عادي
أفلامه في مرمى نيران النقاد

جس فان سانت: أخرجت «لا تقلق» بعد 20 عاماً من التفكير

04:52 صباحا
قراءة 5 دقائق
محمد رُضا

قبل منتصف تسعينات القرن الماضي، تقدّم الممثل الراحل روبن وليامز، من المخرج جس فان سانت، بفكرة تجسيد شخصية جون كالاهان، الذي توقفت حياته الفنية إثر حادثة سيارة أقعدته بعد ذلك طيلة حياته. لكن هذا التوقف الذي منعه لفترة من مزاولة الرسم، تبدد بفضل إصرار الفنان على متابعة هوايته مهما كانت الظروف.

وافق المخرج على المشروع، لكنه أخر العمل عليه أكثر من مرّة، وفي سنة 1997 أخرج «جود ول هنتينج»، الذي لعب فيه وليامز دوراً مسانداً. ثم تم تجاهل الموضوع أكثر من مرة، وفي كل مرّة كان ذهن المخرج يدور في فلك مشروع آخر حتى سنة 2017، عندما قلّب المخرج أوراقه وشعر بأنه لا يستطيع تجاهله بعد الآن.

جس فان سانت، من مخرجي أمريكا المستقلين، شأنه في ذلك شأن ديفيد لينش، وألكسندر باين، ووس أندرسن. لكنه يختلف في أسلوب عمله، وفي ماهية المواضيع التي تثير اهتمامه. والمشروع الذي يحمل الآن اسم «لا تقلق، لن يذهب بعيداً على قدميه»، بات الآن متوفراً على الشاشات بعدما تأخر توزيعه منذ أن شهد عرضه الأول في مهرجان «صندانس» الأمريكي قبل أكثر من عام.

ولد هذا المخرج في مدينة لويزفيل في ولاية كنتاكي سنة 1952، وهدف في مطلع حياته لأن يصبح رساماً مشهوراً، لكنه انخرط في العمل مخرج أفلام دعائية للتلفزيون في السبعينات واستمر في هذا الحقل حتى العام 1985 عندما أخرج أول أفلامه السينمائية.

وشارك المخرج بأفلامه في مهرجانات السينما الدولية وفاز بالسعفة الذهبية سنة 2003 عن فيلم «فيل». لكن ليس كل أفلامه الأخيرة حققت نجاحاً بين النقاد، وهو الأمر الذي سيتطرق إليه مليّاً هنا.

* لماذا عاش «لا تقلق» في بالك كل هذه السنوات؟

- عمر هذا المشروع أكثر من 20 عندما جاءني روبين ويليامز بالفكرة. كان يريد لعب شخصية رسام الكاريكاتير جون كالاهان. حينها طلبت فرصة للتفكير. شيء كهذا بدا لي في البداية مختلفاً عما أريد القيام به. سيرة حياة، لكني تحمست للمشروع، ولو أنني لم أعزم القدوم عليه في الحال. عادة ما أتحدث عن شخصيات ترفض قبول الواقع الذي تعيش فيه، وتسعى إلى التغيير. شخصياتي لا أراها دائماً محقة. في أفلام عدة هي مجرد شخصيات هامشية قد تكون على خطأ، أو على صواب. أكثر من ذلك، ليست هي الشخصيات التي أريد الدفاع عنها، ولو تبدّى غير ذلك. بالنسبة إلي أبطالي هم الذين يصارعون أشكال الحياة السائدة والتقليدية، وذلك يحدث عندما لا يكون البطل راضياً عن نفسه، أو عن محيطه.

* لكن في بعض الأحيان تبدو شخصياتك كما لو أنها تسير بلا قيادة منك.

- لا أعتقد أن دوري ككاتب، أو كمخرج، هو أن اختار الدفاع أو الإدانة. ما قام به الشاب المتطرف في الفيلم جريمة، والكل يعلم ذلك، ولن أدينه لأن مُدان في كل الأحوال، لكني سأسرد اتهام المؤسسة التي ينتمي إليها أيديولوجياً، ودفعها له بارتكاب الجريمة. سأتركه يمشي طويلاً في حرم الكلية قبل أن يصل إلى هدفه. أعتقد أن الشعور الذي ينتابنا حين نشاهده على هذه الحالة لا يحتوي على أي عطف، أو تعاطف.

