أوراق قطر

طارق رمضان وشراء مدرسة ابن رشد
03:12 صباحا
قراءة 8 دقائق

عن المؤلف

تأليف: جورج مالبرونو وكريستيان شينو

إعداد: سعد عبد العزيز


الحلقة الثالثة

صدر مؤخراً في المكتبات والفضاءات الثقافية الفرنسية والأوروبية، كتاب جديد للصحفيين الفرنسيين البارزين: جورج مالبرونو ( من صحيفة لو فيجارو)، وكريستيان شينو (من إذاعة فرانس أنتير)، بعنوان: «أوراق قطر»؛ وذلك على غرار فضيحة «أوراق بنما»، التي تفجرت قبل عامين. والكتاب يتضمن أدلة على دور قطر في تمويل الشبكات الإرهابية لجماعة «الإخوان» الإرهابية في أوروبا، وكيف توزع أموال الشعب القطري على الجمعيات والنوادي والمساجد والأشخاص في محاولة لاستمالتها والسيطرة عليها؛ كي تتحول إلى مراكز تدور في فلكها.

يكشف كتاب «أوراق قطر»، عن الوضع المالي لطارق رمضان أستاذ علم الإسلاميات المثير للجدل، والمعروف بنشره لإيديولوجية إسلامية وفق رؤية الإخوان المسلمين وبوصفه «الرئيس الروحي للإخوان في فرنسا».

وقبل فترة وجهت لرمضان عدة تهم منها: الاغتصاب وتحويل مبالغ مالية بلغت 590 ألف يورو، مقدمة من قطر إلى حساب مصرفي شخصي «لشراء شقتين هو وزوجته إيزابيل موريسيه في 27 شارع جابريي - بيري بباريس ( الدائرة 18 ) في باريس، بمبلغ إجمالي قدره 670 ألف يورو.

ويتساءل الكاتبان: «من 1 يناير 2017 إلى 5 فبراير 2018، أي بعد ثلاثة أيام من اعتقال طارق رمضان سجل حساب هذا الأخير ما لا يقل عن 729,910 يورو كتدفقات مالية ائتمانية و 778,269 يورو كمدين أي مصروفات خرجت من الحساب. فمن أين أتت كل هذه الأموال ولماذا؟».

ويتابع الكاتبان بأن مبلغاً قدره 35000 يورو نزل في حسابه في 2 أكتوبر 2017، وذلك من حساب بنكي في قطر، تم فتحه باسمه على أساس أنه راتب يتقاضاه شهرياً كمستشار لمؤسسة قطر وتم تكملته بال 60,000 يورو التي تدفعها له دور النشر مثل (Seuil، Presses du Châtelet)، أما ال 19000 يورو فتأتي من منظمات دولية أو دينية، كرابطة مسلمي سويسرا، و 6000 يورو من رابطة القضية العادلة ( Just Cause)، والتي من أحد أهدافها دعم المسلمين الذين يواجهون التمييز. ويقول الكاتبان إنه على الرغم من النكسات القانونية والاتهامات الخطيرة التي وجهت إلى رمضان، فإن جامعة أكسفورد البريطانية التي يدرس فيها لم تتخلّ عنه؛ بل استمرت بدفع مبلغ 4500 يورو كل شهر حتى أثناء احتجازه.

ويكشف الكاتبان عن معلومات تمكنا من خلالها الاطّلاع على ملف التحقيق عن طريق ( Tracfin) أي ( هيئة وزارة الاقتصاد المسؤولة عن مكافحة الاحتيال وغسل الأموال وتمويل الإرهاب) الخاص بالحسابات المصرفية لرمضان. ففي العام 2014 تمكن جهاز الاستخبارات الفرنسي من رصد الميزانية الخاصة بمسجد الإحسان بمدينة أرجونتيي في منطقة فال دواز وتبين له أن نصف الميزانية أتت من قطر.

