عادي
في ندوة نظمها مركز الخليج للدراسات

«النشر الإلكتروني».. صناعة تبحث عن قوانين عربية وبنية تكنولوجية

04:32 صباحا
قراءة 17 دقيقة
أدار الندوة: حبيب الصايغ
أعدها للنشر: هاني عوكل
 
أعد ورقة المحاور: السيد صدقي عابدين

أكد المشاركون في ندوة واقع صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي التي نظمها مركز الخليج للدراسات، أهمية إيجاد ميثاق شرف أخلاقي يُنظم العلاقة بين أطراف صناعة النشر الإلكتروني عربياً، وطالبوا بصياغة قوانين تضبط وتُطور صناعة النشر الإلكتروني ومحتواه على المستوى العربي، وضرورة ربط تطوّر النشر الإلكتروني بوجود بنية تحتية تكنولوجية قوية، توفر الإنترنت عربياً طوال الوقت.
وبما أن الوطن العربي يمتلك ما ينشر، سواء أكان تراثاً قديماً أم إبداعاً حديثاً أياً كان مجاله، وأياً كان مستواه، فإنه يحتاج إلى قنوات نشر، وقنوات النشر العربية كانت دائماً موجودة، لكنها كانت على بُعد خطوات تطول أو تقصر عن نظيراتها في كثير من دول العالم، وخاصة المتقدمة، وبحكم أن الأخيرة تسبق بخطوات كثيرة وكبيرة في شتى المجالات، بما فيها مجالات النشر التقنية.
نتساءل هل قطاع النشر الإلكتروني العربي وحده هو الذي يعاني؟ عندما يتم توسيع بؤرة النظر سيرى المدقق كيف هي المعاناة العربية في مجالات شتى، ليس هذا فحسب؛ بل سيرى كيف هي التراجعات قياساً بما كان في سنوات وعقود سابقة، إذن فالسياق العام لصناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي، يمثل مدخلاً مهماً، من باب البحث عن كيفية الفكاك من نقاطه المظلمة، والبحث في سبل تعظيم جوانبه المضيئة حتى وإن كانت ضئيلة.
وأول ما تنبغي ملاحظته على هذا الصعيد، هو أن الأمر مرتبط بسياقات تتعلق بالأقطار، كما هو مرتبط بإطار قومي أعم، وهنا تبرز التباينات من حيث البيئة التشريعية والتنظيمية المؤسسية بالنسبة لصناعة النشر الإلكتروني، في ما بين الأقطار العربية، وفي الوقت نفسه، ما يمكن أن تقوم به المنظمات العربية مثل المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، والاتحادات: مثل اتحاد الكتاب العرب، والاتحاد العربي للنشر الإلكتروني.
ما الذي يريده صناع النشر الإلكتروني العربي؟ سؤال لابد لمثل
هذه الندوة أن تبحث في الإجابة عنه، والبحث هنا لابد أن يكون واقعياً من حيث التشخيص والتوصيف، حتى يكون هناك ما يمكن الخروج به من خطوط عريضة، قد تتلاقى مع استنتاجات وتوصيات سابقة، ربما تكون قد توصلت إليها دراسات علمية سابقة.
ولا يمكن أن تكتمل أركان الحديث عن النشر الإلكتروني من دون أن يكون هناك حضور لرؤى منتجي المحتوى الإلكتروني، من كتاب ومثقفين وباحثين وصحفيين ومدوّنين.
فهل ما زالت شكاواهم من قطاع النشر التقليدي قائمة مع قطاع النشر الإلكتروني؟ وهل هي ذاتها؟ أم إنها اختلفت.. هل زادت أم قلّت؟
وبما أن الحديث عن النشر الإلكتروني كصناعة، فإنه لا قيام لها بلا رأس مال، ولا استمرار للصناعة بدون تحقيق الأرباح، أو أن تدخل في باب السلع والخدمات العامة التي تتم تغطية نفقاتها من الموازنات العامة، من دون النظر إلى مسألة الربح والخسارة، وبناء على ذلك تحاول هذه الندوة مناقشة موضوع صناعة النشر الإلكتروني عربياً عبر المحاور الآتية:
