عادي

احتفاء بالحياة

03:39 صباحا
قراءة دقيقتين
محمدو لحبيب

يستهجن البعض مبدأ الكتابة عن الموت، أو عن انتظار الموت المحكوم به على أولئك الذين يوجدون في وضعية المرض المزمن الذي لا يقبل الشفاء، ومبرر أولئك في فكرتهم تلك هي أن مثل تلك الكتابة قد تثير قدراً قاسياً من الشجن، والحسرة.
غير أن ثمة رأياً آخر يرى أن الكتابة عن الموت، أو انتظاره، هي بطريقة أخرى، ومهما أنتجت من آلام في نفس قارئها، كتابة عن الحياة، كتابة عن ضرورة إبصارنا لروعة الحياة من حولنا، كتابة عن الأمل الذي يولد فينا من رحم معاناة قاسية في تلقي تجارب آخرين.
إنها تبث في القارئ القدرة على مواجهة كل مشاكله الصغيرة، لأنه لم يواجه مصير تلك الشخصية التي قرأ عنها، والتي رآها بعين المؤلف، وهي تواجه في كل لحظة شبح الموت، وانتظاره المرعب من دون أن تملك تغييراً لواقعها الأليم.
في رواية مؤثرة جداً بعنوان «قبل أن أموت» تشرح لنا الكاتبة البريطانية جيني داونهام، مأساة بطلتها التي تعاني سرطان الدم، وتعيش في انتظار القدر المحتوم في أية لحظة، ولعل القارئ لتلك الرواية يجد نفسه أمام لحظتين تطرحان عليه الكثير من الأسئلة التي تتعلق بطريقة تثمينه لحياته، وإبصار كم هو محظوظ لأنه لا يشبه بطلة تلك الرواية.
اللحظة الأولى هي لحظة اكتشاف البطلة للمرض، حين أخبرها الدكتور بذلك، وتنقل الكاتبة جيني ذلك عبر الكلمات التالية: «قال الدكتور ريان إنه سعيد بقدومنا، ثم تردد للحظة،.. تَسا، أخشى أن لدي أخبار سيئة لكِ.. لقد انتشر السرطان إلى السائل الدماغي في حبلك الشوكي. هل هذا فظيع؟ سألتُ مازحة، لكنه لم يضحك: فظيع جداً، انتشر بسرعة أكبر مما توقعنا. انتظر للحظة،.. أستطيع نصحك فقط بأن تفعلي كل ما يحلو لكِ، قال بلطف».
اللحظة الثانية هي لحظة مواجهة الموت حين صار الترقب للنفس الأخير هو سيد الموقف، وتظهر جلية في المقطع التالي من الرواية حين تقول البطلة: «أطفأت النور، وراقبتُ عائلتي من خلف النافذة، ربما أنا ميتة، ربما هذا هو كل شيء، الأحياء سوف يستمرون في الحياة، وأنا سأستمر في هذا العالم الفارغ».
أن تفتح النافذة كل صباح وتبتسم في وجه أزماتك هو درجة واعية من درجات التلقي للروايات، والكتب التي تتحدث عن من فقدوا في حياتهم تلك المتعة.
إذاً، علينا اكتشاف الحياة فينا، علينا الاحتفاء بها في كل يوم، علينا في كل لحظة أن نستحضر أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، تلك هي وظيفة الأدب الذي يعرض الموت وانتظاره، فهل ثمة رسالة في حب الحياة أبلغ من ذلك؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"