جون ناش مصفوفة العقل الجميل

«عقل جميل»... قديماً قيل إن ما بين العبقرية والجنون شعرة واحدة؛ لكن الرجل لم يكن مجنوناً؛ بل لقد سطر بعقله الوازن تلك النظرية العبقرية، التي باتت تعرف باسمه «توازن ناش» وجلبت من بعد مكاسب علمية ومادية فائقة، كما جلبت له «نوبل» دون أن يطلبها.
ذلك الفتى المختبئ في غرفته ليضع شيفراته السرية؛ ذلك «الشبح» الرائع في تلك القاعة الجامعية الرائعة، بتلك الخربشات الليلية، والمعادلات السرية؛ ذلك النابغة المصاب بالفصام، ترك علامة كبيرة على رأس قمة خالدة.
في الثالث عشر من يونيو/‏حزيران عام 1928 ولد «جون فوربس ناش الابن» في مدينة بلوفيلد بولاية فيرجينيا الغربية الأمريكية. وكان والده «جون ناش الأب» مهندساً كهربائياً، أما والدته فيرجينيا مارتن فكانت معلمة.
منذ طفولته كان جون ناش متطلعاً للمعرفة كثير القراءة، شديد الاستقلالية والاعتماد على نفسه في كل الأمور، وكان اهتمامه ينصب على الجوانب العلمية، حتى إنه كان يجري بعض التجارب العلمية في غرفته وهو لم يتجاوز الثانية عشرة.
كانت العقبة الكبيرة في حياة جون ناش هي إصابته بمرض الفصام؛ لكن ذلك لم يمنع الطفل جون من الإبداع والنبوغ مبكراً، فكانت تلك العزلة الاجتماعية المفروضة عليه؛ بفعل مجافاة الأصدقاء وزملاء الدراسة دافعاً نحو المزيد من طلب العلم والمعرفة.
حتى مارثا، أخت جون ناش الصغيرة، لم تكن تتحمس لمساعدة شقيقها في الاندماج مع المجتمع، تنفيذاً لطلب أمها المتكرر.
مارثا كتبت لاحقاً أنها كانت تتردد كثيراً في تعريف أصدقائها على «أخيها الغريب»، بحسب وصفها، مشيرة رغم ذلك إلى أن الجميع كان يعرف أن جون يتمتع بقدرات عقلية غير عادية.
جون ناش نفسه كان قد أشار في سيرته الذاتية إلى شغفه المبكر بالرياضيات.
ويبين هذا الشغف انشغال الفتى جون ناش باختراع شيفرات سرية، فيما كان أقرانه يحلمون بالزي العسكري والانضمام إلى الجيش خلال الحرب العالمية.
لقد كانت الرياضيات هي جبهته التي رابط عليها منذ الصغر، وسطر في ساحتها بطولاته العلمية.
رغم ذلك، لم تكن الرياضيات هي الخيار الأول لجون ناش لدى الالتحاق بالجامع؛، حيث بدأ بدراسة الهندسة، قبل أن يتحول إلى الكيمياء، ومن ثم الرياضيات، التي نال بها شهادتي البكالوريوس والماجستير عام 1948.
بعد ذلك بعامين حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون في نيوجرسي؛ بعد عمله في نظرية التوازن، وبحثه عن الألعاب غير التعاونية.
وعلى أي حال، فإن بداية مسيرة جون ناش المهنية لم تكن بعيدة عن العسكرية؛ حيث التحق بوظيفة ضمن مشروع بحث للقوات البحرية في ولاية ماريلاند.

الفصام

طوال مدة دراسة جون ناش في جامعة برنستون بين عامي 1945 و1949 كان يعتقد أن لديه شريكاً في غرفته، مرد هذا الاعتقاد في الواقع لم يكن إلا إصابة جون ناش بمرض الفصام، فما كشفته الوثائق يؤكد أنه كان القاطن الوحيد في غرفته طوال هذه السنوات، وهذا الاكتشاف كان كفيلاً بإثارة الذعر في نفس جون ناش.
«فصام شخصية ارتيابي مع اكتئاب بسيط وقلة تقدير للذات».. هذا هو التشخيص الطبي الذي وضع لحالة جون ناش في المستشفى عام 1959، لتبدأ رحلته الطويلة المتقطعة مع المستشفيات العقلية والأطباء والعلاج.
نجحت الخطة العلاجية الطويلة التي خضع لها جون ناش؛ حيث توقف عام 1970 عن تعاطي الأدوية وشفي مع مرور الوقت.
تمكن جون ناش من الاندماج نسبياً في المجتمع، على الرغم من غرابة أطواره، وفي الجامعة التصق به لقب «شبح القاعة الرائعة»، تبعاً لخربشاته الليلية وتلك المعادلات الرياضية السرية التي كان يدونها على السبورة في مركز الرياضيات بالجامعة.