ويضيف الكاتبان في صفحة 87 من الكتاب تحت عنوان «عندما تمول قطر طارق رمضان»: أن قطر باستثمارها وتمويلها لمشاريع في ارجونتيي عرفت كيف تندس في قضايا مؤسسة لها تاريخ طويل مع الجزائر. فهل كان ذلك صدفة؟ ففي رمضان 2016 دُعي الداعية الجزائري القريب من جماعة الإخوان نور الدين أوسات إلى مسجد الإحسان لإلقاء إحدى الخطب. ويتساءل الكتاب هل قادة الفرع الفرنسي من الإخوان المسلمين يتقاضون أموالاً مباشرة من قطر؟. في هذا الصدد بحثت ( Tracfin) كثيراً ولكن عبثاً. وإذا كانت الدوحة قد ابتعدت قليلاً عن ولدها المدلل رمضان، إلا أنها لم تتركه في أزمته لتغطية مصاريف المحامي خلال سجنه بالقضايا الموجهة إليه وغطته بمبلغ وصل إلى 500,000 يورو. ولكن هل أرسلت مبالغ نقدية لتمويل بعض المشاريع أو المسؤولين من الإخوان المسلمين عن طريق مكاتب الصرف أو التحويل البنكي؟ لقد حدث ذلك في العام 2012، إبان حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي عن طريق القاهرة حسب المخابرات الفرنسية حيث يرى هؤلاء أن قطر ليس من مصلحتها الدخول عبر المطارات وبين يدي مسؤوليها حقائب مملوءة بالمال؛ وذلك لسبب بسيط هو أن قطر لديها طرق أخرى كقطر الخيرية تستطيع من خلالها إضفاء شيء من الغموض على تحويلاتها المالية.

شراء مدرسة ابن رشد

ويشير الكاتبان إلى أنهما يمتلكان وثائق تثبت أن قطر الخيرية مولت مركز (فيل ناف داسك) الإسلامي في الشمال الفرنسي ومدرسة ابن رشد الثانوية وهي أول هيئة إسلامية خاضعة لقانون الجمعيات في فرنسا في العام 2003. وقد وصلت المساعدات القطرية في هذه المنطقة إلى 4.6 مليون يورو، علماً بأن هذا التمويل ليس محض صدفة بل موّلت كوادر مهمة أمثال عمار الأصفر ( إخواني سابق ) وحسن أغويسيان الواعظ المشهور في مساجد فرنسا مثل نانت وميلوز وغيرها من المساجد المرتبطة بحركة الإخوان.

ويقول ميشيل سوسان المستشار التربوي لمدرسة ابن رشد الثانوية: من خلال استثمار الأموال في ليل، عرضت قطر بشكل قاطع شراء المدرسة وتأجيرها لنا. ويضيف سوسان: «لقد كان استثمارًا للقطريين، على غرار نادي باري - سان - جرمان».

ووفقًا للكاتبين فإنه إذا كان بعض النواب الفرنسيين قد طالبوا في عام 2011 بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية حول مدرسة ابن رشد الثانوية، فإن هذه اللجنة لم تر النور حتى هذا اليوم مما يشير حسب رأيهما إلى العلاقات القوية للقائمين على المدرسة التي تربطهما بكواليس السياسة الفرنسية سواء لدى أحزاب اليمين أو اليسار.

