عادي
تدور حول الإرهاب ومافيا السلاح وتصدرت «نتفليكس»

«المنصة»..دراما إماراتية خارج المألوف

03:15 صباحا
قراءة 5 دقائق
مارلين سلوم

في الحديث عن هذا العمل، يحلو لك أن تبدأ من النهاية، أن تختصر الطريق وتقول رأيك، ثم تعود إلى تفنيد الأحداث ونقاط القوة والضعف، والشخصيات والأبطال والقصة والإخراج.
أنت ببساطة أمام مسلسل عربي مختلف تماماً عما تعودنا عليه، يخرج من إطار القصص التقليدية، يعالج قضايا الخلايا الإرهابية والتنظيمات ومافيا السلاح والمخدرات، إنما بطريقة عصرية إيقاعها سريع، الغموض فيها يزيد نكهة التشويق ويشدك لتتابع المشاهدة حلقة بعد حلقة، لتصل إلى نهاية بلا نهاية، بل تجدها بداية أقوى لسلسلة حلقات جديدة سيتم عرضها بعد الانتهاء من تصويرها. نتحدث عن مسلسل «المنصة» الذي عرضت الجزء الأول له «نتفليكس» ويعرضه تلفزيون «أبوظبي».
لا شك أنك سمعت عنه خصوصاً أنه تصدر قائمة المسلسلات العربية الأكثر مشاهدة على «نتفليكس»، وهو يستحق فعلياً أن يكون «تريند» في زمننا هذا، لأنه خرج عن كل الأطر التقليدية للدراما الخليجية عموماً والإماراتية تحديداً، متعمقاً بأحداثه في صميم الواقع والأحوال السياسية التي يعيشها العالم وليس فقط في المنطقة، محاكياً العصر بكل ما فيه من تقنيات حديثة، بل يمكن القول إن التكنولوجيا هي الأساس وهي البطل الأول في «المنصة».
هذا المسلسل الإماراتي، يصنف دراما سياسية بوليسية فيها عنف وجريمة لكنها غير مؤذية ويمكن مشاهدته لمن هم في سن ال 13 عاماً وما فوق.
الفكرة والكتابة للمؤلف السوري هوزان عكو، الإخراج للألماني رودريجو كريشنر، والإنتاج الذي يعتبر مغامرة في هذه الظروف التي يعاني فيها الإنتاج السينمائي والتلفزيوني أزمات اقتصادية بسبب «كورونا» يعود لشركة «فيلم جيت» بالتعاون مع «الكلمة للإنتاج» وإشراف المنتج والمخرج الإماراتي منصور اليبهوني الظاهري. عكو أراد تسليط الضوء على موضوع حيوي جداً، وهو الإرهاب ومن يقف وراءه وتسلله إلى قلب المجتمع وتشتيت أفراد العائلة الواحدة. وعلى الخط نفسه يبرز كيف تدار الحروب الإلكترونية واستغلال الإرهابيين للعقول الباحثة والمطورة للعمل الإلكتروني والمنصات ووسائل التواصل، وكيف تحول الإعلام إلى منصة إلكترونية أيضاً، تبحث عن الخبر الجديد والمثير لتكشف كواليسه وأسراره.
«ذا بلاتفورم» أو «المنصة» لا يطرح تساؤلاً بات خلفنا ولا يجوز العودة إليه من جديد، وهو «الأونلاين هو مستقبل الإعلام» إنما يقدمه كواقع حقيقي لا مفر منه. يقول الكاتب هوزان عكو إن «امتلاك المعلومة وتحريرها هما أساس كل شيء»، من هنا ينطلق عمل «المنصة» التي أنشأها ناصر (عبد المحسن النمر) رجل الأعمال الإماراتي في أبوظبي، وسافر إلى أمريكا خصيصاً من أجل اللقاء بالشاب السوري كرم (مكسيم خليل) الذي صار اسمه على كل لسان بسبب براعته في هذا المجال، والكتب التي نشرها في أمريكا. رأينا في البداية كيف نشأ كرم وسط أسرة بسيطة، يقف بالمرصاد للشيخ ناجي (خالد السيد) ويشكك فيه وفي تصرفاته محاولاً الدفاع عن أخيه الأصغر آدم (سامر إسماعيل)، الذي أجبره والده على تعلم التربية الدينية على يدي هذا الشيخ. نفهم من أحد المشاهد وبالإيحاء، أن ناجي اعتدى على آدم، وأن الطفل التزم الصمت وخاف مواجهة أبيه، على عكس كرم الذي يتحلى بالجرأة الشديدة، ويفضح أمر أبيه ويبلغ عنه عندما سمعه وهو يعد مع رجال ناجي قنبلة ويضعها في حافلة مدرسية من المفترض أن تقتل أبناء الجيران في الصباح.
يدخل الأب حازم (سلوم حداد) السجن، ثم نرى الولدين كبرا، كرم في أمريكا وآدم أصبح طبيباً وبقي ملازماً لوالدته، إلى اليوم الذي يخرج فيه حازم من السجن ويعود إلى بيته بنفس الطباع السيئة والغضب والقسوة، فإذا بالأم تلقى من الشرفة، ويعود كرم ليصدم بوفاتها ويبدأ البحث عن الحقيقة.


