عادي
المشاركون في أعمال قمة «بيروت إنستيتيوت» الثانية في أبوظبي:

انسحاب أمريكا من «النووي» يمنح إيران فرصة لتغيير مسارها

04:23 صباحا
قراءة 9 دقائق
أبوظبي: نجاة الفارس ورشا جمال

دعت نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، الدول العربية كافة إلى مواجهة التحديات التي تعيشها حالياً، بمواكبة التطورات والاندماج، مشددة على أن الاستعداد للمستقبل يجب أن يكون عن طريق بناء الإنسان والاستثمار في الشباب، مع ضرورة قيام المسؤولين المعنيين ببحث ظروف وتحديات المنطقة، لوضع رؤية واستراتيجية واضحة المعالم تقضي على العنف والتطرف والميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية.
جاء ذلك خلال كلمة الوزيرة في افتتاح فعاليات قمة «بيروت انستيتيوت» الثانية التي انطلقت أمس في أبوظبي، تحت عنوان «الاندماج العربي في المستقبل العالمي النامي»، بمشاركة 200 شخصية سياسية وحقوقية عربية وعالمية.
وقالت الكعبي: «تناقش هذه القمة المستجدات السياسية والأمنية، بهدف وضع خريطة طريق للمستقبل، ونحن نحتفي في هذه الأيام و بالذكرى المئوية للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وهو الذي أسس دولة الإمارات على قيم التسامح وخطّ نهجاً فريداً في هذا الشأن، نحن الآن أحوج ما نكون إليه، للارتقاء بجودة الحياة خاصة بعد أن عانت المنطقة خلال السنوات الماضية».
وأضافت: «رغم كل الظروف يظل الأمل والتوجه نحو البناء هو اللغة التي يجب أن نتحدث بها، خاصة خلال هذه القمة التي تبحث في الظروف والتحديات التي تمر بها المنطقة، لوضع رؤية واستراتيجية واضحة المعالم، للقضاء على العنف والتطرف والميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية».
وتابعت: «إن دولة الإمارات تمثل باقة أمل لشباب المنطقة، إذ تحتل المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر أمناً للعيش والعمل، وعلى الدول العربية أن تواجه التحديات عن طريق الانخراط في التطور التكنولوجي ومواكبة التطورات والاستعداد للغد بالعمل على تنمية قدرات الشباب وبناء الإنسان الذي يعد أساس بناء الأوطان ومنح المساحة الكافية للابتكار والتطور التكنولوجي لتحقيق التميز»، لافتة إلى أن ذلك يعد أولى خطوات الاندماج مع المستقبل.
وتهدف قمّة «بيروت إنستيتيوت» إلى استطلاع آراء القادة العرب والدوليين إزاء التحوّلات التي تشهدها المنطقة، ووضع خيارات سياسية مبتكرة وبنّاءة تسهم في التصدّي للتحديات، بإشراك القيادات الشابة في دعم الجهود الإقليمية الهادفة لبناء مستقبل أكثر إشراقاً وازدهاراً للجيل الحالي والأجيال القادمة.
وتستشرف القِمّة - من خلال 13جلسة نقاشية مفتوحة، و5 جلسات مغلقة - مستقبل المنطقة في ضوء المستجدات الدولية، وتناقش دور حكوماتها في صناعة المرحلة المقبلة، ولعب دورٍ حيويٍّ فاعلٍ في صياغة المستقبل العالمي.
وفي كلمتها قالت راغدة درغام، مُؤسِّسة ورئيسة مؤسسة بيروت إنستيتيوت: «إن المشاركات المهمّة لنخبة القيادات والشخصيات البارزة من المنطقة ومختلف دول العالم، تؤكّد أهمية القمّة وثقة المجتمع الإقليمي والدولي بدورها ومكانتها كمنصة رائدة لمناقشة وتقديم طروحات وأطر عمل فعّالة، تسهم في تشكيل الوجه الجديد للمنطقة».
وأضافت: «تؤكد استضافة دولة الإمارات للقمّة أهمية الدور الذي تقوم به في دعم مسيرة التنمية والازدهار في المنطقة والعالم، ولقد أثبتت مؤسّسة بيروت إنستيتيوت بالفعل إمكاناتها محفّزاً للتغيير الديناميكي، وباعتبارها مؤسّسة فكرية منبثقة من المنطقة العربية، متعدّدة الأجيال، غير حزبية ومستقلة تعمل على الصعيدين العربي والدولي، فقد ارتأت عقد هذه القمّة الملحّة والضرورية في هذا التوقيت، من أجل أخذ زمام المبادرة ولعب دورٍ ريادي في رسم مستقبل المنطقة العربية، المحلي والعالمي».
