عادي
تفصيله على مقاس بطلته أخذه إلى منطقة وسط

«الفصل الثاني»انتصار خارق لا يصدقه الجمهور

03:40 صباحا
قراءة 5 دقائق
مارلين سلوم

في الغرب، كما في الشرق، الفن لا يميز بين الهويات، ولا يحجز للنجوم عروشاً يجلسون عليها، ويتربعون باطمئنان طوال الوقت، لأنه، وبكل بساطة، يعكس على الشاشة، وبالدرجة الأولى، أفكار وأهداف صناع الأفلام، لذا يفشل من يعتمد على «تفصيل أعماله» على مقاسات أحلام ورغبات البطل، أو البطلة، حتى إن كانت البطلة هي جنيفر لوبيز، المعروفة بقدرتها على جذب الجمهور. وهذه المرة، حاولت لوبيز إنتاج فيلم وتفصيله على مقاسات رغباتها، فجاء «الفصل الثاني» يتأرجح في منطقة الوسط بين النجاح والفشل، يرفعه المخرج بيتر سيجال من ناحية، ويسقط بسبب هفوات التأليف إلى حيث اللامنطق و«الانتصار الخارق» الذي لا يصدقه، ولا يتقبله الجمهور، من ناحية أخرى.

تقدم نفسها جنيفر لوبيز في «الفصل الثاني»، إنتاج 2018، ويعرض حالياً في الإمارات، في القالب المفضل لديها، الرومانسي العائلي، والكوميدي. إنها المنطقة التي تنجح فيها، وتليق بها، لكنها تجنح هذه المرة إلى الظهور كأنها «صانعة المعجزات»، تنتصر للمرأة العاملة والمكافحة بشدة، وهي ميزة في العمل، لكنها في المقابل تروج لفكرة تفوّق الخبرة على التعليم بشكل يستفز الجمهور، في زمن أصبح التعليم فيه أولوية، من دون إسقاط حق تراكم سنوات الخبرة في تمييز موظف عن آخر.
القصة تناولها جاستن زاكام، وإيلين جولدسميث توماس، ببساطة، حول مايا فارسيا (جنيفر لوبيز) العاملة في أحد متاجر البيع بالتجزئة منذ 15 عاماً، وقد أثبتت تميزها، وفهمها لطبيعة السوق، وما يحتاج إليه الزبائن، وابتكرت أفكاراً في طرق البيع زادت من جلب الزبائن، خصوصاً السيدات، كما حققت للشركة أرباحاً إضافية. وتطمح مايا إلى الانتقال إلى منصب مدير مبيعات، لكن صاحب الشركة يبقيها مساعداً للمدير لكونه يتفوق عليها بشهادته الجامعية في إدارة الأعمال، بينما هي لم تحصل على شهادة ثانوية عامة. ولإقناع المشاهد بحق مايا في المنصب، يقدم المؤلفان هذه المرأة باعتبارها شديدة الذكاء، بينما مديرها «شديد الغباء والتفاهة». أمور نصادفها في الحياة، لكنها ليست قاعدة ثابتة.
وأمام حالة الإحباط التي تشعر بها مايا، يحاول ابن صديقتها المقربة جوان، (ليا ريميني)، باعتباره «عبقرياً في الكمبيوتر»، مساعدتها من خلال إنشاء صفحة لها على مواقع التواصل الاجتماعي بمعلومات مزيفة، يجعل منها حاملة شهادة من أرقى الجامعات، ومتعددة اللغات، والخبرات، والمواهب. هذه الهوية المزيفة تفتح أمامها أبواب العمل لدى أحد أكبر موردي المتجر الذي كانت تعمل فيه: أندرسون كلارك، (تريت ويليامز). وتجري مقابلة تثبت فيها جدارتها، وعمق معلوماتها حول السوق، وما يحبه الزبائن، وتبدي ملحوظات حول منتجات الشركة، ما يجعل صاحبها يعرض عليها العمل كمستشارة لديهم. وأمام العرض المغري، والسكن الذي يقدمه لها في إحدى الشقق الفخمة، وبطاقات الائتمان المفتوحة، والترف، وتأمين فريق عمل خاص بها، تنبهر مايا، وتبدأ حياة جديدة، وتحدياً جديداً أيضاً، خصوصاً مع وجود منافسة لها وهي زوي، (فانيسا هادجنز)، ابنة صاحب الشركة.