الأول: صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي: المحتوى والتأثير.
الثاني: طبيعة العلاقة بين أطراف صناعة النشر الإلكتروني عربياً.
الثالث: مقترحات لتطوير صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي.
قال حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس تحرير صحيفة «الخليج» المسؤول، إن موضوع النشر الإلكتروني كبير وله علاقة بمعرفة الأجيال والمناقلة ومدّ الجسور بينهم، والواقع يتغير بين التنظير والتطوير، ولو أخذنا تجربة الإمارات في عشرة أعوام، يمكن القول إنه تم الانتقال من الحكومة الإلكترونية إلى الذكية، إلى حكومة الذكاء الاصطناعي، والنشر الإلكتروني أصبح واقعاً يتطور، وتُمكن قراءة الصحف الإلكترونية مثلاً في أي وقت وقبل الحصول على النسخة الورقية.
وعلى صعيد الخبر فإنه يسبق في النشر الإلكتروني نظيره الورقي، إلى جانب أن النشر الإلكتروني ليس فقط كتابة، وإنما هناك أدوات مساعدة مثل الصورة والفيديو، وهناك مرحلة بين الصحافة والتلفزيون، وتتفوق على الأخير في مسألة التحقيق الاستقصائي على سبيل المثال.
وفي مسألة الملكية الفكرية، لدينا تجربة تحتاج إلى الوقوف عليها؛ لأن المسؤول عن الملكية الفكرية هو وزارة الاقتصاد وليس وزارة الثقافة، وهناك مداولات بدأناها منذ فترة طويلة مع وزارة الاقتصاد، من أجل حقوق النسخ الورقي التي هي مرتبطة بحقوق النسخ الإلكتروني.
وأكد طلال سالم، مؤسس دار جميرا للنشر والتوزيع (الإمارات)، أنه على الرغم من وجود دور نشر عربية لها باع طويل في النشر التقليدي، فإننا لم نصل إلى النشر الاحترافي، كما هو مُطبّق في دول العالم، وبالتالي كيف سننقل هذه التجربة إلى النشر الإلكتروني بعدم وجود الوعي عند الناشر والمُوزِّع والقارئ والمُتلقي، حيث إننا نعاني الآن سيل المعلومات الجارف الذي وصل في عام 2017 إلى حوالي 8 إكسابايت، وبالتالي نتجه إلى سيل المعلومات للوصول إلى عام 2020 بحوالي 44 إكسابايت؛ أي أن الكم المعرفي الإنساني المنتج يتزايد بشكل أسي، وهذا لم نستطع استيعابه في العالم؛ لذلك لجأنا إلى ما يسمى بالذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبيرة وتحليلها، ونحتاج إلى تنقية المعلومات الموجودة لنضعها بطريقة سلسلة تصل إلى القارئ، وما نعانيه هو الوعي بالكتاب الإلكتروني، ونحتاج إلى زيادة الوعي بين الشباب وطلاب الجامعات في هذا الموضوع، ثم إن القرصنة الإلكترونية يتدخل فيها موضوع الوعي، حيث تعاني العديد من دور النشر التي تُصدر كتباً مميزة، وتجدها مقرصنة وموجودة في مواقع كثيرة، ولذلك أركّز على أهمية الوعي بالكتاب الإلكتروني، وتطوير أدوات النشر إلى أن نصل إلى محتوى إلكتروني متميز، علماً بأنه لا يوجد ميثاق أخلاقي بين الناشرين الورقيين، وبالتالي كيف سيكون هناك ميثاق أخلاقي في النشر الإلكتروني.
وبخصوص طبيعة العلاقة بين أطراف صناعة النشر، أقول إن الموضوع بحاجة إلى تناغم وتعاون بين مختلف أصحاب العلاقة، تحت أطر وقوانين ووعي الجهات المعنية بأهمية تطوير القوانين، وذلك يحتاج إلى التعاون مثلاً مع مؤسسات كبيرة للاستفادة من خبراتها في النشر الإلكتروني لصناعة محتوى جيد في الوطن العربي، كما نحتاج إلى جهة إحصاء عن القارئ، وحالة النشر بمختلف مستوياته.

