عادي

«كيارش» الإيراني في كينيا

03:10 صباحا
قراءة 5 دقائق

أمينة العريمي*

حكي لي صديق إفريقي ذات يوم أسطورة إيرانية مضمونها أن الملك (كيقباد) كان له ابنان هما كيكاوس وكيارش اختلفا بعد وفاة والدهما على الحكم فوافق (كيكاوس) أن يعطي أخاه الأصغر جزءاً من إيران. ولتحديد مساحة تلك المملكة طلب (كيارش) من أخيه أن يرمي بسهم من أعلى التلة وتكون المساحة التي يعبرها الرمح مملكته، فوافق (كيكاوس) إلا أن أخاه لجأ إلى حيلة، فصنع سهمه من الزئبق والذهب الخالص وانتظر حتى غابت الشمس فرماه فانجذب السهم نحو الشمس وعبر أراضي أذربيجان بأكملها فأصبح (كيارش) ملكاً على إيران ومن حولها رغماً عن أخيه. تلك الأسطورة كانت التعبير المنطقي لسياسة الجمهورية الإيرانية في إفريقيا.

اتجهت إيران إلى كينيا باعتبارها بوابة شرق إفريقيا ومن أهم الدول المرشحة لقيادة المنطقة في السنوات القليلة القادمة، كما يوجد على أراضيها فرع لرابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الإيرانية (ICRO) التي تنظم أسبوعاً للصداقة الإيرانية الكينية.. ونظراً لأهمية البحر في سياسة الجمهورية الإيرانية والتي تؤكد أن الماء يمكنه أن يصون أسرار أولئك الذين يأتون طالبين الملاذ، ورغبة إيران في كسر العزلة الاقتصادية التي كان قد فرضها عليها المجتمع الدولي قبل الاتفاق الأخير حول ملفها النووي، وإظهار نفسها كقوة منافسة، ومحاولتها السيطرة على ممرات بحرية وبرية لكسب أوراق ضغط جديدة في جنوب الخليج العربي ، تم إنشاء أهم الخطوط البحرية في شرق إفريقيا (خط ممباسا بندر عباس) وكشفت (فاينانشال تايمز البريطانية) أن هناك سفناً إيرانية تتحرك من ميناء بندر عباس مُتجهة إلى اليمن وشرق إفريقيا إلا إنها ما أن تصل لمنتصف البحر حتى تقوم بتغيير طاقمها وإغلاق أجهزة الستلايت وتختفي في عرض البحر ثم تظهر فجأة في ميناء (بندر عباس) وتعاود الظهور في ميناء الحديدة اليمني وميناء ممباسا الكيني.

