عادي
ظاهرة بدأت تنتشر بقوة في الساحة الثقافية العربية

ورش الكتابة الجماعية.. وداعاً للإبداع الفردي

02:45 صباحا
قراءة 4 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

هل يمكن أن تكون الكتابة الإبداعية غير فردية، هل نستطيع أن ننزع ذلك التصور الذاتي الفردي المعبر عن التجربة، لنجعله جماعياً؟ وكيف يمكن أن تحقق الكتابة الجماعية ذلك الشرط المتمثل في خصوصية الفكرة؟، أليست الكتابة تجربة ذاتية؟، ولأن الكتابة الإبداعية تتطلب قدراً كبيراً من التماسك والتنسيق على مستوى المعاني والأفكار والأسلوب، فهل يمكن أن تحقق الجماعية ذلك الاتزان والتناسق؟
ظاهرة جديدة بدأت بالانتشار في الساحة الثقافية العربية، وهي ظاهرة التأليف الجماعي للأعمال الإبداعية من شعر وقصة ورواية، ليصبح للنص أكثر من مؤلف، حيث تذوب الرؤية الواحدة التي يضعها كاتب معين، في مجهود جماعي، وربما المثال الأنصع على ذلك ما يحدث في الورش الإبداعية التي تخرج عملا يسهم مجموعة من المتدربين في كتابته.
ولعل الكثير من تجارب السرد الجماعي انتهت إلى خلخلة في البناء القصصي، وفراغ كبير في تسلسل الأحداث، وقد يرى البعض أن الكتابة الجماعية للنص الإبداعي، هو نزوع جديد، وخاضع للتجريب كما يحدث في الغرب، لكن يبقى سؤال: هل يعبر ذلك النزوع عن تطور في الأدب خاصة في بلداننا العربية؟.
«الخليج» طرحت كل تلك الأسئلة على عدد من المختصين في النقد والإبداع، حيث جاءت إجاباتهم متباينة من زاوية النظر للموضوع، إلا أنها اتفقت في معظمها على ضرورة الفردية في الكتابة الإبداعية.
وترى القاصة أمل المهيري أن العمل الإبداعي أيا كان جنسه لابد أن يكون نابعاً من ذات واحدة، تعبر عن الأحاسيس والانفعالات التي تعتمل في نفس الكاتب حتى لو كانت تحاكي قصة متخيلة، غير أن هناك محاولات ناجحة في الغرب في هذا الإطار، وكما هو معروف فإن أشهر كاتبين قدما أعمالاً مشتركة، هما الأخوين غريم.
وتؤكد أن الورش الإبداعية لا تخلق الموهبة، وإنما تصقلها وتحسنها، وتعرف المشارك فيها على بعض التقنيات والفنيات التي تساعده في إنجاز العمل الإبداعي، غير أنه لابد من توفر الموهبة أساساً، أو على الأقل وجود شغف يدفع الكاتب نحو إنجاز قصة أو رواية أو أي شكل أدبي آخر.
تقول المهيري: «صارت الكتابة تشكل نوعاً من الوجاهة الاجتماعية، خصوصا في الفترة الحالية حيث نشهد طفرة في عدد الكتاب، واتجاهاً جارفاً نحو الرواية، وامتلأ السوق بدواوين شعرية ليس فيها من الشعر شيء، وبروايات لا تحمل حتى جملة مفيدة».
وعلى الرغم من هذا الزخم في النشر، فإن المهيري لا تبدي قلقها تجاه هذه الظاهرة، فهي ترى أن الإبداع الأصيل والمشغول بعناية وحب، والنابع من موهبة ومعرفة، سيبرز نفسه بين هذا الزحام، أما الذي لا يمتلك الموهبة أو الأدوات، فسيضمحل ويندثر.
الناقد د. رسول محمد رسول تحدث بشكل قاطع، مؤكداً أنه لا توجد كتابة جماعية في الأدب، وإن حصل فذلك أمر متفق عليه، فأن يذوب الفرد في المجموع، لن يؤدي إلا إلى مسخ الذات الفردية، قد يحدث ذلك عندما يتفق مجموعة من الأدباء على كتابة نص إبداعي مُسبق التوجّه، فينتجون أدبا يحمل روحاً جماعية، ليبقى السؤال أين ذات الفرد المذابة في المجموع؟.
