عادي

الاغتراب.. أكبر من المرض النفسي

02:42 صباحا
قراءة دقيقتين

تعبر ظاهرة الاغتراب عن أزمة الإنسان المعاصر ومعاناته وصراعاته، الناتجة عن الفجوة الكبيرة بين التقدم المادي الذي يسير بمعدل هائل السرعة والتقدم القيمي المعنوي، الذي يسير بمعدل بطيء، الأمر الذي أدى بالإنسان إلى الشعور بعدم الأمان، بل ربما النظر إلى هذه الحياة وكأنها غريبة عنه، أو بمعنى آخر الشعور بعدم الانتماء إليها، فقد اخترع الإنسان الآلة، واعتمد عليها في الإنتاج ثم أصبح مثل الآلة يعمل بصورة روتينية آلية، فابتعدت حياته تدريجياً عن العلاقات الحميمة بالآخرين، بل بنفسه، ثم مع التقدم التكنولوجي المتزايد تحول بعد فترة إلى مجرد شيء يسير تابعاً للمادة، سواء كان ذلك تحصيلاً أم استهلاكاً، وأصبحت المادة غاية الإنسان بدلاً من أن تكون وسيلة.

يرى د. عبد الحميد الشاذلي في كتابه «الاغتراب النفسي لدى الشباب الجامعي»، أن الاتجاهات اختلفت في تقويم ظاهرة الاغتراب، فمنها ما يراها ظاهرة أصيلة في الوجود البشري، تعبر عن أزمة هوية متفردة، وأنها ضرورية للابتكار، الذي هو أساس التقدم الحضاري عبر العصور، ومنها ما يراها ظاهرة مَرَضيّة، طالما أنها تعبر عن انفصال الذات عن واقعها، والانفصال عن الواقع يشكل في درجاته البسيطة نوعاً من العصاب أو المرض النفسي، وفي درجاته القصوى نوع من الذهان، فالاغتراب الذي يتخذ أسلوب التسامي والإبداع اغترابٌ بنّاء سويّ، فالفرد الذي يكون له هدف يحقق من خلاله ذاتيته يكون اغترابه إيجابياً بنّاء، ويظهر هذا في اغتراب الكتاب والشعراء والرسامين والعلماء والمتصوفة، أما إذا أدى الاغتراب إلى إحساس الفرد بانفصاله عن ذاته ومشاعره ومعتقداته وطاقاته كان اغترابه سلبياً مَرَضيّاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"