عادي

برتراند راسل يشرح ألف باء النسبية ببساطة

04:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

يعرف الناس جميعاً أن «أينشتاين» قد أتى عملا مثيراً للدهشة، غير أن عدداً قليلاً جداً من الناس هو الذي يعرف على وجه الدقة، ما أتاه «أينشتاين»، فقد أحدث ثورة في تصوراتنا عن العالم الفيزيائي، غير أن تلك التصورات الجديدة مغلفة بالمصطلحات الرياضية البحتة، وهناك تفسيرات لا حصر لها لنظرية النسبية، لكنها تتأبى عامة على الوضوح حين تشرع في قول شيء مهم.
وهذا ما يسعى إليه برتراند راسل في كتابه «ألف باء النسبية» الذي صدرت ترجمة عربية له عن دار آفاق للنشر والتوزيع، فالكتاب الذي ترجمه إلى العربية فؤاد كامل، يؤكد أن كثيراً من الأفكار الجديدة يمكن أن نعبر عنها في لغة لا رياضية، ومع ذلك فإن صعوبتها تأتي من هذه الناحية، إن ما نحتاج إليه هو تغيير في الصورة التي نتخيلها للعالم، تلك الصورة التي انتقلت إلينا عبر أسلاف عاشوا في عصور سابقة على الإنسانية، فتعلمها كل واحد منا في طفولته المبكرة، وتغيير خيالنا أمر عسير دائماً.
ويوضح رسل أن هذا الضرب من التغيير هو الذي كان ينشده «كوبرنيكس» حين نادى بأن الأرض ليست ثابتة، وأن السماء لا تدور حولها مرة كل يوم، وبالمثل سوف تتبدى أفكار «أينشتاين» أسهل بالنسبة للأجيال التي تنمو في وقت واحد مع انتشار هذه الأفكار، غير أنه لا مفر من أن نبذل مجهوداً معيناً في إعادة بناء خيالنا.
تعتمد نظرية النسبية إلى حد كبير على التخلص من المفاهيم التي تعد نافعة في الحياة العادية، لكنها ليست كذلك بالنسبة لمسافر في البالون واقع تحت تأثير المخدر، ذلك أن الظروف التي تنشأ على سطح الأرض توحي - لأسباب عرضية متعددة - بتصورات نتبين فيما بعد أنها غير دقيقة، وإن أصبحت تبدو كأنها ضرورات للفكر.
وأهم تلك الظروف - كما يشير الكتاب - أن معظم الأشياء على سطح الأرض دائمة دواماً معقولاً، وتكاد تكون ثابتة من وجهة نظر أرضية، ولو لم يكن هذا هو حالها، من واقع ظروف أخرى مغايرة، ومن الطريف أن يضع رسل في هذا الكتاب «أينشتاين» في مقابل «كوبرنيكس»، فقد كان الناس يعتقدون قبل «كوبرنيكس» أن الأرض ساكنة، وقد ذهب هذا العالم إلى أن الأرض تدور مرة كل يوم، وأن الدوران اليومي للشمس والنجوم دوران ظاهري فحسب، وتبنى جاليليو ونيوتن هذا الرأي، وفي النظرية الحديثة فإن الخلاف بين كوبرنيكس وأسلافه مجرد اختلاف اصطلاحي، فكل حركة نسبية، وعلم الفلك أيسر إذا أخذنا الشمس على أنها ثابتة بدلاً من الأرض لحسابات تكون أسهل بالعملة العشرية، أما أن يقول المرء شيئا أكثر من ذلك عن كوبرنيكس، فهذا معناه افتراض الحركة المطلقة، وهذا وهم، كل حركة نسبية، والنظر إلى جسم ما بوصفه ثابتاً، مجرد اتفاق، وكل هذه الاتفاقات مشروعة على حد سواء، وإن لم تكن جميعاً على درجة واحدة من السهولة.
ويرى رسل أن الشمس لا تمارس أية قوة على الكواكب، وفي قانون أينشتاين للجاذبية، كل ما يفعله الكوكب هو أنه ينتبه إلى ما يجده في المناطق المجاورة له، وقبل نظرية النسبية كان من المعروف أن «القوة» مجرد وهم رياضي، كما كان من المعتقد أن الحركة مجرد ظاهرة نسبية، أي أنه حين يغير جسمان موضعهما النسبي فإننا لا نستطيع أن نقول إن أحدهما يتحرك بينما الآخر ثابت، ما دامت الحادثة مجرد تغير في علاقة أحدهما بالآخر.
كان نيوتن يعتقد في القوة وفي المكان والزمان المطلقين، وقد أدخل هذه المعتقدات في مناهجه الفنية، وظلت مناهجه هي المناهج التي يتبعها الفيزيائيون الذين جاؤوا بعده، أما أينشتاين فقد اخترع منهجاً جديداً متحرراً من افتراضات نيوتن، لكنه كان لابد له لكي يفعل ذلك من أن يغير الأفكار القديمة عن الزمان والمكان تغييراً أساسياً، وهي أفكار لم يستطع أن يتحداها أحد منذ أزمنة سحيقة، وهنا تكمن صعوبة هذه النظرية وطرافتها.
ويشير رسل إلى أن معظم الأشياء العجيبة في نظرية النسبية ترتبط بسرعة الضوء، لقد تمرد أينشتاين على الفيزياء التقليدية، عبر التأكيد على أن الضوء ينتقل بسرعة محددة، عن طريق المشاهدات الفلكية، وفي كل الأحوال، فإن هذا الكتاب سيغير صورتنا التي نتخيلها للعالم، وسيقدم لنا الثورة التي أحدثها أينشتاين في تصوراتنا عن العالم الفيزيائي تحديداً، هذا الكتاب باختصار سيجعلنا نعرف على وجه، الدقة ما أتاه أينشتاين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"