وبدأت القمة بكلمة افتتاحية للأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أكد خلالها أن القمة تكتسب أهميتها من كونها تأتي في فترة حساسة للغاية، بها تحولات تاريخية على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية والسياسية، لافتاً إلى أن القمة تعتمد على مصطلحين أساسيين، الأول «التحولات المستمرة ليس في المنطقة العربية فقط ولكن على مستوى العالم»، في محاولة لسبر أغوار تلك التحولات والوصول إلى حلول لما تعاني منه المنطقة من مشكلات وتحديات.
ورأى المصطلح الثاني للقمة هو «التقاطعات»،
وقال: «التقاطعات تفرقنا أحياناً وتجمعنا أحياناً وهو ما يستدعي العمل معاً للعمل على أن يكون التقاطع إيجابياً وليس سلبياً»، لافتاً إلى أن القمة تناقش الرؤى والأفكار التي توصل إليها المجتمعون لتخرج في شكل توصيات تعود بالنفع على المجتمع العربي.
وشهدت فعاليات اليوم الأول للقمة التي ستختتم أعمالها اليوم، جلسة حوارية موسعة تحت عنوان «أمناء حاليون وأمناء سابقون»، شارك فيها أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وعبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، وعمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، وعبد الله بشارة، الأمين العام الأسبق لمجلس التعاون لدول الخليج العربي.
وفي بداية الجلسة تحدث أبو الغيط، عن دور الجامعة العربية في مواجهة الأزمات الراهنة في المنطقة، قائلاً: «لا شك أن للجامعة دوراً كبيراً خاصة فيما بعد ما سمي بالربيع العربي، الذي أسميه أنا ببداية التدمير العربي، فبالرغم من أن الجامعة العربية تقوم بمسؤولياتها تجاه الدول العربية، فإنه على الجانب الآخر هناك بعض الأمور والأزمات حدثت ما بين دول عربية بعضها البعض، إذ حاولت الجامعة القيام بدورها فيما يخص ليبيا على سبيل المثال، ولكن في لحظة من الزمن تحركت الأمور بشكل سريع، وتم إحالة الأمر إلى الأمم المتحدة».
ورأى أبو الغيط سرعة تدويل الجامعة العربية للأزمة الليبية في بدايتها، كان خطأ، إذ قال: «كان علينا التمسك بمواقفنا حتى تستنفد الجامعة العربية كافة الفرص والإمكانيات المتاحة لحل الأزمة».
وفيما يتعلق بالملف السوري، أكد أن ملف سوريا يختلف عن الملف الليبي إذ استغرق ما يقارب العام قبل إحالته للأمم المتحدة، بعد تأزم الوضع هناك ورفض النظام للجامعة ودخول أطراف دولية في الأزمة، واصفاً الوضع الراهن في سوريا بأنه «غاية في التعقيد». وقال: «لا أرجح أن تتدخل الجامعة العربية طرفاً لحل الأزمة في ظل الأوضاع الحالية، ولكن تدخلها سيكون في الوقت المناسب عندما نمسك بالخيوط مرة أخرى».
وأَضاف: «مسألة سوريا معقدة للغاية نظراً لوجود قوات دولية مختلفة، مثل روسيا وأمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيران وتركيا، والمعارضة والنظام، ما يعني أن الصراع لانهاية واضحة له حتى الآن، والجميع يتحدثون عن أن النزاع يجب أن ينتهي بتسوية سياسية وهو الأمر الصحيح، ولكن الوضع يقول إن النظام السوري يستحوذ على 60% من الأرض والقوى الخارجية تلعب في الشأن السوري، ولا استطيع أن أقول متى سينتهي أو كيف سينتهي هذا الصراع، لأن مثل هذا النوع من النزاعات يأخذ وقته».
وتابع: «النظام السوري عندما يطرح اسم الجامعة العربية طرفاً في التسويات يرد بضرورة قيام الجامعة بإعادة النظر في مواقفها تجاه هذا النظام، وهو أمر لا نستطيع القيام به لأن النظام السوري لا يزال مسؤولاً أمامها عن آلاف الأرواح التي أزهقت، ولذلك فإن الشأن السوري مع الجامعة له وضع خاص جداً».