شره قطر الاستثماري

وفي لقاء مع عمار الأصفر مدير المدرسة حالياً والمعروف ببراجماتيته وحديثه المنطقي، فإنّ كل المساجد في فرنسا والبالغ عددها 2600 مسجد باتت تمول ذاتياً بنسبة 85 %، وذلك بناء على تقرير رسمي لمجلس الشيوخ الفرنسي. ولكن ماذا عن ال15 % المتبقية ؟ يعترف عمار أنها تأتي من الخارج بشكل رسمي وهذا أمر تعرفه الدولة الفرنسية، والوثائق تثبت أن هناك تمويلاً قطرياً يمتد لعدة سنوات. وأول رسالة وجهت من قطر الخيرية للمدرسة تعود ل 19 مارس 2013 وتفيد بأن التحويلات من الجمعية بلغت 18465 يورو وفي العام 2014 وصلت المساعدات إلى 925032 يورو؛ بل إن تحويلات قطر الخيرية تجاوزت ما اعترف به الأصفر، حيث حولت مبلغاً قدره مليونا يورو لحساب جمعية ابن رشد في 21 يوليو 2014. ويتساءل الكاتبان، ما سبب هذا المال الإضافي وبهذا الحجم ؟ وهل جاء فقط للتوسعة الكبيرة كنتيجة لنجاح المدرسة ؟ الواقع أن السخاء القطري تجسد عندما زار الرجال الثلاثة: رئيس قطر الخيرية الشيخ ناصر آل ثاني والمدير التنفيذي يوسف الكواري ومدير جمعية الغيث أحمد الحمادي «مركز فيل ناف داسك» ومدرسة ابن رشد في يونيو 2015، وشوهد على موقع الغيث بالعربية صورة الحمادي وهو بين طلبة وطالبات المدرسة المحجبات، علماً بأنه لم ُيدعَ إلى هذه الزيارة لا الصحافة المحلية ولا حتى الشخصيات المهمة؛ بل بقيت الزيارة سرية ما يعتبر دليلاً على هدف خاص يتجاوز المساعدة المالية. وفي رسالة بعثت من الكاتبين إلى محمد كرات وهو أحد المسؤولين في «مركز فيل ناف داسك» في 5 يناير 2019 لمقابلته فردّ قائلاً: «إذا كنتم تعرفون جيداً أننا نتلقى التمويل من قطر فلماذا تريدون مقابلتنا ونحن لن نرد على أسئلتكم». وبعد تبنّي قانون منع الحجاب منذ العام 2004 بعث مخلوف مامش إلى يوسف الكواري يطلب صراحة من قطر الخيرية، مد المدرسة بمليون يورو إضافية لإجراء بعض التوسيعات ما يعتبر اعترافاً صريحاً بأن قطر تمول المدرسة. وحسب تحقيقات الصحفيين، فقد وصلت المساعدات من قطر لمدرسة ابن رشد إلى 3 ملايين يورو مع نهاية العام 2014.

وينقل الكاتبان شهادات لبعض الكوادر الإخوانية المعروفة والتي خرجت عن الجماعة مثل محمد لويزي الذي تفاجأ جداً بحجم المبالغ القادمة من قطر وتساءل كيف يمكن للدولة الفرنسية أن تسمح بذلك مع مدرسة تحمل إدارتها فكراً لا يتوافق مع نموذج الجمهورية الفرنسية. يذكر أن لويزي هو الذي كان مختصاً بالتمويلات الخارجية المخفية. وقال لويزي إني أتساءل الآن: إلى من تنتمي هذه المدرسة؟ وهل تملكها حقاً مؤسسة ابن رشد أم أن ملكيتها بالوكالة ؟ ويقول ميشيل سوسان المستشار التربوي لمدرسة ابن رشد: لقد سألت قطر نفسها هذا السؤال من كثرة ما أنفقت في مساعدة المدرسة، ولقد فهمنا لماذا طالبت بشرائها في العام 2016 ثم تأجيرها لنا!! وحينها وقف عمار الأصفر واللجنة التربوية معارضين هذا الإجراء، لكن ذلك يظهر لنا شره الجانب القطري في مجال الاستثمار المالي وغيره وضرورة الانتباه لما يحدث.

وفي فبراير 2015، وصلت عملية التفتيش، التي طلبتها المدرسة بالاشتراك مع إدارة الرقابة، إلى نتيجة مفادها أن المدرسة «تحترم شروط عقدها عموماً، ولكن اللجنة تدعو إلى توضيح مفهوم الخطاب الديني المتطرف من بعض الكوادر عن طريق إزالة الغموض بين تدريس الفلسفة والمسار الاختياري للأخلاقيات الدينية مثل تشجيع المدرسة طالباتها على ارتداء الحجاب، علماً بأنه ليس إلزامياً. لكن في الواقع، نجد أن الغالبية العظمى من الفتيات محجبات.