جرائم


في المسلسل جريمة أو جرائم، المباشرة منها ليست هي الأساس، ولا البحث عن القاتل الحقيقي هو ما يشغل بال البطل والجمهور طوال الوقت؛ فالكاتب أجاد حياكة سلسلة أحداث تشويقية مترابطة ومتفرقة تزيد الخناق على كرم وتحاصره، وبالوقت تزيد العمل متعة والمشاهدين شوقاً لمعرفة من يقف وراء كل هذه الأزمات والجرائم. كذلك تتميز كتابة عكو بدفع الجمهور إلى التشكيك بكل الناس، بمن فيهم كرم نفسه وصديقه جون (الممثل العالمي دان كين)، مع التركيز على أن خلف كل ما يحصل اليوم تقف «مافيا» السلاح والمنظمات الإرهابية. كل الصراع السياسي سلاحه «تكنولوجيا المعلومات» و«الإعلام الإلكتروني» ومعه طبعاً كل وسائل التواصل الاجتماعي ومشاهيره الذين يتم استغلالهم أحياناً من أجل تحقيق أهداف تخريبية. نحن في عالم السيطرة فيه للتكنولوجيا، التي تفتح ملفات رجال أعمال وصفقات أسلحة من اليمن إلى ليبيا، و«رحلة البحر الأسود»، والقرصنة الإلكترونية. ويركز الكاتب على عملية غسل الأدمغة التي يمارسها الإرهاب، لدرجة أن الأب يضحي بابنه الأصغر، يتصدى للبكر كرم من أجل الدفاع عن الشيخ ناجي بلا أي وعي أو فهم.


ملاحظات


12 حلقة تمر سريعاً لنصل إلى ختام الجزء الأول ونحن في ذروة الأحداث وقمة العقدة. مفاجآت كثيرة لا نحرقها في هذه السطور حفاظاً على متعة المشاهدة، إنما نتمنى أن يكمل هوزان عكو الكتابة بالوتيرة نفسها وعلى نفس حرارة التشويق، مع الأخذ بالاعتبار بعض الملحوظات الصغيرة التي تستوقف المشاهد ولا بد من تفسير لها أو تجنبها، والمخرج شريك أساسي في هذه النقاط ومنها: الكومبارس في الشوارع حركتهم روبوتية باردة غير عفوية..
نفهم بالإيحاء أن ناجي اعتدى على آدم وهو طفل، لكننا لم نر أثر ذلك على آدم، وننتظر الجزء الثاني لتتضح شخصيته أكثر ونحلّ لغز الغموض الذي يخفيه بصمته ونظراته الحزينة. سامر إسماعيل أدى دور آدم بإتقان شديد.
كيف يمكن لمركز مثل «المنصة» الشديد التطور والذي يبدو مبهراً من الخارج وموقعه أبوظبي، ألا يكون مدججاً بكاميرات المراقبة من الخارج والداخل؟ فهل يجوز مثلاً أن تحاول أمل (يارى قاسم) سرقة المعلومات على «فلاشة» ولا يكون هناك كاميرا تراقب الموظفين؟ ثم سمعنا أن في «المنصة» نحو 100 موظف، لكننا لا نرى سوى كرم وناصر وسيف (ياسر النيادي) وزيكو (خالد القيش) ثم التحقت بهم أمل فقط، ولا نلمح أي مخلوق آخر ولو في الخلفية مثلاً، ولا حتى سكرتيرة أو حارس. وهل يجوز أن يقفل سيف المنصة حين يتعب ويقرر أخذ راحة، ويتحول المكان أحياناً إلى مسكن يبيت فيه كرم أو زيكو أو سيف؟
يضم المسلسل مجموعة من النجوم، منهم أحمد الجسمي الذي يبدو ظهوره إلى الآن شرفياً، ومعتصم النهار ولين غرة وسمر سامي، رهام القصار، سعود الكعبي، علاء الزعبي، يوسف الكعبي، جابر جوخدار، والمذيعة مهيرة عبدالعزيز. من تميز منهم؟ الكل نجح في تقديم إضافة لنفسه وللعمل، خصوصاً الشخصيات الرئيسية مكسيم خليل وعبد المحسن النمر وياسر النيادي وسامر اسماعيل. وبلا تحيز، العنصر الذكوري أقوى بكثير من العنصر النسائي، من حيث الأداء والمصداقية في تقديم شكل يتناسب مع الشخصية بلا مغالاة. وكان من المفترض أن يكون لسارة دور مهم ومؤثر في الأحداث، لكنها تاهت للأسف ولم تجد لين غرة التقاط المفصل الذي يحدد هويتها، بين الحبيبة العاشقة لابن الجيران وحب الطفولة كرم، والمرأة المجبرة على خيانته وإخفاء معلومات عنه. لم نشعر ولو مرة بندم في عينيها أو عذاب أو تذبذب بين الحالتين، بل ركزت أكثر على الإغواء بالشكل، بينما طبيعة كرم العقلاني والعلمي لا تحتاج إلى هذه الوسائل التقليدية الباهتة لإغرائه. حتى المشاهد التي جمعتها بمكسيم خليل، خطف منها الكاميرا وبدا أقوى وأعلى من النقطة التي تقف فيها لين غرة. ومكسيم قدم في هذا المسلسل أحد أجمل أدواره.
لاشك أن «المنصة» تبدو شبكة «خارقة»، لا يستعصي عليها خبر أو معلومة، لكن نستغرب أن يكون حجمها بحجم جهاز مخابرات دولة كبرى، فكيف يمكن أن تكون حقيقية ولا تعاون بينها وبين أجهزة الدولة الأمنية إلا حين تدعو الحاجة فقط؟
الملاحظات لا تقلل من قيمة المسلسل الذي ننتظر استكمال جزأيه الثاني والثالث كي نتابعه، ونفخر بهذا الإنتاج الجيد والتصوير الجميل والأفكار غير التقليدية والأقرب إلى عالم اليوم بهمومه وتطوراته وطموحات شبابه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"