ولفت إلى أن الجامعة العربية تقوم بدورها فيما يتعلق بإيران ومحاولات تدخلها المستمرة في المنطقة ودعمها للإرهاب، مشيراً إلى وجود لجنة دائمة بالجامعة معنية بالأداء الإيراني في الإقليم، وتقدم توصياتها دورياً للقادة في القمم العربية التي تعقد تباعاً.
وأوضح أن الجامعة كانت تتحرك دوماً تجاه أي تحرك أو تصعيد إيراني في المنطقة، وقال: «تصريحات إيران الشفهية كان يرد عليها بتصريحات شفهية، وكانت الجامعة تقوم بإدانة الأفعال الإيرانية، ولا ننسى أنه عندما تقدمت إيران لعضوية مجلس الأمن حظيت ب 32 صوتاً فقط، في حين كان ينبغي أن تحصل على 128 صوتاً، وهو ما يدل على وجود رفض إقليمي ودولي للتصرفات والتحركات الإيرانية».
وقال: «فيما يتعلق بدور الجامعة العربية في مواجهة الأزمات التي تواجه العالم العربي بشكل عام، فالمسائل أكثر تعقيداً من الشكل الذي تظهر به، وهناك أولويات للعمل وعمل الجامعة العربية ينقسم إلى شقين الأول: المسؤولية، والثاني: الميزانيات وعمليات التمويل اللازمة للتعامل مع الأزمات، ويكفينا أن نعرف أنه في الوقت الذي تبلغ فيه ميزانية الأمم المتحدة 4 مليارات دولار، لا تتجاوز ميزانية الجامعة العربية خلال العام الجاري، 60 مليون دولار، حصل 24% منها فقط حتى اللحظة الحالية».
ورأى أن حصر دور الجامعة العربية في ملفي سوريا وليبيا فقط، أمر غير دقيق، لأن المسألة ليست سياسية فقط، ولكن دور الجامعة يمتد ليشمل النظام في المنطقة العربية بالكامل، بحسب قوله.
من جانبه فصل عبد اللطيف الزياني، أسباب تماسك مجلس التعاون خلال الأزمات العربية، أهمها التعاون بين دول المجلس والاتساق في قراراتها، وقال: «مسيرة مجلس التعاون الخليجي بدأت منذ زمن طويل، حين قرر قياداته ألّا يقتصر دوره على تحقيق النمو الاقتصادي فقط، ولكن أن يمتد هذا النمو ليشمل كل المجالات».
وأضاف:«المجلس وصل إلى مكانة دولية مرموقة، بالإضافة إلى استحواذه على قبول الشعوب والمواطنين، نظراً لاهتمام القادة طوال 37 عاماً بكل التفاصيل، ومازالت الدول الأعضاء ملتزمة بالمجلس ودعم مسيرته، ما يجعله منظومة راسخة ومتماسكة تضم مؤسسات فاعلة حققت إنجازات ملموسة في كل المجالات»، مشيراً إلى ارتفاع حجم التبادل الاقتصادي بين دول التعاون من ستة مليارات دولار عام 2003 إلى 120 ملياراً حالياً.
وتابع: «مجلس التعاون من المنظمات القليلة التي استطاعت تنفيذ بنود الفصل الثاني لميثاق الأمم المتحدة على أرض الواقع، فقامت بمبادرة سياسية في اليمن، وكذلك تكليف الأمانة العامة بالتعامل مع الأزمة القطرية، حيث يقوم بالوساطة فيها قائد محنك ومرحب به من قادة المجلس، وهو الشيخ صباح الأحمد الجابر، أمير الكويت، الذي سخّر الديوان الأميري وكل مؤسسات دولة الكويت، لمساعيه وجهوده في الوساطة، والأصدقاء بيّنوا أهمية دعم تلك المساعي»، مشدداً على أن أزمة قطر بيّنت مدى التماسك بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
وعن الملف الإيراني رأى الزياني أن قرار الرئيس الأمريكي ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، يمنح إيران فرصة لتغيير مسارها، قائلاً: «نحن نريد دولة تحترم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والكف عن تزويد الميليشيات والجماعات الإرهابية التي تهدد المنطقة، بالصواريخ الباليستية، وكذلك الكف عن التدخل في الأمور الداخلية للدول».
وأكد أن «الكرة الآن باتت في ملعب إيران، حيث عليها أن تعمل جاهدة على تغيير مسارها واحترام قرارات مجلس الأمن حول الصواريخ البالستية وعدم دعم الإرهاب، ما يجعل المنطقة آمنة قادرة على الإسهام في صنع السلم والأمن الدوليين». مشدداً على أهمية دعم المجتمع الدولي للمنظمات الإقليمية لتحقيق غاياتها في صنع السلام.
