عادي
مي فاروق على خطى «الست» في زيارتها للعاصمة

دبي تعيد أم كلثوم إلى أبوظبي بـ «الحب كله»

04:41 صباحا
قراءة 3 دقائق
دبي: أمل سرور

كأنما عدنا إلى الوراء، إلى عصر نفتقد كل تفاصيله، لا نملك سوى أن نقف على أعتاب محطاته ننصت ونتأمل ويصيبنا الشجن ويحاصرنا الحنين فنكتوي بجمر الشوق.
في ندوة الثقافة والعلوم بدبي، عشنا لحظات فارقة مستسلمين لجاذبية أرواح العظماء التي راحت تجوب المكان.
وقفنا وسط ردهة الندوة، وسرت قشعريرة بين العروق عندما وقعت عيوننا على صور سيدة الغناء العربي أم كلثوم وقد صُمّمت بأسطورية مجسمة، لكن كلاًّ منا أحس بأنها تداعبه وتبتسم له وتغني وسط فرقتها الموسيقية له وحده.
تتسمر قدماك عندما تشعر بأنك تقف جنباً إلى جنب مع الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان نهيان، طيب الله ثراه، ترقب ابتسامته العريضة الفخورة ويده تصافح سيدة الغناء العربي.
لا يمكن أن تمنع دموعك المنهمرة أمام جلال كلمات العبقري الراحل بيرم التونسي وألحان رياض السنباطي التي يعبق بها صوت أم كلثوم فضاء ندوة الثقافة والعلوم، «مكة وفيها جبال النور طالّة على البيت المعمور، دخلنا باب السلام، غمر قلوبنا السلام بعفو رب غفور».
إنها ذكرى رحلة «كوكب الشرق» من القاهرة إلى أبوظبي، تستعيدها دبي من خلال الندوة على طريقتها الخاصة والفريدة والمختلفة والنادرة، إذ شهدت ساحتها الفكرية الضخمة في الوقت نفسه توقيع كتاب «أم كلثوم في أبوظبي» للأديب الكبير محمد المر.
يستعرض المرّ، عبر 227 صفحة تفاصيل ومحطات اللقاء التاريخي الذي جمع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وسيدة الغناء العربي، عندما دعاها لإحياء حفلتين بمناسبة عيد جلوسه، والتحضير لقيام الاتحاد. ويسرد الكتاب من خلال مجموعة من الصور مراسم استقبال أم كلثوم وغنائها في أبوظبي ولقائها بالشيخ زايد، وجولتها على كورنيش المدينة.
في الوقت الذي كانت فيه قاعة ندوة الثقافة والعلوم تكتظ بالزائرين من كل الجنسيات انتظاراً للتوقيع، استطعت أن أحتضن كتاب «أم كلثوم في أبوظبي» لأقرأ بعضاً مما سرده.
يقول المرّ، في فصل «أم كلثوم في أبوظبي»، إنه في السنوات التي أعقبت تسلم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مقاليد حكم إمارة أبوظبي كان يتم الاحتفال كل عام بعيد جلوسه الميمون باستثناء العام 1967، حيث أمر حينها بإلغاء احتفالات عيد الجلوس، تضامناً مع الدول العربية التي تعرضت للعدوان».
وأضاف: «كانت أبوظبي تقيم في تلك الاحتفالات عروضاً عسكرية واحتفالات شعبية تتخللها الأهازيج والرقصات الشعبية ويتبارى الشعراء للاحتفاء بهذه المناسبة الوطنية السعيدة». وأشار المر إلى دعوة أم كلثوم لإحياء حفلتين في أبوظبي بهذه المناسبة، وأنه في 26 نوفمبر/‏تشرين الثاني 1971، حطت الطائرة التي تُقلّ كوكب الشرق في أبوظبي.
وكان في استقبالها، العديد من الشخصيات الإماراتية المهمة وعلى رأسهم وزير البترول الشاعر مانع سعيد العتيبة، وسعيد الدرمكي، مدير دائرة التشريفات في أبوظبي، ونائبه علي الشرفا، كما فتحت لها قاعة كبار الزوار.
وأوضح المرّ، أنه بعد وصول أم كلثوم إلى أبوظبي وجهت رسالة شكر قالت فيها: «يسعدني أن أوجه هذه التحية إلى عظمة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، وشعبه الكريم وأشكركم على الحفاوة التي قوبلت بها منذ اللحظة الأولى، التي وصلت فيها إلى هذه الأرض العربية الغالية، ويزيد من سعادتي أنني جئت في مناسبة عيد جلوس صاحب العظمة الشيخ زايد والاستعداد للإعلان عن قيام دولة اتحاد الإمارات العربية التي ستضيف إلى الأمة العربية رصيداً جديداً من القوة والدعم».
تصفيق الحضور كان خير إعلان عن وصول محمد المر لتوقيع كتابه التاريخي الذي يعيد إلى ذاكرتنا، ذكرى أيام جميلة وزمن عظيم تمنّينا أن نكون شهود عيان على تفاصيله.
لم تكتف ندوة الثقافة والفنون في دبي بهذا الاحتفاء المشهود، بل كلّلت الاحتفالية بأمسية غنائية قدمتها الفنانة المصرية الشابة التي طالما أمتعتنا بصوتها في فرقة الموسيقى العربية مي فاروق.
لم تغنّ مي فاروق عشوائياً، بل أدت الأغاني نفسها التي شدت بها أم كلثوم في أبوظبي:«الحب كله»، «القلب يعشق كل جميل»، «أغداً ألقاك؟»، و«درات الأيام»، لتجعل الحضور يتفاعل معها وكأنه يرى «الست» تمسك منديلها الشهير فيتمايل الجميع معها، وكأنه يسمع طرب وسلطنة «سوما» عندما يجبرها العبقري الراحل الموسيقار بليغ حمدي على أن تتراقص بقرار وجواب صوتها الشجي، «يا أرق من نسمة وأجمل من ملك، انت روحي وكل عمري ونور حياتي يا حياتي، إيه أنا بالنسبة لك».
ويشدو الحضور مع مي فاروق بغناء كلمات مأمون الشناوي وألحان القدير محمد عبد الوهاب «أمرّ عذاب وأحلى عذاب، عذاب الحب للأحباب».
وسرعان ما يمر الوقت سريعاً ليدب الشجن في قلوبنا جميعاً عندما تختتم مي فاروق، الأمسية التي عشنا معها ذكرى زمن نفتقده وتركتنا نسأل «أغداً ألقاك؟ ياخوف فؤادي من غدي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"