عادي
مسبار فضائي في 2016 لدراسة "الكوانتم"

الأقمار الصناعية نقطة التقاء بين نظريتي الكم والنسبية

03:45 صباحا
قراءة 4 دقائق

تثير نظريتا الكم والجاذبية الجدل بين العلماء، ويرون أن الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء على سطح كوكب الأرض هي نقطة التقاء بين هاتين النظريتين، فالإلكترونات والفوتونات الموجودة داخل أجهزة الاستشعار والدوائر الإلكترونية بها تعمل طبقاً لنظرية الكم، بينما حركة الأقمار الصناعية نفسها تتحكم فيها نظرية الجاذبية .

وتطبق ميكانيكا الكم (الكوانتم) على العالم الميكرسكوبي، أي أنظمة الذرات والجزيئات والجسيمات الأولية (الإلكترونات والفوتونات)، بينما تطبق النظرية النسبية على العالم الماكروسكوبي، أي عالم الأجسام الكبيرة مثل حركة الأجرام السماوية وسرعة الضوء وعلم الفلك .

يحاول العلماء اكتشاف ما يحدث إذا تخطت إحدى النظريتين المساحة المخصصة لها وانتقلت للمساحة المخصصة الأخرى، خاصة أنه من المعلوم أنهما لا تلتقيان .

وطبقاً لمجلة نيوساينتيت العلمية البريطانية، فأول من قام بهذه التجارب هو أنطون زيلينجر، الباحث بجامعة فيينا بالنمسا، إذ وجه فوتونات ضوئية لمسافات بعيدة في جزر الكناري التابعة لإسبانيا، وطبقاً لنظرية الكم، فإن الجسيمات مثل الفوتونات توجد على شكل دالات موجية، وعندم قياس هذه الفوتونات تنكسر وتتحول إلى حالة محددة، وينتج عنها ما يعرف بالتشابك الكمي، وهو ارتباط جزيئين أو أكثر من هذه الفوتونات . وعند قياس حالة إحدى هذه الفوتونات فمن الممكن أن تنكسر الموجة الدالة للفوتون الآخر، ووجد أنه عند توجيه شعاع من زوج من الفوتونات المتشابكة في إحدى الليالي الساكنة غير المقمرة على مسافة 144 كيلومتراً بين جزر لابالما وتينرفي حدث انكسار للترابط بين الفوتونات وفقاً لنظرية الكم . وهذه التجارب طبقت عملياً، فالشخص المتنصت لا يمكنه التنصت على المعلومات المشفرة في الحالات الكمية المتشابكة من دون أن يكسرها، وإذا حدث ذلك فسيكشف عن وجود حالة من التنصت .

وتستخدم حالياً مفاتيح التشفير المكتوبة في حالات استقطاب الفوتون في تشفير وفك تشفير الرسائل الموجودة في شبكات الألياف البصرية والموجودة على نطاق صغير التي أنشأتها الهيئات الحكومية والمعامل البحثية والشركات التجارية العالمية . وهذه الشبكات لها مدى محدد، فالقدرة الاستيعابية داخل كابلات الأسلاك الضوئية تميل إلى التشويش على أي معلومات كمية منقولة خلالها، وتجعلها عديمة الفائدة، إذا تعدت مئات الكيلومترات، وللاستمتاع بنتائج اتصال كمي آمن عالمي في أي وقت يجب توجيه الإشارات بواسطة القمر الصناعي .

وتعتمد عملية التشابك الكمي بين الفوتونات على سطح الأرض على فرضية نظرية الكم، وهي أن المكان والزمان يشكلان خلفية صامتة غير متحركة تجاه أي حدث مثل حدوث القياسات البسيطة، فإذا أخذ قياس في مكان معين وتمت مراقبة التأثير المرتبط به في مكان آخر، سيتضح أن القياس الأول يؤثر في الثاني، أما عند تطبيق نظرية النسبية لاينشتاين فنجد أن الزمان والمكان نسبيان، فالوقت (الزمن) سيبدو أنه يمر ببطء شديد، وكذلك المكان على عكس الأجسام التي ستبدو أنها تتحرك بسرعة عالية، فكلما كان الجسم قريباً من مصدر قوي للجاذبية كلما بطأ مرور الزمن .

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف تغير التأثيرات النسبية الأشياء مثل التشابك الكمي ؟

وحاول زلينجر أن يجد إجابة عن هذا السؤال عندما ناقش الأمر مع مسؤولين في وكالة الفضاء الأوروبية في عام 2002 لوضع مصدر فوتون متشابك على محطة الفضاء الدولية وبذلك يتمكن من توجيه أجهزة الاستشعار ( الحساسات) الموجودة على سطح كوكب الأرض ويتم داخل هذه الأجهزة تحويل الموجات الضوئية للفوتونات إلى بيانات رقمية، ولكنه تلقى رداً حينها ليس الآن .

ويقود الباحث جيان وي بان من جامعة هيفي للعلوم والتكنولوجيا بالصين، وهو أحد تلاميذ زلينجر، فريقاً لتطوير قمر صناعي علمي متخصص في دراسة الكوانتم، وسيكون أول مسبار فضائي على مستوى العالم في دراسة الكوانتم، ومن المتوقع أن ينطلق في ،2016 وسيكون له مدار متزامن مع الشمس، وسيمر على عدد من المواقع على سطح كوكب الأرض في الوقت نفسه كل يوم وعلى ارتفاع 600 كيلومتر .

ويعمل مع بان في المشروع أستاذه زلينجر، والهدف الأول مشاركة مفتاح رموز تشفير الكوانتم عبر القمر الصناعي بين الأكاديمية الصينية للعلوم في بكين ومعهد زلينجر في فيينا، وسيتم استخدامه في فك تشفير المكالمات التليفونية بينهما إذا نجحت التجارب التي اتضح من خلالها أن الفوتونات تنتقل لمسافات أقل في الطبقات السميكة من الغلاف الجوي، ومع ذلك فمن المتوقع أن يصل واحد من بين مليون جزيء متشابك منقول إلى أجهزة الاستشعار (الحساسات) .

والمشكلة الحقيقية أن القمر الصناعي سيكون مرئياً فقط للموجودين على المحطات الأرضية في الصين وأوروبا لدقائق معدودة خلال عملية الإقلاع التي ستكون بمعدل 8 كيلومترات في الثانية، ويحاول بان وفريقه استخدام بالون الهواء الساخن في محاكاة لرصد الاهتزازات والحركات العشوائية والتغيرات التي من الممكن أن تحدث على ارتفاع من محطة الفضاء، كما سيتم استخدام مروحة صغيرة بها قرص دوار لعمل نموذج للسرعة التي يحلق بها القمر الصناعي .

ويحاول فريق الباحثين الصينيين حالياً التحقق من إمكانية عمل أجهزة استشعار لها حساسية كافية لالتقاط الفوتونات المتشابكة أثناء اليوم، وتعد تلك خطوة ضرورية لعمل شبكة اتصالات كمية عالمية أكثر أماناً وعملية .

يقول زينجر إن هناك تحركاً نحو تطبيق هذه التجارب، ومع ذلك فمن المتوقع عدم كسر هذا التشابك الكمي، ولكن على الأقل من الممكن معرفة بعض الإجابات عن الأسئلة المحيرة ومنها هل إذا تم توجيه زوج من الفوتونات المتشابكة لقمرين صناعيين يتحركان بسرعة تجاه بعضهما بعضاً، وتم قياسهما من نقطة على سطح كوكب الأرض، فبالنسبة لأي قمر صناعي سيحدث القياس أولاً، وأي القياسين سيؤدي إلى انكسار الدالات الموجية؟

ويأمل العلماء أن تكشف القياسات التي سيتم إجراؤها الإجابة عن كل سؤال يتعلق بالعالم الكمي مثل: هل الدالة الموجية جسم حقيقي أم لا؟، وهل عملية انكسارها تحدث في زمن ووقت؟ أم هي مجرد عملية حسابية للحالة المعرفية عن النظام الكمي .

وهناك فريق آخر من الباحثين من جامعة كوينز لاند في أستراليا غير واثق من فكرة أن الفوتونات لن تنكسر عند نقطة ما، حيث أوضحت النتائج التي قام بها في فبراير/ شباط الماضي أن الزمن النسبي الممتد لمئات قليلة من الفيمتوثانية الذي يمكن خلاله إرسال زوج من الفوتونات المتشابكة من الأرض إلى القمر الصناعي لمسافة 200 إلى 300 كيلومتر كاف لكسرها، وتعد ظاهرة التشابك الكمي ليست الوحيدة التي تحتاج لتفسير في عالم النسبية .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"