.
إذا ما اتبع الأفارقة هذا المثال، فإن الفكرة الإفريقية السائدة المتفائلة عن «نهوض إفريقيا» ستصبح حقيقة واقعة. وفي نهاية موجة الهجرة الإفريقية المستدامة، سيشمل سكان أوروبا ما بين 150 200 مليون أوروبي من أصل أفريقي، من المهاجرين وأطفالهم معاً، مقارنة مع تسعة ملايين فقط اليوم.
التاريخ لا يُكتب أبداً قبل أوانه، فالأحداث الماضية قد تكون مضللة بشكلٍ جسيم، أو سيئة التفسير، في حين أن التوقعات الديموغرافية المختلفة، وكذلك حجم أنماط الهجرة في المستقبل ومدتها ووجهتها، قد تتفاوت تفاوتاً كبيراً. كما أن المقارنات مع المكسيك هي أيضاً أقل ملاءمة، لأن إفريقيا ليست بلداً واحداً مجاوراً لأوروبا، والبحر الأبيض المتوسط هو بالتأكيد رقعة مائية أكثر خطورةً من نهر ريو غراندي للعبور.
من ناحية أخرى، بلغ عدد سكان أمريكا عام 1975 نحو 3.5 ضعف عدد سكان المكسيك الذين كانوا آنذاك 60 مليون نسمة، في حين أنها لا تزال اليوم أكبر بمقدار مرتين ونصف، على الرغم من أن سكان المكسيك قد زاد بأكثر من الضعف. إن الاختلال الديموغرافي الحالي بين سكان إفريقيا البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة وسكان الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 510 ملايين نسمة سوف يزداد حدةً عن ذي قبل: بحلول عام 2050، ستكون النسبة تقريباً خمسة إلى واحد. وسيكون التباين صارخاً أكثر من حيث التركيب العمري، أي شكل أهرامات العمر. واليوم، هناك أربعة من أصل عشرة أفارقة تقل أعمارهم عن 15عاماً، أي ضعف عددهم في الاتحاد الأوروبي، حيث يبلغ متوسط العمر 43 عاماً. وبينما يستمر سكان أوروبا بالتقدم في السن، يستمر الاتجاه الديموغرافي في إفريقيا جنوب الصحراء في الاتجاه المعاكس.


الاستيطان الانتقامي


يقول الكاتب أنه «بحلول عام 2050، سيكون سبعة من كل عشرة أفارقة دون سن الثلاثين بينما يقترب متوسط العمر في أوروبا من سن الخمسين. بعبارة أخرى، في فترةٍ تزيد قليلاً على 30 عاماً، سيكون هناك لكل أوروبي في الخمسينات، ثلاثة أفارقة، اثنان منهم سيكون في مقتبل العمر».
«ويشار أحياناً إلى أن معظم المهاجرين الأفارقة 68 في المئة في عام 2017 ما زالوا في قارتهم؛ يغادرون مسقط رأسهم فقط للانتقال إلى دولة إفريقية أخرى أكثر ازدهاراً».
«هذا صحيح. بيد أنه قبل 40 عاماً بقي تسعة مهاجرين من أصل عشرة في قارتهم، في حين أن النسبة المئوية للأفارقة الذين يعبرون الحدود الدولية للاستقرار في مكان آخر لم تكن أقل فحسب، بل كانت أيضاً نسبة أصغر من مجموع السكان الأكثر تواضعاً. وهذا يعني أن عدد الأفارقة الذين يهاجرون إلى الخارج سيرتفع بشكل كبير لا محالة، وسيتوجه معظمهم إلى أوروبا، التي ليست فقط أقرب منطقة ازدهار، حيث هي أكثر ثراءً بعشرين مرة من نصيب الفرد الواحد في إفريقيا، ولكن لأنها أيضاً قلعة الضمان الاجتماعي في العالم. وكل دولار يُنفق على الضمان الاجتماعي على هذا الكوكب ينفقه الأوروبيون، على الرغم من أن نسبتهم من سكان العالم قد انخفضت إلى 7 في المئة».
«لا يتطلب الأمر التخيل حول (الاستيطان الانتقامي) أو أي خطة رئيسية أخرى شريرة تتعلق بتدافع إفريقيا نحو أوروبا. إذا كنت قادماً من بلد مختل، واستطعت الفرار من براثن الفقر، إذا كنت تبحث عن مزيد من الأمن وفرص حياة أفضل لنفسك وتعليم جيد وميسور التكلفة ومستقبل أكثر إشراقاً لأطفالك، فإن أوروبا هي أفضل فرصة لك».
«لا تشكل الخيارات التي يتخذها الأفارقة العاديون تهديداً لأوروبا طالما ينتقل هؤلاء المهاجرون الشباب إلى القارة العجوز للعيش هناك بوصفهم أوروبيين، أو أفارقة أوروبيين، وليس بوصفهم أعضاء في (الشتات) الإفريقي، وطالما أن الأوروبيين مقتنعون بأن القول الفصل في (من يسمح له بالدخول) يعود إليهم. وقد أصبح كلا الشرطين موضع خلاف عام. ولكن حتى لو تحقق ذلك، فإن هجرة إفريقيا ستظل تمثل تحدياً كبيراً لأوروبا».



نبذة عن الكاتب

يبلغ عدد سكان إفريقيا اليوم 1.3 مليار نسمة. وخلال الــ 30 سنة المقبلة، سيتضاعف عدد سكان إفريقيا مرة أخرى تقريباً، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة التي تتوقع أن يصل العدد إلى 2.4 مليار بحلول عام 2050، وهذا الرقم أعلى بــ 17 مرة مما كان عليه في ثلاثينات القرن العشرين. وبالمقارنة، فإن سكان أوروبا الغربية، الذين بلغ عددهم قرابة 300 مليون نسمة في ثلاثينات القرن العشرين، ويبلغ عددهم الآن 510 ملايين نسمة، لم يزدد إلا بمعدل قدره 1.7% من سكان إفريقيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث