عادي
بلا ضفاف

بول سيزان

02:18 صباحا
قراءة 3 دقائق
غيث خوري

يعد الفنان التشكيلي الفرنسي بول سيزان أحد أهم الذين لعبوا دوراً كبيراً في إرساء قواعد الفن الحديث، ومن أكثر الفنانين تأثيراً في سنوات الحداثة المبكرة، من خلال بحوثه الفنية التي شكلت منصة لانطلاق الاتجاهات التكعيبية والتجريدية.
ولد بول سيزان 1839 - 1906 في مدينة اكس آن بروفانس جنوبي فرنسا من عائلة ثرية، وفي بداية حياته درس المحاماة، ولكنه سرعان ما اتجه إلى دراسة الفن، فدخل الأكاديمية السويسرية في باريس سنة 1861، وهناك تعرف إلى الفنانين الانطباعيين منهم: مونيه، ورينوار، وبيسارو، الذي أصبح من أخلص أصدقائه إلى جانب الكاتب الكبير إميل زولا، وكان في بداية حياته الفنية قد تأثر بالحركة الرومانتيكية ودرس أعمال ديلاكروا وتعرف إلى أعمال كوربيه.
أمضى سيزان أكثر من نصف عمره يرسم من دون أن يجد أحداً يعترف به رساماً، باستثناء بعض الأصدقاء الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، وقد أفنى سيزان زهرة شبابه في تلك المحاولات، معتمداً في تغطية نفقات معيشته على ثروة والده، ومعزياً نفسه بتأييد صديقه الروائي إميل زولا وأصدقائه الرسامين ماميل بيسارو، مانيه، مونيه ورينوار، وحتى حينما بدأت الأمور تتغير لصالحه وراحت الاعترافات بتفرد فنه تنهال عليه من كل حدب وصوب، لم يتأثر سيزان بها ولم يتغير وواصل الرسم والسعي إلى ترسيخ نهجه الجديد في الرسم على الساحة الفنية.
طور سيزان مدرسته الفنية الجديدة وأسلوبها المنهجي في سبعينات القرن التاسع عشر، مستخدماً الفرشاة المسطحة في ضربات متوازية على اللوحة، وواضعاً الألوان جنباً إلى جنب، وقد ألهم هذا الأسلوب الفراغي في الرسم جيلاً شاباً جديداً بالكامل، كان من بين أشهر ممثليه «براك» و«بيكاسو»، اللذان قادا موجة الفن التكعيبي، كما أثر أسلوب سيزان في استعمال الألوان في رسامين فرنسيين شهيرين آخرين هما «لو فوف» و«ماتيس».
أمضى جزءاً أساسياً من ثمانينات القرن التاسع عشر وهو يطور أسلوبه الجديد والثوري، هذا الأسلوب القائم على نوع جديد من تمثيل الأشياء في المكان، معيداً اختراع الطبيعة الميتة على أساس رسم المسطحات التي يعطيها عمقها فقط من طريق العناصر المكونة والتي يرتبها كما يروق له فوق المسطح، وقد رسم سيزان طوال تلك الفترة المتأخرة من حياته عدداً كبيراً من «لوحات الفواكه»، وصفت بأنها مرحلة لوحات الفواكه التي تعتبر الأشهر بين مراحل فن بول سيزان المتعاقبة، والتي جعلت منه ذالك الفنان الاستثنائي وواحداً من كبار مبدعي الحداثة التشكيلية في تاريخ الفن.
لقد كان سيزان فناناً متفرداً، منفلتاً من أطر التصنيف السابقة له، وكانت لأعماله روح خاصة تشير إلى أصالته، أو كما يقول الروائي والباحث الفرنسي برنارد فوكونييه، الذي قدم سيرة سيزان ضمن سلسلة «بيوغرافيا» عن دار غاليمار: «ليس سيزان رساماً جيداً ولا ملوّناً جيداً. إنه سيزان فحسب، لا يتمتع ببراعة رافائيل أو بيكاسو. كان عليه أن ينتشل كل شيء من المادة، من الطبيعة، لكي يكون هو في المطلق، بل لكي يكون كما يقول ريمبو «حديثاً في المطلق»، وهذا تحديداً ما أنقذه» ويضيف: إنه يفرغ على اللوحة كل غضبه، يضع ألواناً ويزيدها على طبقات ألوان أخرى، يعرق ويشتم، يمزّق عمله عندما لا يعجبه، يرميه أرضاً فوق كومة لوحات رماها قبلاً، ويعيد العمل: هذا هو الثمن الذي ندفعه للعثور على الطريق، لابتكار ما ليس موجوداً بعد.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"