زواجه ووفاته

زوجة جون ناش هي إحدى خريجات معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في تخصص الفيزياء، وتدعى اليشيا لوبيز هاريسون دي لاردي، وكان لها دور كبير في حياته.
مر زواج جون واليشيا بمراحل مضطربة؛ بسبب مرض الفصام
ألقى بظلاله على العلاقة بينهما، حتى وقع الانفصال بينهما عام 1963، إلا أنهما عادا إلى بيت الزوجية من جديد بعد تعافي جون ناش؛ حيث تزوجا مرة أخرى عام 2001، ليستمر الزواج هذه المرة حتى وفاتهما.
وفاة جون ناش واليشيا كانت درامية؛ حيث لقيا حتفهما معاً في حادث سير مأساوي وقع في الثالث والعشرين من مايو/‏أيار عام 2015.
وقع الحادث في نيوجيرسي تورنبيك حين كان ناش وزوجته يستقلان سيارة أجرة؛ فقد السائق السيطرة عليها، فكانت نهاية حياة هذا العقل الجميل وزوجته المحبة.

نظرية التوازن

نال جون ناش جائزة نوبل عام 1994 عن نظريته التي تعرف بنظرية التوازن، وقد كان وما يزال لهذه النظرية أهمية كبيرة وتطبيقات واسعة تشمل مجالات الاقتصاد والإدارة وغيرهما.
علماء الاقتصاد يستخدمون نظرية ناش هذه من أجل تفسير الأحداث السابقة والتنبؤ بالمستقبل، من خلال حسابات رياضية، وهم يطبقون هذه النظرية أيضاً في التنبؤ بأسعار منتجات الشركات المنافسة، وكذلك تستخدم عند طرح العطاءات والمزادات بغرض الحصول على أفضل العروض.

فيلم عقل جميل

أنتج الفيلم الأمريكي عقل جميل A Beautiful Mind عام 2001، وهو يدور حول قصة حياة جون ناش، وإبداعه، وإصابته بالفصام.
الفيلم من إخراج رون هوارد، وتأليف أكيفا جولدسمان، وهو مأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه «عقل جميل» من تأليف سيلفيا نصار.
قام ببطولة الفيلم النجم راسل كرو في دور جون ناش، وجينيفر كونيلي في دور زوجته اليسيا، إضافة إلى إد هاريس، وكريستوفر بلومير وبول بيتاني.
حقق الفيلم أكثر من 300 مليون دولار في جميع أنحاء العالم، وفاز بأربع جوائز أوسكار، منها أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل سيناريو لفيلم وأفضل ممثلة مساعدة.
رغم ذلك، واجه الفيلم بعض الانتقادات، لا سيما بسبب خطأ في عرض هلوسات جون ناش على أنها مرئية (بصرية)، في حين أنها كانت سمعية فقط في واقع الحال.

إضاءات

* تحدث جون ناش عن مرضه مرة فقال إن أحد جوانب المشكلة هو أن العقلانية تفرض قيوداً على مفهوم الشخص عن علاقته بالكون.
* عندما انتشر نبأ وفاة جون ناش وزوجته، كتب النجم راسل كرو، بطل فيلم «عقل جميل» تغريدة على موقع «تويتر» معبراً عن صدمته من الخبر الفاجع، وقال: «شراكة مذهلة.. عقول جميلة وقلوب جميلة».
* عندما بدأ جون ناش في أواخر الثمانينات من القرن الماضي استخدام البريد الإلكتروني، اتصل بعدد من زملائه علماء الرياضيات، وهؤلاء أدركوا سريعاً قيمة الرجل، ما مهد لاحقاً إلى لفت النظر إليه وحصوله على جائزة نوبل.
* من الأمثلة التاريخية على استخدام «توازن ناش» ما قامت به الحكومة البريطانية عندما طبقته في تصميم بيع تراخيص تشغيل شبكات الجيل الثالث لشركات الاتصالات، لتتمكن في النتيجة من تحصيل إيرادات هائلة بلغت نحو 35.4 مليار دولار.