مراوغة ولامبالاة

ويتساءل الكاتبان، كيف يمكن أن يكون الأمر خلاف ذلك، وقد تم إنشاء هذه المدرسة الثانوية، كردٍّ على استبعاد الفتيات المحجبات من «مدرسة فيديربي» الثانوية؟ ففي مدينة ليل توجد طبقة متوسطة سلفية أرادت تعليم وتثقيف بناتها في مدرسة ابن رشد والتشدد في هذا الأمر، لكن المدرسة الثانوية حسب المسؤولين صمدت أمام هذا التشدد، علماً بأن ارتداء الحجاب كان من بين أهداف المنظمة القطرية غير الحكومية عندما مولت المدرسة الثانوية؟ ويقول الإخواني السابق محمد لويزي: الأمر واضح الفكر الإخواني يهيمن على العقول.

أما ميشيل سوسان المعروف في مدينة ليل، فهو الضامن لسير مدرسة ابن رشد وفق خط بعيد عن الفكر الإخواني خاصة أنه يهودي الديانة فيرى أن الدولة الفرنسية تعرف جزءاً مهماً من مشاريع قطر الخيرية، ولم تعد قادرة على أن تخفي رأسها في التراب مثل النعام. ويبذل ضباط المخابرات جهداً كبيراً في هذا الشأن ويجلبون المعلومات من كل مكان، كما تتعاون البنوك بشكل متزايد مع (هيئة وزارة الاقتصاد المسؤولة عن مكافحة الاحتيال وغسل الأموال وتمويل الإرهاب Tracfin) عن طريق مضاعفة الإعلان عن «تقارير المعاملات المشبوهة» حول أصول الأموال التي تصل إليها. فضلاً عن ذلك أحاول مع مطلع كل سنة دراسية كمسؤول، تنظيم حلقات توعوية للمدرسين كي يبقوا أمناء للنظام التعليمي والتربوي في فرنسا. ويجب ألا ننكر أن هناك كوادر في المدرسة من الإخوان المسلمين على الرغم من أنهم ينكرون هذا الأمر أو لا يظهرونه قدر الإمكان، علماً بأن هؤلاء الآن قد أصبحوا منخرطين ضمن هيئة مسلمي فرنسا لأنهم يعلمون أنه من الأفضل في أيامنا هذه التكتم على هذا الأمر أو المراوغة في الخطاب.

وفي معركته ضد نزعة تجمع الجاليات، يعترف محافظ بلدية «فيل نوف داسك» جيرارد كوودران أنه كان يشعر بالانعزالية والوحدة تجاه الدولة ! لأنه لم يسبق له أن تحدث مع أحد على مستوى الدولة حول طريقة تمويل المركز الإسلامي في مدينته وكأن هناك شيئاً من اللامبالاة. وعندما تم بناء المسجد، قيل إن قادته هم من الإخوان المسلمين وأنه لم يتحقق من ذلك بصراحة لأن أجهزة الدولة هي التي يفترض أنها تمتلك سجل هؤلاء ولديها أشخاص مندسون معهم. ويشير كوودران أن إدارة المركز لم تخبره مطلقاً عن أي تمويل خارجي ولكن قبل انتهاء البناء أخبروه أنه من الممكن أن يأتيهم من خارج البلاد وبالتحديد من مؤسسة ما لم يصرحوا عن اسمها لكن تبين بعدها أنها من قطر. ويقول كوودران: «الحقيقة أنني كنت لا أعرف الكثير عن هذا البلد خاصة أنها لم تكن قد اشترت النادي الفرنسي المعروف، كما أن الخلافات بين الولاءات المختلفة في صفوف المسلمين كانت لا تشدني كثيراً، لا سيما أنني كنت ومارتين أوبيري في ليل نتناقش غالباً مع شخص نعرفه جيداً وهو عمار الأصفر صاحب الشخصي الإيجابية والذي كان على ما يبدو في خلاف مع ال( UOIF) فضلاً عن عدم وجود جهاز المخابرات على الساحة خلال مناقشاتنا معهم، فكيف تريدوننا أن نعرف انتماءاتهم الحقيقية»؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث