عادي
فيلم قماشته واسعة تمكّن صنّاعه من تفصيل سلسلة منه

كازابلانكا.. الأكشن على أصوله

03:52 صباحا
قراءة 4 دقائق
مارلين سلوم

كيف يمكن لفيلم أن يحقق إيرادات عالية جداً تجاوزت 8 ملايين جنيه في يوم واحد، وهو يوم انطلاق عرضه، خصوصاً إذا لم تسبقه حملة دعائية كافية، وترويج يشبه «غسل الأدمغة» لحث الناس على شراء التذاكر؟ إنها ثقة الجمهور بصنّاع الفيلم، وبأبطاله، أو ببطله الرئيسي، التي تلعب دوراً مهماً في كثافة (أو ضعف) الإقبال على المشاهدة؛ وهذه الثقة استطاع أن يكسبها الثنائي المخرج بيتر ميمي، والنجم أمير كرارة، خلال مسيرتهما معاً الناجحة والمبهرة في عالم «الأكشن» تلفزيونياً (مسلسل «كلبش» بأجزائه الثلاثة)، وسينمائياً (فيلم «حرب كرموز»).. وهذه المرة أيضاً لم يخيب الثنائي، ومعهما الكاتب هشام هلال، الآمال، فاستحق فيلمهم «كازابلانكا» الذي يعرض حالياً في الصالات الإماراتية والعربية كل هذا الإقبال، وصار الجمهور هو المروِّج الأول للفيلم.

قماشة «كازابلانكا» واسعة، ويمكن تفصيل سلسلة أفلام منها. المؤلف هشام هلال (قدم مسلسلات ناجحة منها «طرف ثالث»، «تحت الأرض»، «حواري بوخارست»، و«الطبال») أجاد كتابة قصة «الهجامين» الخارجين على القانون، عمر المر (أمير كرارة)، عرابي (عمرو عبد الجليل)، رشيد (إياد نصار)، والمكسيكي (أحمد فهمي)؛ هم مجموعة من الصيادين والبحارة الذين تركوا العمل البسيط في البحر، ليستغلوا خبراتهم فيه بتشكيل عصابة من المهرة في «صيد السفن»، وسرقتها، أو القيام بعمليات سرقة بحرية «مهمة» لمصلحة عصابات أخرى، أو أباطرة الفساد. يغامرون ويجازفون مقابل جني الأموال. خسروا المكسيكي في إحدى العمليات، لكن العملية الأخيرة كان ثمنها باهظاً، تسببت بتشتت فرقة الهجامين، وسجن عمر 3 سنوات، بعد اكتشافه أن السيارة التي قاموا بسرقتها على متن سفينة، كانت مليئة بالألماس. العملية تكشف مطامع البعض، وخيانة البعض الآخر.

بعد خروج عمر من السجن، يخبره رشيد بخيانة عرابي لهما، وسطوه على الألماس، واستقراره في الدار البيضاء «كازابلانكا»، حيث تملّك قصراً، وأصبح اسمه «هارون»؛ أخذ معه زكريا (أحمد داش) شقيق عمر، رغم إصرار هذا الأخير على إبعاد شقيقه عن تلك الأجواء، وإلزامه بالتعليم. من هنا تتصاعد الأحداث، ونعيش في أزقة الدار البيضاء، وأحيائها الشعبية مغامرات ومطاردات العصابات، مع دخول أطراف جديدة على الخط، منها «دراجون» زعيم المافيا.

أول انطباع تخرج به إثر مشاهدتك لفيلم «كازابلانكا»، أن السينما العربية عموماً، والمصرية تحديداً، صارت تملك مفاتيح لعبة الأكشن السينمائية، وقادرة على إنتاج أفلام عالية الجودة والصناعة، لا تختلف بأي شكل من الأشكال عن الأجنبية التي تصدق كل مشهد حركي فيها، ولا تبدو ساذجة، أو مصطنعة، أو «مفبركة»، كما عهدناها سابقاً. بيتر ميمي محترف أفلام حركة ومشاهد أكشن تليق بالمنافسة في الصالات، ولا تقل شأناً عن سلسلة أفلام «السرعة والغضب» مثلاً، والتي يعشقها الشباب، مع اختلاف في ميزانية الإنتاج طبعاً.