إلى هنا تسير الأمور بشكل منطقي إلى حد ما، والمخرج بيتر سيجال (من أعماله «مباراة الضغينة» لروبرت دي نيرو وسيلفستر ستالوني، و«كن ذكياً» بطولة آن هاثاواي وستيف كاريل)، يجيد كعادته تقديم الكوميديا بشكل جميل يتماشى مع طبيعة العمل، والخط الاجتماعي والرومانسي فيه، باستثناء بعض «الحشو» الذي أراد منه المؤلفان إضافة مساحة من الضحك، فجاء عكسياً، ومرفوضاً، لأنه غير مبرر، وهو كم الشتائم التي ينطق بها ابن جوان، والألفاظ البذيئة التي يلتقطها من والدته، ويرددها بلا فهم. وجوان هي الشخصية الأكثر طبيعية ومصداقية في العمل، وقد أدتها ليا ريميني بشكل جميل، ومحبب.
فجأة، نكتشف أن زوي هي ابنة مايا، صدمة للجمهور ربما أراد منها المؤلفان والمخرج ولوبيز «إبهارنا»، وشحذ تعاطفنا، لكنها لم تف بالغرض، بل جعلتنا نبحث في ذاكرتنا عن محطة ما قد تكون سقطت سهواً منا، ذكرت فيها مايا أي شيء عن زواج سابق، أو طفلة، أو معاناة. فجأة نجد أنفسنا أمام مواجهة بين زوي، ومايا، كابنة ووالدتها، لنفهم أن أندرسون تبنى زوي وهي رضيعة، بعدما تركتها أمها ابنة ال16 عاماً في إحدى دور الأيتام. يبحث طويلاً الرجل الثري عن أم زوي، إلى أن يجدها، ويدعي رغبته في توظيفها في شركته، قبل أن يخبر ابنته بأنها والدتها، وهي بدورها تخبر أمها بأنها طفلتها التي تركتها.
ولم يتح لنا الفيلم فرصة التأثر بهذه العلاقة، لأنه أدخلنا في متاهة المنافسة بين مايا، وزوي، لتقديم أفضل منتج عضوي جديد للشركة، وخوف مايا من اكتشاف سرها، وأن هويتها على التواصل الاجتماعي مزورة، وهي لا تحمل أي شهادة. العقدة في الفيلم هي المقارنة بين الخبرة، والتعلم، وكان من الممكن تقبّلها لو أنه جعل من مايا مجتهدة وذكية تنجح في إطار المجال الذي عملت فيه طويلاً، لكنه للأسف جعل منها أشبه بالمرأة المعجزة، التي بحثت عن تركيبة جديدة لصابون للبشرة من مواد عضوية بالكامل، ونجحت، بل تفوقت، كأنها ليست مجرد امرأة بارعة في التسويق، بل عبقرية في التركيبات العلمية.
صديقات مايا، على رأسهن ليا ريميني، ومساعداها في الشركة شارلي نيي، وأنالي أشفورد، يشكلون الخط الكوميدي الناجح في الفيلم. لوبيز تحافظ على أسلوبها نفسه في الأداء، ونجمة سلسلة «هاي سكول ميوزيكا»، فانيسا هادجنز، مناسبة في دور الابنة الجميلة، والمديرة المتميزة زوي.
«الفصل الثاني» فيلم مريح ولا يتطلب مجهوداً من المشاهدين في التفكير، لكنه لا يدفعك لمشاهدته مرة ثانية. ويجسد الانتقال من مرحلة إلى مرحلة في حياة الإنسان، سواء في العمل، أو في حياته الشخصية، وفيه تنتقل بطلته من مرحلة الموظفة الذكية والطموحة في مجال التعامل مع الناس، خصوصاً في مجال التسويق، وفهم ما يجذب الزبون، وما يلبي احتياجاته، إلى مرحلة تحقيق الطموحات والانتقال من متجر إلى شركة مشهورة. وكان سينجح أكثر هذا العمل لو كشف الفصل الثاني من حياتها كأم، مركّزاً أكثر على هذا الجانب، لنراها امرأة محدودة التعليم حققت نجاحها بنفسها، وأمّاً فشلت في تربية طفلتها وحيدة وهي صغيرة، فانتهزت فرصة لقائها بصغيرتها من جديد لتعيش مرحلة الأمومة التي حرمت منها.
للأسف، انشغل الفيلم بالتنافس المهني، وبقيت الأمومة ومشاعرها هامشية، كأنها مجرد حشو الهدف منه كسب تعاطف الجمهور مع البطلة، لا أكثر. كذلك لو استمر في خط إثبات نجاح مايا في إدارة الموظفين وتقديم الأفكار الخلاقة لجذب العملاء، لتمكّن من إقناع الجمهور أكثر، بدل تحويل مهمتها من التسويق إلى صناعة منتج فريد من نوعه، كأنها «المرأة الخارقة» القادرة على تحقيق ما يعجز عنه غيرها، وتقديم منتج عضوي لا مثيل له خلال أيام معدودة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"