عادي
نجومية براد بيت وماريون كوتيار لم تستطع إنقاذه من الخيبة

«المتحالفون».. جاسوسية على الهامش ورومانسية ناقصة

01:13 صباحا
قراءة 5 دقائق
مارلين سلوم
بعض الأفلام يحيرك، هل تحبه أم لا؟ هل تندم على مشاهدته أم على العكس، تندم لو أنك لم تشاهده؟ هل قدم لك متعة سينمائية تجعلك تتذكره دائماً وتنصح الآخرين بالاستفادة من وجوده في الصالات، أم تقلب صفحته وتنظر إلى الضجة الإعلامية التي سبقت عرضه، باعتبارها أكبر حجماً منه؟ هذه التساؤلات تطرحها على نفسك مع آخر لقطة من نهاية فيلم «المتحالفون»، وتحتاج إلى تفنيده كي لا يبقى في خانة اللالون، وخارج ذاكرتك السينمائية.
الشائعات سبقت «المتحالفون» أو بالأحرى «المتحالفان» في الوصول إلى كل محبي براد بيت حول العالم، والتي اعتبرت زواجه بالممثلة الفرنسية ماريون كوتيار في الفيلم، شرارة لبداية علاقة حقيقية، وأنها السبب الرئيسي وراء طلاقه من النجمة أنجلينا جولي.
ومما لا شك فيه أن الشائعات شكلت أفضل وسيلة ترويجية للفيلم، استغلتها شركة الإنتاج، إن لم تكن هي أو أي من الفريق المسؤول عن الترويج للعمل، وراء إطلاق هذه الشائعة في هذا التوقيت بالذات، مستغلة انفصال نجمين يحبهما الجمهور جداً، وحزن للختام الحزين لقصة «جولي- بيت». وفي عالم «البيزنس» كثير من الأشياء مباحة، حتى استغلال ظروف النجوم وحياتهم الخاصة، مسموح به طالما أنه يأتي تحت غطاء «الشائعات المجهولة المصدر».
كثيرة المواقع والتحليلات التي ربطت بين ظروف تصوير «المتحالفون»، وتصوير فيلم «السيد والسيدة سميث» الذي جمع لأول مرة بين جولي وبيت وكانت ولادة علاقة تحولت إلى زواج وتأسيس أسرة. لكن من يشاهد الفيلمين يدرك أن الجامع بينهما هو براد بيت فقط وبعض المشاهد الطفيفة التي قد تتشابه أيضاً مع أفلام الأكشن والجاسوسية الكثيرة. والمقارنة هنا تمنح «السيد والسيدة سميث» حق التفوق لما فيه من إيقاع سريع وغموض وإثارة كفيلة بشد المشاهدين طوال الفيلم، بينما يسقط «المتحالفون» في مطبات تقلل من رصيده.
يأخذنا كاتب «المتحالفون» البريطاني ستيفن نايت (المرشح عن «أشياء جميلة قذرة» «ديرتي بريتي ثينغز» للأوسكار عام 2004، والحائز على جوائز عن فيلمه «لوك»)، إلى عام 1942 وأجواء الحرب العالمية الثانية، دون أن يغوص فيها. وينطلق المشهد الأول من صحراء المغرب، حيث زرع المخرج روبرت زيميكس كاميرا داخل المظلة «البراشوت» ليعيش المشاهد لحظة الهبوط، والتي تعتبر لقطة ناجحة إذا شاهدت الفيلم بالأبعاد الثلاثية أو الرباعية. نستمتع بمشاهد الصحراء الجميلة إلى أن تأتي سيارة لتقل الطيار، فندرك من حقيبته المدججة بالأسلحة وجوازات السفر المتنوعة وتعدد أسمائه، والأموال التي يحملها، أنه جاسوس جاء لإنهاء مهمة.
هذا الطيار الكندي واسمه الحقيقي ماكس فاتان (براد بيت)، أنيق المظهر، يلتقي في أحد الملاهي الليلية بامرأة جميلة اسمها كريستين (ماريون كوتيار) والتي ندرك لاحقاً أنها ماريان بوسيجور جاسوسة تعمل مع الثورة الفرنسية ضد الاستعمار، وقد هيأت لوصول ماكس بالادعاء أمام كل معارفها أنه زوجها الآتي من باريس، اسمه موريس، ولديه مصنعٌ للفوسفات. تبهر العميلة الفرنسية قائد الجناح، لشدة حرصها على كل التفاصيل كي لا تفلت منهما اللعبة وينكشف أمرهما. يمثلان دور الزوجين العاشقين، وللمزيد من وسائل «الإقناع»، تمضي معه بعض الوقت فوق سطح البيت الذي تسكنه، كما يفعل الأزواج عادة في المغرب، حيث المشاهد الجميلة للبيوت البسيطة، وأذان الفجر الآتي من بعيد.
مشاهد كازابلانكا (الدار البيضاء) جميلة، ولعل المشاهد يلاحظ أن التصوير والإخراج فاق القصة التي ارتضت بالهوامش، لتبقى بعيدة عن أي عمق تاريخي، أو إنساني، فابتعد معها الفيلم عن التصنيفات الحقيقية، فلا هو من أفلام الجاسوسية الحقيقية، ولا هو رومانسي، ولا هو حرب وتاريخي. بل إن الحرب وتداعياتها بقيت كديكور في الخلفية، كما كثير من التفاصيل التي كان يجب التوقف عندها لمنح الفيلم المزيد من البعد والمصداقية والعمق. وهذه «الهامشية» في الكتابة، جعلت الفيلم بأكمله على هامش الحرب العالمية، وعلى هامش المشاعر الإنسانية، وعلى هامش الجاسوسية، وعلى هامش التشويق والألغاز.
يتحدث براد بيت الفرنسية، لكن بلكنة يراد لها في الفيلم أن تبدو كندية، لذا تناديه ماريان «الكيبيكوا» (أي الآتي من كيبيك) فيصحح لها بأنه من أونتاريو. المهمة السرية للثنائي، هي اغتيال السفير الألماني، وتتم العملية بنجاح ويتمكنان من الفرار. يطلب ماكس من ماريان اللحاق به إلى لندن للزواج، ويتحقق ذلك بعد ثلاثة أسابيع من تدقيق الأجهزة الأمنية في أوراق وملفات ماريان.
قائد الجناح الكندي يعيش ويعمل في لندن، وبعد زواجه من ماريان وإنجابهما لطفلتهما «آنا»، يعيشان عاماً من الاستقرار، إلى أن يتم استدعاء ماكس لإبلاغه بشكل سري أن قسم «في» الخاص بالاستخبارات، تمكن من معرفة أن هناك عميلة خائنة، تسرّب المعلومات إلى العدو الألماني. والمشكوك في أمرها هي زوجته ماريان بوسيجور. يرفض التصديق، لكنه يخضع للأمر ويسعى إلى إثبات العكس، بينما الأجهزة تدقق وتراقب ماريان من خلال تسريب معلومات خاطئة لها. كان بإمكان الكاتب ستيفن نايت أن يجعل الجزء الثاني من الفيلم، أي منذ زواج الثنائي فاتان وبوسيجور، موضع شك وتوسيع دائرة الألغاز ليزيد جرعة التشويق، لكنه للأسف لم يستغلها جيداً، كما لم نر في الإخراج تلك الإثارة العالية. علماً أن زيميكس أثبت أنه مخرج يحب التركيز في التفاصيل الصغيرة، وينجح مثلاً في نقل مشاعر الحيرة القاتلة التي تنتاب البطل، وهي من المشاهد المشوقة النادرة في العمل، حيث يراقب مرور الوقت ببطء شديد، وكأن صوت عقارب الساعة هي ضربات قلبه، ترتفع وتيرتها وكأنها تضغط على نفَسه حتى الاختناق، وتضغط على أعصابه فيكاد ينفجر.
نجومية وشهرة براد بيت وماريون كوتيار، لم تستطع إنقاذ الفيلم من الخيبة ولم تكسر الأداء الجامد لكل منهما، فبدا العمل غريباً كبطليه. وهما كما الكاتب والمخرج يتحملون جميعاً مسؤولية وقوف العمل بين الفشل والقبول. لذا تخرج من الصالة بإحساس واضح، أنه يمكنك أن تشاهد هذا الفيلم، لكنك لن تندم إذا لم تفعل.