انتقال ميمي من أكشن «كلبش» إلى «كازابلانكا» مر بتجربة أخرى ناجحة، وهي فيلم «حرب كرموز» الذي لاقى رواجاً عند عرضه في إجازة عيد الفطر 2018. المخرج استعان وقتها بالممثل البريطاني المشهور سكوت أدكنز، لكنه لم يمنحه دوراً درامياً مؤثراً في الأحداث، بل أبقاه محصوراً بمشاهد القتال مع كرارة، في حين أنه استعان في «كازابلانكا» بالنجم التركي هاليت (أو خالد) إرجنتش (اشتهر بدور السلطان سليمان في مسلسل «حريم السلطان»)، ومنحه دور زعيم مافيا لقبه «دراجون». قد يكون الهدف من وجود «الممثل الأجنبي» في العملين من باب دعم الفيلم وكأحد عوامل جذب الجمهور، لكن الحق يقال إن «كازابلانكا» بتركيبته، وقصته، وأبطاله العرب، ناجح سواء أكان هاليت موجوداً فيه أم لا.

المخرج وحده لا يصنع فيلماً ناجحاً، وإن كان الجزء الأهم والمهمة الأصعب في «الأكشن» تتوقف عليه. وفي «كازابلانكا» يشارك بيتر ميمي هذا النجاح، بل دعونا نقُل «يسبقه» إلى أسباب إقبال الجمهور على العمل، النجم أمير كرارة الذي بات «الواد التقيل» على الشاشة، معتمداً أسلوب الأداء البسيط «السهل الممتنع»، ليصنع نجاحه بنفسه، ويكسب حب الجمهور بفضل اجتهاده وحرصه على تطوير أدواته وأدائه على الشاشة. هو نجم «نمبر وان» حقيقي، لم يقلها يوماً، ولم يتظاهر أو يتباه بها، إنما الواقع وإقبال الجمهور وصناع الأفلام والمسلسلات عليه، يؤكدها. اسمه صار كافياً لضمان المشاهدة الكثيفة، ولضمان المتعة والجودة في المشاهدة تلفزيونياً، وسينمائياً.

بجانب كرارة فريق يجيد اللعب بحرفية أيضاً، ويبدو أن ميمي لا يختار الشخصيات وفق قائمة «الأصدقاء والمقربين»، بل وفق ما يليق بها، لذا ملأ ساحة «كازابلانكا» بلاعبين تقاذفوا الكرة بانسجام، وتنسيق، ومهارة، فاستمتع الجمهور، وصفق. إياد نصار متفوق ومختلف تماماً بدور رشيد، لاعب الورق المحتال، والخبيث. هادئ مطواع، كالثعبان يتلوى ويتسلل. عمرو عبد الجليل «ملك» في كل دور يلبسه، شديد التلقائية بأدائه، ظريف وحاد، يترك لعينيه أن تلعبا دوراً في إيصال مشاعر الشخصية إلى المشاهدين.

غادة عادل تغوص أكثر في المغامرات، مؤدية دور «فيفا» النصابة بتميز. محمود البزاوي ولبلبة في دورين مساندين، بينما يضم الفيلم مجموعة نجوم في إطلالات «شرفيّة»، مصطفى شعبان، بيومي فؤاد، نيللي كريم، وأحمد فهمي الذي يذكر اسمه منذ البداية ولا يظهر إلا في مشهد واحد.

ليس كل ما يريده الجمهور يمكن تحويله إلى أعمال ناجحة، لكن لا بأس إن أتت بعض الأعمال على هواه، من دون أن تسقط من حساباتها الحرفية والجودة في الصناعة. الإفيهات واللزمات التي علقت في ذهن الجمهور فخرج من الصالة يرددها ويضحك، دليل إضافي على نجاح العمل، الذي نتمنى أن يكمل صنّاعه على خطه نفسه في أعمالهم المقبلة، وتقديم الأكشن «على أصوله» من جوانبه كافة، لاسيما التصوير وحركة الكاميرا، مع المحافظة على جمال المشاهد والطبيعة، وحسن اختيار الأماكن الخارجية، والديكور الداخلي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"