عادي
جسد تمثيلاً حياً وراقياً لإبداع الأصالة

يوسف إدريس.. سيد القصة القصيرة بلا منازع

02:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

كان نجيب محفوظ يرى أن «ميلاد يوسف إدريس الأدبي ثورة، كما كانت حياته الأدبية ثورة مستمرة، ثورة على القوانين الفنية والاجتماعية، كان يقتحم كل شيء بجرأة، ويعالجه بطلاقة، فيثير من حوله زوابع الإثارة والانفعالات»، في حين أن شكري عياد كان يرى أنه «برحيل يوسف إدريس (1927 - 1991) تنطوي سيرة أحد أكبر كتاب العرب في كل العصور»، ويصفه أحمد عبد المعطي حجازي قائلاً: «كان سيد القصة العربية القصيرة بلا منازع».
قال نجيب محفوظ عنه أيضاً: «كان اسمه يتردد على الألسنة كمثال حي للإبداع القيم والفن الجميل، وقد مضى بخصوصية عجيبة في مضامينه وألحانه ولغته، معتزاً بقدرته غير العادية على الخلق والإبداع، وبلغ ذروته في القصة القصيرة، حقق إدريس في عالم الإبداع ما يعتبر من المعجزات، ولعل قصص إدريس مما يعد من الأدب العالمي في أصفى أحواله وأجملها».
هناك أسباب أخرى لاختيار د. محمد فتحي «يوسف إدريس» موضوعاً لكتابه «يوسف إدريس دراسة في تكوين المبدع وإبداع الأصالة وأصول النبوغ» من هذه الأسباب أنه كان تمثيلاً حياً راقياً لإبداع الأصالة، أو لما يمكن أن نخلقه من داخلنا حين نتعامل مع الواقع بشجاعة هنا، والآن، دون انسلاخ عن ماضينا وجذورنا، أو غض الطرف عن الجديد المتمثل في منجزات العالم الإبداعية، والحوار والتفاعل معها تفاعلاً خلاقاً، للمساهمة في عمارة الدنيا، والالتقاء مع إنسانية شعوبها، ورغم ذلك فإن محمود أمين العالم كتب عنه بعد وفاته: «عندما غاب عنا أخذت أراجع ما كتبناه عنه، في مصر بوجه خاص، ففاجأني أمر مذهل فاجع، ضاعف من إحساسي العميق بالحزن لغيابه، لقد تبينت أن ما نشر عن أدبه لا يكاد يرتفع - كمّاً وكيفاً - إلا فيما ندر إلى المستوى الرفيع الذي يمثله إبداعه».
كانت شخصية يوسف إدريس مثل كتاباته، شخصية انفجارية، من الصعب أن يحددها إطار جامد أو علاقة ثابتة، وقد أفضت به هذه الشخصية إلى تغيير المواقف والانتماءات الفكرية والسياسية من ناحية، وإلى التشابك والتصادم مع بعض القوى والتوجهات الاجتماعية على المستوى الفردي والجماعي من ناحية أخرى، بل امتزجت حياته الأدبية بأوضاع الصراعات السياسية والاجتماعية، لا في كتاباته فحسب، بل في مواقفه العملية كذلك، وفضلاً عن ذلك لم يكن يوسف إدريس يبحث بعيونه وعلاقاته الاجتماعية والإنسانية عن مصادر لاكتشافاته الإبداعية، بل جعل كل ذلك من ممارسة حياته نفسها، سواء على المستوى الشخصي أو الاجتماعي مجالاً حميماً للتجريب والغوص والمعاناة والمصادمة بهدف اكتشاف جوهر الدلالات والقيم والإمكانات والأشواق الخفية في أغوار النفوس، وفي تشابك العلاقات والأوضاع الاجتماعية والإنسانية عامة.
يركز د. محمد فتحي في كتابه على قصص يوسف إدريس القصيرة، لأنها كانت تشغل محوراً كبيراً في نتاجه، فعدد من مسرحياته كانت قصصاً في الأساس، وكان يقول في بعض الأحيان إن كثيراً مما عرف من نتاجه على أنه روايات ليس بروايات وإنما قصص قصيرة طويلة، وحين سئل عن ضعف رواياته مقارنة بقصصه قال: «ربما كان ذلك صحيحاً لو كانت هذه الأعمال روايات حقاً كما تدعوها، فلو طبقت عليها معايير الرواية لوجدتها فعلاً معيبة فنياً، لكن ما هي في الحقيقة إلا قصص طويلة، تنطبق عليها معايير القصة».
هناك وجهة نظر تقول إن خبرات خاصة عرضت ليوسف في حياته أسهمت بالنصيب الأوفر في تشكيل قصصه واكتشافاته الإبداعية، ما أكسبها خصائص بعينها، على سبيل المثال هناك خبرة دراسة عن الجسد الإنساني وتشريحه، التي تؤثر في ممارستها من حيث تنطوي عملية التشريح نفسها، على منهج رؤية الجسد، الواقع العضوي المنفصل، كما هو دون إضافات خارجية، ومن حيث أهمية الملاحظة الدقيقة لرصد الاختلافات الفردية ودلالاتها، السوية والمرضية، رغم الخطوط العامة المشتركة بين أفراد النوع، وكل ذلك مما يمكن أن يكون له تأثير بالغ على عمل الفنان ونتيجته.
هناك احتمال آخر، أن تكون خبرات خاصة حصّلها يوسف إدريس خلال تجربته الحياتية، ليست ممارسة التشريح إلا إحداها، قد أسهمت بنصيب وافر في صنع الخصائص المميزة لكتاباته الأدبية، وصنع قامته الإبداعية الفارعة، فقد كان ثمة تغير أساسي يطرأ عليه دوماً، ما أدى إلى تطوره ونضجه الفني في مراحل، وإلى تدهور رؤيته الفنية في مرحلة أخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"