وتعزز التعاون بين نيروبي وطهران بتوقيع الطرفين مذكرة تفاهم حول التعاون الاقتصادي والعلمي والفني لزيادة الواردات والاستثمارات الإيرانية في كينيا، وبعد اكتشاف احتياطات النفط والغاز أكدت نيروبي أن قطاع الطاقة المتنامي سيفتح الباب لمزيد من الاستثمارات والاستفادة من الخبرات الإيرانية في هذا المجال، كما دعت نيروبي الحكومة الإيرانية والقطاع الخاص لاستكشاف فرص الاستثمار في إطار خطة كينية متوسطة الأجل.
ولدعم تواجدها في شرق إفريقيا بدأ النشاط الإيراني في مدينة لامو الساحلية التي تعتبر من أهم الموانئ في شرق القارة الإفريقية وأُطلق عليها مؤخراً ب( موقع التراث العالمي في اليونيسكو) يأخذ منحاً آخر، فأنشأت طهران مسجداً تحول فيما بعد إلى قبلة لأتباع المذهب الإثني عشري، كما شهدت مدن كينية أخرى مثل مدينة (ماتندوني) و(قارسين) (مالندي) و(ممباسا) دعماً إيرانياً دينياً وثقافياً تمثل في مراكز علمية ومدارس ومستوصفات صحية ومكتبات عامة أعطت طهران صفة الدولة التي ترغب بتطبيق العدالة والخير في المجتمعات المهمشة، وتستند إيران لتعزيز نفوذها في إفريقيا على مُضاعفة البعثات الدبلوماسية في القارة البكر وتأسيس المشاريع التجارية.
وجدير بالذكر أن صحيفة «الإيكونوميست» البريطانية ذكرت أن كينيا من أهم الدول الإفريقية التي نجحت طهران في تقوية نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي فيها بعد جنوب إفريقيا.
نجحت طهران في تعويض تهميشها بالتنسيق مع دول الساحل الإفريقية، وبعد التوقيع على الاتفاق النووي تضاعف إصرار الجمهورية الإيرانية على نقل معركتها إلى اليمن والبحر الأحمر، ما يؤكد أن التوجهات الإيرانية الاقتصادية ستكون عاملا ثابتا، وستوسع إيران نفوذها في إفريقيا وستجد الدول الإفريقية مُبرراً لتطوير علاقتها مع إيران بعد أن تم وضع حد للعراقيل التي كانت تقيد طهران في إفريقيا في ظل غياب مشروع أو رؤية خليجية عربية استراتيجية واضحة.
أما الولايات المتحدة فأدركت أهمية ( كينيا) في الاستراتيجية الأمريكية فأعلنت مبادرة (الطاقة لإفريقيا) التي تهدف إلى إضافة أكثر من 10 آلاف ميغاواط من قدرة توليد الكهرباء النظيفة ، وشملت تلك المبادرة أكبر مشاريع توليد طاقة للرياح في إفريقيا ( أبولوس كينيا)، وهذا ما يفسر موافقة الكونغرس الأمريكي بتاريخ 30-6-2015 على تمديد قانون النمو والفرص في إفريقيا (أغوا) لمدة عشر سنوات وهو ما يعزز الشراكة الاقتصادية الإفريقية الأمريكية حتى عام 2025، وهذا أيضاً ما يوفر الضمانات اللازمة للاستثمارات الأمريكية طويلة الأجل، أما الصين فقد بدأت بتطبيق استراتيجيتها في كينيا المسماة ب ( سلسلة من اللؤلؤ) هدفها تحويل مدينة لامو الكينية الساحلية إلى أكبر ميناء في شرق إفريقيا تمهيداً لربطه بالموانئ الصينية.
يمكن لدول الخليج العربي الاستثمار في العلاقات الكينية- الخليجية التي تتسم بالإيجابية، خاصة أن هناك أكثر من مئتين واثنتين وأربعين شركة كينية تعمل في دولة الإمارات، إضافة إلى وجود استثمارات خليجية كينية في معظم دول الخليج العربي، أضف إلى ذلك يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي الاستفادة من منطقة التبادل الحر ثلاثية الأطراف التي أُعلن عنها في يونيو/حزيران 2015 بعد اندماج «الكوميسا» مع التكتلات الاقتصادية الإفريقية (الساداك وشرق إفريقيا) وذلك بالانضمام إلى مثل تلك التكتلات الاقتصادية بما تقتضيه مصلحتها ، خاصة بعد حصول معظم دول الخليج العربي على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي، كما يمكن التعاون مع الجانب الكيني في مجال المياه، فنيروبي تُصنف من الدول التي تعاني شح المياه بسبب تقلبات الطقس الذي تسبب في الجفاف. والمياه من أكثر مجالات البنية التحتية الإفريقية بحاجة للاستثمار ولكنها لم تجد اهتماماً خليجياً عربياً كافياً لأن معظم التمويل مصدره مجالات التنمية ، وبالتالي يمكن تعزيز دور الشركات الخليجية المُستثمرة في قطاع المياه مثل شركة (ماثيتو) وتعزيز التعاون بين الشركات الخليجية العاملة في إفريقيا مثل (شركة ويل الإماراتية) و(أبوظبي لطاقة المستقبل - مصدر) و(صندوق أبوظبي للتنمية) وشركة موانئ دبي العالمية، وشركة زين الكويتية وأجيليتي الكويتية التي تمارس نشاطها في إحدى عشرة دولة إفريقية في قطاع الموانئ، وشركة أكو باور السعودية للطاقة.
من المرجح أن تلعب صناديق الثروات السيادية الخليجية دورا أكبر في إفريقيا ، خاصة أن الآفاق الاقتصادية في شرق إفريقيا عامة وكينيا خاصة أصبحت أكثر إيجابية بسبب التوسعات في مجال السياحة والاتصالات والنقل والذي كانت نتيجته ارتفاع نمو الناتج المحلي إلى أكثر من 5% لعام 2014-2015، ما يشجع على تطوير «استراتيجية خليجية خاصة» لتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والدول الإفريقية ، يتم فيها تحديد المهام والاختصاصات ودور القطاعين الحكومي والخاص في تلك الاستراتيجية.
أتطلع أن تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على حضور وفد خليجي يمثلها في «مؤتمر المواطن الإفريقي» الذي يُركز على خلق فرص العمل والمشاريع في إفريقيا نظراً لأنها شاركت في دورات مبادرة «The Climate South»، التي تهدف إلى تحديد دور دول الجنوب العالمي في التصدي لتغير المناخ وصياغة حلول قابلة للتنفيذ، خاصة أن تلك الدورات تسبق مؤتمر COP21 الذي أُقيم بباريس في ديسمبر/كانون الأول 2015.
أختم مقالي بموقف جمعني بمواطن إفريقي صادفته في العاصمة الراوندية كيغالي وبعد حديث طويل تجاذبته معه عن ضرورة تعزيز العلاقات الخليجية - الإفريقية خاصة مع دول جنوب الصحراء، فكانت إجابته لي بالحرف «إن الخليجيين لا ينظرون إلى إفريقيا واحدة بل ينظرون إلى إفريقيات عدة وبناء عليه يتحركون ، ولكن هل يتحركون في المكان الصحيح؟».

* باحثة إماراتية في الشأن الإفـــريقي

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"