وعن إفصاح قطر عن علاقتها بإيران، رد المجلس على ذلك وقال الزياني: «إن سياسة المجلس في هذا الشأن واضحة من خلال اتفاقية الدفاع المشترك التي تنص على أن أي اعتداء على أي دولة خليجية يعد اعتداءً على دول المجلس كافة، ويتم الرد من جميع الدول».
وأضاف: «لدينا الآن قيادة موحدة للعمليات البحرية والجوية ولدينا الشرطة الخليجية، وماضون بتعزيز قواتنا لتعزيز استراتيجيتنا وقيامنا بدورنا».
ورأى عمرو موسى، أنه لا يمكن حصر دور الجامعة العربية فقط في الأزمات التي تعيشها بعض الدول العربية، إذ قال: «الجامعة العربية ليست فقط مشكلة سوريا وليبيا واليمن، وإنما هي تاريخ طويل من الخدمات والإنجازات، وإذا نظرنا إلى السنوات الأخيرة نرى دورها في ازدياد حركة العمالة وحركة السياحة وأيضاً حركة التشغيل في الدول العربية، وصناديق الإنماء والقروض والمنح التي أعطيت والمشروعات المشتركة والاتفاقات التي تتعلق بالمناطق الحرة في إطار الجامعة العربية مثل المنطقة العربية بين المغرب وتونس ومصر، ولا سيما ما يتعلق بالحركة نحو إنشاء سوق عربية مشتركة».
وأضاف: «لا يصح أن نجلد أنفسنا باستمرار، ولا بد أن نكشف عن حقيقة التعاون العربي الذي حدث، فالجامعة لم تفشل في كل الجوانب، وهناك جوانب مضيئة للغاية يجب إلقاء الضوء عليها بين الحين والآخر».
وتابع: «أرى أن القضية الفلسطينية والمبادرات الأخيرة لجامعة الدول العربية في هذا الشأن كان لها دور كبير في إنقاذ الموقف العربي، وسيكون من الصعب على أي جهاز عربي أن يخرج عن إطار تلك المبادرات».
وقال «ليبيا لها وضع خاص لا مجال للحديث عنه الآن، ولكن كان منطلق تعامل الجامعة العربية مع الوضع في ليبيا، هو الهجوم الذي وقع على المدنيين، إذ طالبت الجامعة بوقف الاعتداء على المدنيين، ولكن لم يكن هناك مردود لنداءاتنا، ولذلك عرضت على الأمم المتحدة لنفس الغاية وهي إنقاذ المدنيين».
وتطرق موسى إلى الحديث عن إيران، لافتاً إلى أن الخطأ الذي حدث في مسألة السلاح النووي الإيراني هو استبعاد الدول العربية من تحركات إيران في هذا الشأن، وقال: «تصريحات إيران عن سيطرتها على الأمور في أربع دول عربية لم يكن يجب أن يمر مرور الكرام، وكان لا بد من مواجهته باعتراض حقيقي».
فيما قال عبد الله بشارة «منذ عام 1986 أرسلت وثيقة تضم عشرة مبادئ إلى إيران مستحضرة من ميثاق الأمم المتحدة تقوم على التعاون واحترام الجيرة وغيرها، لكن لم ترد عليها، وهو ما تكرر في وقت لاحق أيضاً، ولكنها لم تكن ترد، وكنا نواجه بصمت سلبي عكسته تدخلاتها في المنطقة ودعمها للإرهاب».
وأضاف «علينا أن نسد الممر الذي دخلت منه إلى المنطقة، ومن جهة أخرى علينا أن نعزز من مفهوم الاعتماد على الذات، بالعمل على بناء قوة خليجية رادعة وهو ما يتم بالفعل، فنحن لا يمكننا الاعتماد على الآخرين، خاصة في ظل تقلب الدبلوماسية وعدم إمكانية الثقة فيها، ولذلك لا بديل عن الاعتماد على الذات».
وأكد بشارة أن تجربة مجلس التعاون الخليجي أوضحت مزايا التعاون الإقليمي وأعطت مثالاً حياً على كيفية التعايش، كما أن أزمة قطر الأخيرة أوضحت أهمية المجلس بتدخل أمير الكويت، والذي كانت مساعيه تؤكد أنه لا بديل عن المصالحة، وأن أي مسار آخر سيقود إلى التشرذم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"