* ما علاقتك هذه الأيام بالنقاد؟

- النقد كان متفاوتاً في الفترة الأخيرة، والنقد مختلف. في أمريكا ينتقدك معظم الذين يحللون الأفلام، أو يعرضونها على الجمهور من زاوية تختلف عن تلك التي ينظر فيها نقاد بريطانيا وفرنسا إلى أفلامي. مثلاً «بحر الأشجار» سنة 2016 استقبل جيداً من النقاد الأوروبيين، واستقبل على نحو فاتر جداً من النقاد الأمريكيين. أضيف بأن نقاد آسيا الجنوبية أحبوه. في أمريكا ينظر الناقد، ولا أقصد كل النقاد، إلى الفيلم من زاوية ما إذا كان يلبي حاجة الجمهور، لكن من قال إنني أريد تلبية حاجة الجمهور، وليس حاجتي أنا، هذا هو التصادم الذي يقع بيني وبين العديد من النقاد.

* الممثل واكين فينكس يقوم الآن ببطولة «لا تقلق» وهو ممثل ممتاز لكن حضوره يفرز شخصية مختلفة عما لو أن روبن وليامز هو من لعب الدور.

- طبعاً. الفيلم ليس دراما جادة، لكنه كان سيتجه للكوميديا أكثر بكثير مما هو الوضع عليه الآن. تستطيع أن تتخيل وليامز في شخصية رسام كاريكاتيري. لكن فينكس لا يمضي في هذا الاتجاه لذلك التركيز على مناسبات لتنويع المادة التراجيدية تعامل مع ممثلين مساندين. وما تقوله صحيح بالنسبة لأي فيلم. الممثل يترك أثراً كبيراً، حتى ولو لم يتغير الموضوع مطلقاً.

* كيف ترى حال السينما المستقلة مع انتشار وسائل التمويل المختلفة؟

- كمخرج مستقل، قلما تعاملت مع هوليوود، أو عززت علاقتي معها. هي مؤسسة تضع شروطها التي عليها أن تأتي في المقدمة وعليك أن تقبل بها، أو لا تقبل. وفي أغلب الأحيان تفقد سيطرتك على الفيلم وعلى مصيره إذا ما قبلت. السينما المستقلة اليوم لديها كما ذكرت أبواب أخرى تستطيع أن تطرقها، لكن القليل من المخرجين الجدد يبقون في دائرتها. كلهم، أو أغلبهم مستعدون لقبول العمل في أفلام خفيفة تضمن لهم العائد المادي أساساً. ربما كنت مغالياً بعض الشيء لكن يبدو لي الأمر واقعاً.

* «جود ول هنتينج» الذي قام ببطولته بن أفلك ومات دامون ما زال أحد أكبر نجاحاتك التجارية والنقدية. لماذا؟

- لا أعرف إذا كان الأنجح فعلياً، أو هكذا يبدو لنا لأنه بقي في البال طويلاً، ولا يزال. أعتقد أن شرط النجاح يكمن في المسافة التي تبعدك عن السائد من الأفكار. أعني أن هناك العديد من الأفلام المستقلة التي تخفق في إثارة اهتمام الشارع. وهذا ليس متوقعاً فقط، بل مقبول.

* حمل ذلك الفيلم نقداً ضد الحل العسكري الذي أقدمت عليه أمريكا في حرب الخليج. لكننا لا نرى لك موقفاً سياسياً في معظم أفلامك اللاحقة. لماذا؟

- الفيلم يتحدث عن نفسه. لست من الذين يحملون شعارات كبيرة ويستعرضون المضامين التي تحويها الأفلام كما لو أنها خطابات تاريخية.

* هل تميل إلى قدر من التشاؤم حيال الحياة؟

- أنا الآن أقل تفاؤلاً مما كنت عليه سابقاً. الإنسان يتطوّر في اتجاهات لاحقاً فقط ما يدري أسبابها. بالنسبة إلي هناك مشاكل عويصة تحيط بنا، خصوصاً لناحية أننا غير قادرين على التواصل الصحيح بين بعضنا بعضاً لا على مستوى فردي، ولا على مستوى ثقافي.

* سأعود إلى فيلمك الجديد «لا تقلق...» إنه عن رجل مقعد أصر على ألا يفقد قدراته البدنية رغم إصابته. هل ذكّرك هذا بأفلام سابقة مثل «قدمي اليسرى»؟

- بطبيعة الحال ذكّرني، وبأفلام أخرى أيضاً، لكن المعالجة تختلف من فيلم لآخر. في الكثير من هذه الأفلام تسود الحالة البدنية الصعبة، القصة في فيلمي تمر على نحو مخفف لأن التعامل معها تراجيدياً لا يخدم المضمون. كيف تتعامل معها تراجيدياً وأنت تريد تعزيز الأمل في ذات الشخصية المقعدة؟ لا أعتقد أن هذا ممكن.

* وهذا ما يضع الفيلم في إطار أعمالك المتفائلة؟

- نعم إلى حد بعيد. في بعض أفلامي الأخيرة ملت إلى توفير شخصيات فقدت الأمل. هنا تستعين بالأمل لكي تستمر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"