عادي
أبحاث ناقشت جماليات قصائده في «العويس الثقافية»

عبدالله البردوني.. وسمٌ على صدر الشعر العربي

03:13 صباحا
قراءة 4 دقائق
دبي:عثمان حسن

تواصلت مساء أمس الأول في مؤسسة العويس الثقافية في دبي، الندوة الأدبية المخصصة للشاعر اليمني الراحل عبدالله البردوني، والتي تقام تحت عنوان «البردوني الشاعر البصير»، واشتملت على جلستين شارك في الأولى الدكتور عبد الحكيم الزبيدي من الإمارات بورقة «جماليات النص في شعر البردوني: قصيدة أبو تمام وعروبة اليوم»، ود. أحمد المنصوري من اليمن بورقة «عبدالله البردوني وجدلية الوطن والغربة» وأدارتها الروائية فتحية النمر، وشارك في الجلسة الثانية الدكتور معجب العدواني من السعودية بورقة «ساعة السحر خاتمة الشك في شعر البردوني»، ود.همدان دماج الذي قرأ ورقة الشاعر اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح وعنوانها «الشاعر الكبير عبدالله البردوني كما عرفته»، وأدارت الجلسة الشاعرة ساجدة الموسوي، كما اشتملت الجلسة على قراءات مختارة من قصائد البردوني قدمها الدكتور حبيب غلوم.
استهل الزبيدي ورقته بتعريف «التناص» وتعدد ترجماته وتعريفاته، كما بسّط هذا المصطلح بقوله: «أن يتضمن نص أدبي ما، نصوصاً أو أفكاراً أخرى سابقة عليه عن طريق الاقتباس أو التضمين والتلميح أو الإشارة أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدى الأديب، بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلي، وتدغم فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل».
ورأى الزبيدي أن قصيدة «أبو تمام وعروبة اليوم» في أساسها قائمة على تناص المعارضة لقصيدتي أبي تمام البائيتين، الأولى في وصف معركة عمورية، والثانية التي يعاتب فيها أبا دلف. وقال: «لقد بنى البردوني قصيدته على تقنية المفارقة، حيث عقد موازنة بين عروبة الأمس أيام انتصار عمورية، وعروبة اليوم حيث هزيمة حزيران»، وقدم أمثلة للتناص الأدبي والتاريخي والأسطوري في القصيدة، كما استعرض بإيجاز أهم خصائص أسلوب شعر البردوني في القصيدة، ومنها: ذكر الأعلام والرموز التاريخية، وذكر المدن والممالك، والسخرية، والتكرار، وكثرة استخدام أسلوب الاستفهام، وأسلوب النداء، وأسلوب الالتفات، والجمل الاعتراضية، والعدول النحوي والصرفي.
ورصدت ورقة د. أحمد المنصوري ثنائية جدلية تقوم على مفارقة عجيبة في شعر البردوني؛ الذي لم يسافر عن وطنه اليمن، في حين تبرز الغربة في أشعاره، وأوضح أن المراد بالغربة هنا هو الغربة النفسية داخل الوطن، وهو الذي ظل يتابع أحداثه وتاريخه وحاضره، ويتنبأ بمستقبله ببصيرة نافذة، ويذود عنه، حتى وسم بالشاعر المبصر.
وجالت الورقة في كثير من القصائد التي تجسد هذه المضامين، لا سيما في ديواني البردوني (من أرض بلقيس)، و(لعيني أم بلقيس)، حيث تنبئ القصائد عن حضور الوطن بشكل طاغٍ، في ما تحمل دواوينه الأخرى همّ الوطن، مع انزياح دلالي ولفظي.
ووصف المنصوري، البردوني بالشاعر الملتزم بقضايا وطنه وقال: «تتسع الرؤية أمام عيني البردوني فيولي اهتمامه الشعري بقضايا العرب، ويتخذ من فلسطين الجريح سبيلاً لتحقق الحلم الذي يرنو إليه كل عربي».
وتوقفت الورقة عند أسئلة الهوية والانتماء في أشعار البردوني، وختم المنصوري بقوله: «لقد كانت غربة البردوني داخل وطنه، ينثرها كلماتٍ خالدة ليس لأجل البوح بها وحسب، ولكن لأجل الوطن ذاته؛ لأجل أن يعود وطناً حقيقياً يشعر فيه المواطن بالمواطنة، وهنا تتبدى هذه الجدلية (الوطن- الغربة) على هذا النحو الفريد».