ينتقد رسول بعض الورش المخصصة للكتابة الإبداعية، ملاحظاً انتشارها كمنظومة تعليمية، مؤكداً أن هكذا مشاريع هي «مسخ»، فالإبداع طاقة، إن لم تكن تلقائية، لا يُتوقع منها الدوام الذي يحقق الدهشة، وكل من تدرّب سيكتب رواية بمعونة نفسية من الشخص الذي يدربه، والكتابة بالإنابة عملية «مضحكة».
يشير رسول إلى أن الرواية في بعض الدول العربية، أصبحت وجاهة وتسويقاً للشخص الذي يكتبها بقلم غيره، فعشرة بالمئة من الروايات مكتوبة بأقلام كتابها الحقيقيين، والبقية منتحل ومسروق ومكتوب بأقلام الغير.
وفي اتجاه قريب تحدث الروائي حمور زيادة، متفقاً مع د. رسول في أن الرواية والكتابة الإبداعية فيما يبدو صارت وجاهة عند البعض، مستدعياً حديثاً للروائي طلال فيصل عن لذة التئام خيوط الرواية أمامك وأنت تكتب، يقول فيه: «هي لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف»، حيث إن البعض كما يوضح زيادة لم يعرفوا تلك المتعة، لكنهم أحبوا لذة حفلات التوقيع.
يقول زيادة مضيفاً: «الكتابة تحتاج أولاً إلى الخبرة.. كولن ويلسون أشرف مرة على ورشة لعدد من الكتاب الشباب، قال بعدها إنهم يجيدون الكتابة، لكن ليس لديهم ما يقولونه.. فالخبرة تجعل لديك شيئاً ما يقال، ثم الرؤية للعالم تجعل هذا الذي يقال فيه فكرة ما، ثم الأسلوب يجعل هذا كله مسلياً ممتعاً».
يؤكد زيادة أن الورش لا تخلق مبدعاً من العدم، فجذوة الإبداع إما أن تكون لديك أو لا تكون، هي شيء لا يتم تعليمه، ولا توجد ورشة تعدك بذلك، وحتى مع الورش تظل الكتابة الإبداعية عملية فردية.
أما القاص والشاعر عبد الرزاق بوكبة، فيرى أن كتابة نص إبداعي جماعياً، فيه تمييع لخصوصية الكتابة القائمة على الفردانية، ووحدة التصور والحالة النفسية، غير أن بوكبة يرى بضرورة الورش التكوينية كتقليد مهمّ لإنضاج التجارب الناشئة، شريطة أن تكون خاضعة لرؤية حقيقية، وموكلة لمؤطّرين يهدفون إلى نقل تقنيات الكتابة، لا نقل حساسياتهم الشخصية لمن يدربونهم، ذلك أن هناك كتّاباً يرون نجاحهم في مدى أن يستنسخهم غيرهم، هذه نقطة مهمّة جدا، فمن الأفضل أن يبقى الكاتب الناشىء ناقص خبرة على أن يصبح نسخة مشوّهة من غيره.
يؤكد بوكبة على أن الكتابة فعل وليست انفعالاً، وتفكيك لا تفكّكا، وحفر لا تسوية للتراب، ووعي لا إلهاماً. وهو ما يجعل جانباً مهمّا منها محكوماً بالمعرفة والعلم، فاعتماد الكاتب على موهبته وحدها، وانخراطه في طقوس رومانسية استجلاباً للإلهام، من غير اكتساب المهارات والفنيات والتقنيات والأصول، التي تمنح نصه عمقه ونضجه ومعرفيته، سيجعل ما يكتب مجرّد رقعة من البوح والهذيان، وهذا ليس أدباً.
فيما يرى الروائي والناقد السينمائي زياد عبدالله أن الكتابة الجماعية تحرم الكاتب من فكرة فردانيته التي هي أساس إنتاجه الإبداعي، فالكتابة تعبير عن تجربة ذاتية، وفي حال كانت جماعية تحولت إلى عملية إلغائية للتأليف.
وأشار إلى أن الكتابة الجماعية قادرة على العطاء أكثر، وإنتاج الجديد والخلاق، في حالة كتابة السيناريو السينمائي على سبيل المثال، حيث تفيد تقنياً في تطوير الفكرة والأبعاد والأحداث والحوار وفق عصف ذهني بين الكتاب، ولكنها تتعارض مع فكرة التأليف الروائي أو القصصي، الذي يحتاج مساحة خاصة يبدع فيها المؤلف من بنات أفكاره، ويطور حبكة قصته وشخصياتها، ويكون هو محور العملية كلها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"