مشكلات مستعصية في الرياضيات

كان الهدف من تجميع المادة الفريدة في هذا الكتاب، هو الوقوف على بعض الحلول المهمة لمشكلات الرياضيات، التي لا تنتهي، سواء المشكلات النظرية أو التطبيقية، الكتاب يركز على مشاكل البحوث التي تلعب فيها مسائل الرياضيات دوراً أساسياً.
يضم هذا الكتاب - المجلد، مساهمات مختارة للغاية من قبل أبرز علماء الرياضيات، وفيه أيضاً عرض للمشاكل المستعصية في مجال الرياضيات في مختلف دول العالم.
ويتضمن الكتاب مقدمة مشتركة من قبل اثنين من المحررين هما: مايكل. ت. راسياس الذي كتب وداعية شخصية في ذكرى جون ناش، والمحرر الآخر هو ميخائيل جروموف الذي كتب عن بعض الإنجازات الرياضية الأسطورية لجون ناش.
يعالج الكتاب مشكلات رياضية صرفة في الهندسة الجبرية، نظرية الأعداد، التحليل، الرياضيات المنفصلة، الهندسة التفاضلية، وغيرها، وهي موضوعات مهمة لطلاب الدراسات العليا في تخصص الرياضيات، وعلماء الفيزياء وعلماء الكمبيوتر والاقتصاديين وعلماء الأبحاث الذين يتطلعون إلى تطوير أساليب ونظريات جديدة أساسية وحديثة.

«ذا اسينشال جون ناش»

عندما فاز جون ناش بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1994، فوجئ كثير من الناس بأنه كان على قيد الحياة وبصحة جيدة، منذ ذلك الحين، وفي هذا الكتاب تكتب مؤلفة «عقل جميل» لجون ناش عن جوهر هذه الشخصية الملهمة باستخدام كلماته هو.. قدم هذا الكتاب، ولأول مرة، المجموعة الكاملة من مساهمات ناش المختلفة، ليس فقط لنظرية الألعاب، التي حصل عليها على جائزة نوبل؛ بل إلى الرياضيات البحتة، من هندسة ريمان والمعادلات التفاضلية الجزئية، التي أدارها ببراعة وبشهادة كبار الأكاديميين. وشملت تسعة من أوراقه الأكثر أهمية، ومعظمها مكتوبة خلال العقد الذي بدأ في عام 1949.
من عام 1959 حتى موته المريع، وبعد ثلاثة عقود، كان ناش يقف وراء مفاهيم «توازن ناش» و«مفاوضة ناش» هذه المفاهيم التي لا تتخلل علم الاقتصاد وحسب؛ بل الاستراتيجية النووية ومحادثات التعاقد،
اشتمل الكتاب على مقدمة ل «هارولد كون» قدم فيها رؤى شخصية عن صديقه وزميله القديم، من خلال أوراق ومقدمات ناش ذاته، المكتوبة في سياق علمي متماسك، وكيف يصف ناش عمله الجديد في إشارة إلى نظريته في التوازن، ويناقش خطأ في إحدى أوراقه، يناقش الكتاب هذا كله، وكيف شكلت براعته مصدر إلهام لعلماء الرياضيات، ومن ذلك كيف وصف أحد زملاء ناش أسلوبه في الاستقصاء الفكري بقوله «مثل الصاعقة».

«عقل جميل» لسيلفيا نصار

هو كتاب نشر عام 1998، ويمثل سيرة حياة عالم الاقتصاد والرياضيات الحائز جائزة نوبل جون فوربس ناش جونيور من إعداد سيلفيا نصار، أستاذة الصحافة في جامعة كولومبيا. الكتاب يعيد إلى الأذهان رحلة هذا العبقري الذي أصيب بمرض فصام الشخصية، طوال ثلاثة عقود، ورغم ذلك استعاد عقله، وحصل على جائزة نوبل

ناش وألبرت أينشتاين

شارك جون ناش في المؤتمر العالمي الرابع لجمعية نظريات الألعاب الذي عقد في جامعة إسطنبول بلجي عام 2012، بمشاركة أكاديميين من الجامعة، وهناك قال «هناك أوجه تشابه بين الرياضيات والعدالة، وإن الأدلة كانت الكلمة الأساسية؛ حيث تعتمد كل من الرياضيات والعدالة على الأدلة، وأن من السهل الوصول إلى الحقيقة إذا تصرف المرء بشكل صحيح وبصدق في العمليتين».
عمل أينشتاين في جامعة برينستون في نيو جيرسي، بعد أن استقر في الولايات المتحدة في عام 1940 وعمل هناك حتى وفاته في عام 1955.