مسافات وكيمياء مفقودة

بعد زواج الثنائي، ننتقل من الأكشن إلى الحياة الروتينية بين زوجين، والمفترض أنهما عاشقان، لكن الجمهور يشعر طوال الوقت أنهما يتصرفان كغريبين. بينهما جمود قاتل، في أداء كل منهما برود، لا يمكنك أن ترى في براد بيت نفس الممثل الذي أدى بإتقان وحرفية عالية فيلم «تروي»، المفعم بالحيوية والحماس. وكأنه ضيف شرف، بل قل إن حائطاً من الجليد يغلف الفيلم ويغلف أداء البطلين الرئيسيين، بينهما مسافات وكيمياء مفقودة، رغم علاقة الحب (العاصفة) التي جمعت بينهما، والتي نراها لاحقاً قادرة على مواجهة الشكوك والمحن. كوتيار تجسد الأربعينات بملامحها وملابسها، لكنها باهتة الأداء، وكأنها مكبّلة، غير مقنعة. ولا شك أن المخرج يتحمل مسؤولية في هذا البرود.

في مقياس الإيرادات

يعتبر «المتحالفون» فاشلاً في مقياس حسابات الإيرادات مقارنة بنجومية براد بيت وماريون كوتيار، ووفق المأمول منه قبل بدء عرضه. الفيلم من إنتاج شركات «بارامونت وجي كي فيلمز وهواهوا»، بلغت تكلفته 85 مليون دولار، بينما لم يحقق عند انطلاقه سوى 18 مليوناً و22 ألف دولار.
ورغم الضجة الإعلامية التي سبقت عرضه، إلا أن الشائعات لم تنجح في إثارة فضول الجمهور، ولم تكف لإشعال حماسة أطفأها جليد الفيلم.

كاميرا «زيميكس» تتحرك كعين المُشاهد

كاميرا زيميكس تتحرك كثيراً داخل الأماكن، ترافق أبطالها، ولا يتركها ثابتة جامدة، مثل المشهد الذي يصور فيه البطل ماكس فاتان يقود سيارته في شوارع كازابلانكا، فنشعر بالكاميرا وكأنها عين المشاهد فعلاً، تتحرك إلى الخلف لنرى الشارع، وتطل برأسها من الجانب، وتلتفت إلى البطل يقود السيارة لتعود للنظر إلى الأمام، تقترب وتبتعد بعدستها «زوم إن وآوت».. وهذه الحركة نادراً ما ينجح بها المخرجون، الذين غالباً ما يكون تصويرهم ثابتاً في الداخل مع مشاهد متقطعة دون استدارة، بينما زيميكس يعمل بمنطق استمرارية المشهد الواحد. ومجنون هو في بعض المشاهد الخارجة على المألوف، مثل مشهد ولادة الطفلة «آنا»، أثناء الغارة الجوية، حيث ينتقل كل من في المستشفى إلى الخارج، الطائرات تحلق في الأجواء، تقصف، يتكسر زجاج، تتذمر جدران ومبان، ووسط هذا الخوف تتم عملية الولادة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"