أما العدواني فاستهل ورقته بسؤال: هل يمكن عدّ الخاتمة جوهر العمل الإبداعي وقاعدته؟ ومتى يمكن النظر إليها بوصفها بوابة تضيف إلى القارئ للدخول في عوالم تأويلية جديدة وكأنه أمام عنوان جديد؟.
وتوقف العدواني عند عاملين أساسيين، كان لهما تأثير واضح في إنتاج خاتمة القصيدة لديه، وهما: نضج التجربة الشعرية، وموضوع القصيدة؛ إذ اتسم شعره في بداياته في الخمسينات والستينات بميل بيّن إلى نهايات يقينية مغلقة، وغير محفزة، وتزايدت دقته في صوغ النهايات الشعرية مع نضج تجربته الفنية في أواخر السبعينات، وصولاً إلى التسعينات، فاتجه بصورة واضحة إلى نهايات مفتوحة ومحفزة على الإنتاج الدلالي.
كانت قصائد البردوني الوطنية والقومية وقصائد المدح النبوي، بحسب العدواني تنتهي بخاتمة يقينية مغلقة، بينما اتجهت قصائد الغزل ومناجاة الذات والزمن نحو النهايات المفتوحة، فاتكأت على الأسئلة والتلميحات والمفارقات، وبدت منتجة للدلالات.
ودرس العدواني المستوى الذي يتصل بالمجاميع الشعرية، ولاحظ أن قصائد مجموعة «من أرض بلقيس» كانت ميالة إلى النهايات المغلقة، وفي المقابل تضم المجموعات الثلاث: «كائنات الشوق الآخر»، و«وجوه دخانية في مرايا الليل»، و«رواغ المصابيح» أكثر القصائد المنتهية بخواتيم مفتوحة.
واسترجعت ورقة المقالح واقعاً ما زال حياً ونابضاً في الذاكرة والوجدان، لما يزيد على خمسين عاماً من صداقة الشاعرين منذ لقائهما الأول في 1957م حتى رحيله في 1999.
وجاء في الورقة: «إن الجليل والجميل في سيرة هذا الشاعر الرائي، تكمن في استطاعته التغلب على المعوقات التي كانت تقف في طريقه، وكان بعضها كفيلاً بأن يحول بينه وبين ما تحقق له من نجاح وشهرة في دنيا الإبداع، ويعود الفضل في هذا إلى إرادته أولاً، وثانياً إلى طموحه اللامحدود».
واستعرضت الورقة شريطاً في زمن تصدر فيه الشعر قلب المشهد الثقافي العربي، من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق، مع تفاصيل للكتب التي قرأها الشاعران سوياً والمجلات الأدبية والنقدية العربية وأكثرها تأثيراً في حينه مثل: «الأديب»، و«الآداب» البيروتيتان.
وتحت عنوان فرعي «البردوني عن قرب» جاء في ورقة المقالح: «نصف قرن من الزمن جمعني بالشاعر الكبير، وهو زمنٌ يماني مملوء بالمضحكات والمبكيات، كان أنقى وأبقى ما فيه الشعر والصداقة التي تحدّت حساسية المعاصرة والثنائية الضدية».
وجاءت الورقة على مشاركات البردوني الشعرية خارج اليمن في المربد الشعري الخاص بإحياء ذكرى أبي تمام، التي سجلت أول حضور لافت للمشهد الشعري في اليمن بعد سنوات من التجاهل والإهمال، كما استعادت الورقة ذكريات الشاعرين في مصر، وسلطت الضوء على الشاعرية المتجددة عند البردوني في السنوات الثلاثين الأخيرة من حياته، وقد اندفع نحو التحديث في اللغة والمضامين، وهو الذي وضع أنصار القصيدة التقليدية في حيرة بالغة، وصار بعضهم يردد علناً: «هذا ليس البردوني الذي نعرفه».
وتحت عنوان «البردوني والمدينة» جاءت الورقة على ذكر ثلاث مدن أثَّرت في حياة البردوني كما في شعره، وهي (صنعاء وعدن ودمشق) ودمشق كانت قريبة من بيروت حاضرة الثقافة العربية الحديثة، وقد اغترف البردوني من معين إبداعها النثري والشعري، كما وجد فيها حالة من الألفة الوجدانية والتواصل الحميم مع البشر، وفيها تمكن من طباعة كل دواوينه وكتبه وأعاد طبعها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"