عادي
قصص مختارة من مصر والسعودية والأردن

ثلاثة صانعي أمل يحوّلون المعاناة فرحاً والشقاء بهجة

02:47 صباحا
قراءة 5 دقائق
دبي: «الخليج»

منذ إطلاقها نهاية فبراير/شباط 2018، نجحت مبادرة «صناع الأمل» في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي، يتطلعون إلى الإسهام في نشر الأمل وصنع تغيير إيجابي. وتلقت المبادرة آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون بها إلى مساعدة الناس وتحسين نوعية الحياة أو الإسهام في حل بعض التحديات التي تواجهها مجتمعاتهم. وسعياً لمشاركة هذه القصص كي تكون مصدر إلهام للآخرين الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص صناع الأمل التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج.

القصة الأولى:

«نغم الحياة» تدعم المتضررين من إطلاق النار


نغم المواجدة، صبية أردنية عمرها 16 ربيعاً، اسمها يوحي بالفرح والأمل، لكن حياتها حتى عهد قريب كانت رديفاً لليأس والألم. نغم ضحية طلق ناري، أصابها خطأ في إحدى المناسبات، فقررت تأسيس جمعية خاصة لمساعدة متضرري إطلاق النار، سمّتها «نغم الحياة».
فقبل خمس سنوات، وتحديداً في صيف عام 2013، تعرضت نغم لتجربة مؤلمة حين أصيبت بطلق ناري، خطأ، في عينها اليمنى، كما استقرت أجزاء من «الخرطوش» في أجزاء متفرقة من جسدها. وإذا كان الجسد قد شُفي من جراحه، فإن الألم النفسي الذي اضطرت نغم للتعايش معه وهي طفلة كان فوق قدرتها على الاحتمال. وفي الوقت الذي كانت فيه رفيقاتها في المدرسة والحي يعشن طفولتهن بصورة طبيعية، فإن معاناتها ظلت رفيقتها، تراجع المستشفيات دورياً، على أمل أن تُشفى عينها تماماً. لكن اليأس كان لها بالمرصاد، حين أخبرها الطبيب، بأسى، أنها لن تتمكن من استعادة بصرها، بسبب تعرض الشبكية لتلف كبير نجم عنه فقدان نظرها بالكامل. هنا أظلمت الدنيا تماماً في قلب نغم وروحها.
لعل قصة أمل تشبه قصصاً أخرى في الأردن، لحوادث ومآسٍ ناجمة عن إطلاق النار في الأفراح والمناسبات، لينقلب الفرح عزاء، حين تصيب رصاصة طائشة أحدهم، دون أن ينفع الندم أو الأسى أو الاعتذار في التخفيف من المصاب الجلل.
لم تعد الحياة لنغم تعني شيئاً، فانسحبت من الحياة، متحاشيةً نظرات الناس المشفقة، مخفية وجهها وعينها بنظارات شمسية داكنة.
ومع ذلك، إرادة الأمل لدى نغم تغلبت على اليأس. فقد أدركت أن عليها أن تتجاوز واقعها وأن تفعل شيئاً إيجابياً لنفسها ولآخرين من ضحايا حوادث مماثلة. وهكذا، وبدعم والدتها، أنشأت عام 2015 جمعية خاصة لمساعدة متضرري إطلاق العيارات النارية، سمّتها «نغم الحياة»، ساعدها في ذلك شخص وقف إلى جانبها طوال سنوات علاجها.
تهدف جمعية «نغم الحياة»، التي تعد الأولى من نوعها في الأردن، إلى تقديم الدعم والمساندة للمتضررين من إطلاق النار، ومساعدتهم على تجاوز معاناتهم، عبر دمجهم في المجتمع، وتنظيم الحملات والبرامج التوعوية لإيقاف إطلاق النار في الأفراح والمناسبات الاجتماعية، وتنظيم حملات طبية وتوفير كل أشكال المساعدة الصحية والمادية والمعنوية للمحتاجين.
وتأمل نغم، التي تعد أصغر رئيسة لجمعية إنسانية ومجتمعية في الأردن، بأن تصل رسالتها إلى جميع الناس.

القصة الثانية:

مبادرة وتطبيق ذكي لمساعدة 6 ملايين شخص


معاناة خالتها مع الإعاقة والصعوبات التي كانت تواجهها في التعامل مع المجتمع ومعاناة أهلها أيضاً في توفير احتياجاتها، كانت ملهماً لبدرية الشهري، لأن تفكر جدياً بمشروع هدفه تحسين حياة «أصحاب الهمم» في مجتمعها.
وحين التقت شخصاً لديه الهاجس نفسه، يشارك أصحاب الهمم معاناتهم لكونه من ضمن الفئة نفسها، أدركت بدرية أنها وجدت رسالتها في الحياة، وهي أن تكون طرفاً مبادراً وفاعلاً وخلاقاً في مشروع يمنح الأمل للآلاف من الناس من مجتمعها، ممن تحد الإعاقة حركتهم أو تعطّلهم عن تحقيق طموحاتهم.. فانضمت إلى مبادرة «أصدقاء ذوي الإعاقة» التي طورها سلمان ضيف الله الدعجاني، متخذاً من معاناته مع الإعاقة وسيلة لمساعدة من هم مثله كي يتخطوا معاناتهم ويتجاوزا إعاقتهم.
وتهدف المبادرة للوصول إلى مجتمع صديق لأصحاب الهمم، عبر أفكار عملية وبسيطة يمكن تطبيقها وتعميمها في المجتمع، بحيث تساعد على دمجهم في المجتمع بالتواصل مع مختلف الجهات والمؤسسات المعنية، لتجهيز المرافق العامة، لتكون صديقة لهذه الفئة وتقديم مختلف أنواع الخدمات والتسهيلات لهم.
تتحدث بدرية عن تجربتها فتقول: «كنت أتواصل مع أصحاب الشركات العاملة في مختلف المجالات ومديريها، من فنادق ومطاعم ومتاجر، لتعريفهم بالمبادرة وتوعيتهم بضرورة العمل على تجهيز مرافقهم لتكون صديقة لأصحاب الهمم، مع تخصيص مواقف سيارات لهم، تكون مزودة بلوحات تعريفية مصممة بطريقة غير تقليدية، فضلاً عن تجهيز هذه المواقف بإنارة واضحة».
وتضيف بدرية: «كنا نتواصل مع مختلف الشركات والمؤسسات التجارية والخدمية كي ينضموا إلينا، مقدمين حسماً وعروضاً خاصة لأصحاب الهمم وأسرهم، كي يشعر الواحد منهم بأنه شخص فعال ولتخفيف العبء عن الأسرة كلها».
ومؤخراً، دشّن تطبيق «برنامج صديق» الذكي لأصحاب الهمم وذويهم، حيث يوفر قائمة بالمحال والمؤسسات والشركات الصديقة التي تقدّم حسماً ومزايا متنوعة تجعل تجربة الحياة بالنسبة لأصحاب الهمم وذويهم أيسر.
على مدى أكثر من عام، كرست بدرية حياتها لهذه المبادرة، مواصلة الليل بالنهار عبر العمل مع الدعجاني، صاحب فكرة المشروع، سعياً منها للمساهمة ولو بقدر يسير في إنارة درب شخص يعاني إعاقة.
وبعد شهور من العمل مع مختلف الجهات الرسمية في المملكة، دشنت في مارس/‏‏آذار 2016 مبادرة «أصدقاء ذوي الإعاقة».

القصة الثالثة:

من جهد فردي إلى متطوعين يجوبون شوارع القاهرة


في مركز للإيواء بمنطقة الشرقية في القاهرة، أسسه الشاب محمود درج، مع مجموعة من أصدقائه، يعيش 130 مشرداً ممن احتضنهم المركز لمساعدتهم على تجاوز حياة البؤس والمرض التي يعيشونها، ضمن مشروع تطوعي مجتمعي يشارك فيه 150 شاباً وشابة من مصر.
قصة محمود مع الأمل بدأت بالمصادفة في فبراير/‏شباط عام 2016، أثناء مروره بأحد أحياء القاهرة القديمة، حيث شاهد مسناً، بملابس رثّة، نائماً تحت الجسر، فترجل من السيارة، واتجه إليه، وحاول التحدث إليه، ليعرف منه أي معلومات عن أهله أو مكان سكنه، لكنه لم يتوصل إلى شيء، حيث بدا واضحاً أن المسن يعاني اضطراباً نفسياً ما. يستعيد محمود ذاك المشهد قائلاً: «لا أنسى منظر الرجل يومها، كان حزيناً، متألماً، وبائساً، وأدركت أنه يتعين عليّ القيام بشيء من أجله». لجأ محمود في البداية إلى الجيران، الذين تبرعوا بملابس لائقة للعجوز، قبل أن يأخذه إلى مكان للاغتسال، ومن ثم إلى الحلاق، حتى تحول شخصاً آخر، مختلفاً تماماً عن منظره البائس الذي كان عليه.
يقول محمود «نشرت صورة المسن في هيئته السابقة، وهيئته الجديدة على «فيسبوك»، ليشاركه عدد كبير من الناس، إلى أن تعرّف أهله إليه، حيث تبين أنه مفقود منذ نحو سبع سنوات». هذه الحادثة دفعت محمود إلى أن يواصل مهمته الإنسانية، فأطلق مبادرة لإيواء المشردين المسنين.
شكل محمود وأصدقاؤه فريقاً من المتطوعين، ونزلوا إلى شوارع القاهرة لجمع أسماء المشردين، حيث أعدوا قائمة بعدد كبير، من بينهم مسنة تُدعى بسمة، وهو ما جعلهم يطلقون على فريقهم اسم «بسمة للإيواء»، ترجمةً لهدف المشروع، وهو إعادة البسمة إلى وجوه أتى عليها الدهر، وارتسمت عليها كل صنوف الألم والشقاء.
وسرعان ما تطورت الفكرة من فريق تطوعي يقدم خدمات عابرة أو مؤقتة للمشردين، إلى تأسيس دار مخصصة لهذه الفئة الهشة، لتكون مأوى مناسباً لهم، توفر السكن والملبس والطعام والعلاج، ما دفعه وأصدقاءه في الفريق إلى التقدم بطلب للجهات المختصة، لإيجاد مأوى لهم، يقوم على تبرعات يقدّمها أهالي المناطق التي يعيشون فيها. وجمع مبلغ من المال مكّنهم من استئجار منزل من طابقين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"