المنتج الإلكتروني

وقالت أسماء الزرعوني (كاتبة وروائية)، إن الوطن العربي عموماً تأخر في موضوع النشر الإلكتروني، والدول الغربية سبقتنا إلى عملية النشر وتنظيمها، غير أن النشر الإلكتروني تطور في الدول العربية وخصوصاً في الإمارات، لكن مع ذلك تجد جيلاً ما يزال لا يتقبل قراءة الكتاب أو المنتج الإلكتروني.
ومع ذلك، هناك فوائد للنشر الإلكتروني مثل سرعة إرسال المادة ونشرها، وأرشفتها بشكل أسهل؛ لذلك لابد من الاعتراف بأن النشر الإلكتروني واقع لا يمكن الفكاك منه، وهو مرتبط بعالم السرعة وعالم التطور الذي نعيشه. وحول العلاقة بين مختلف الأطراف بخصوص النشر الإلكتروني، ألحظ أنه لا توجد علاقة تعاونية، ولم يجر الكشف عن حجم دور النشر الإلكترونية في الوطن العربي، ولم ألحظ أي نشاط تجاري من قبل القراء لشراء كتب أو محتويات إلكترونية، وأيضاً لا يوجد موزعون لتوزيع المحتوى الإلكتروني، وهذا يقودني إلى الحديث عن غياب الوعي حول ثقافة النشر الإلكتروني، وبالتالي نحتاج إلى تضافر كافة الجهود والتنسيق على مستوى الوطن العربي، لتطوير صناعة النشر الإلكتروني، وهذا يستلزم توفير إحصائيات وبحوث لتطوير هذه الصناعة وتحديد الفئات المستهدفة، التي يمكنها استيعاب النشر الإلكتروني وتوسيع رقعة متلقي هذه الصناعة المتطورة، وأدعو إلى عقد ندوات تجمع بين الكتّاب والناشرين للتعرف عن قرب إلى مشكلات النشر الإلكتروني، وتطوير هذه المهنة.
وقال محمد عبدالله نور الدين، مدير عام «نبطي للنشر»: «بظني أن المشكلة الرئيسية في النشر بالعالم العربي، تكمن في عدم توفر «الإنترنت» كل الوقت، وأتحدث هنا عن بعض الدول العربية، وهذا قد يقود إلى عدم توفر الكتاب؛ لأن النشر قائم على العرض والطلب، وإذا لم يكن هناك طلب على النشر، فإنه لن تكون هناك صناعة قوية للنشر، ولذلك إذا توفرت «الإنترنت» بين مختلف الأجيال وفي مختلف المناطق، فإن ذلك قد يعني بالضرورة توسع صناعة النشر الإلكتروني، وبالتالي فإن تمكّن البنية التحتية الاتصالية من شأنها أن تغير وجه النشر الإلكتروني في العالم العربي؛ لأن «الإنترنت» متوفرة في الدول الأوروبية وفي متناول الجميع».
وفي ما يتعلق بالقرصنة يمكن القول إن الموضوع مرتبط بالثقة بين الكاتب والناشر والقارئ، مع أهمية التأكد من عدم تسرب الكتاب الإلكتروني، وإيجاد قوانين تمنع قرصنته، علماً بأن الجيل المقبل سيطور النشر الإلكتروني وينقله إلى مستويات أخرى. وحول طبيعة العلاقة بين أطراف النشر، لابد من التركيز على مصطلحين: الثقة والربح، وهما مفتاحا المشكلة، وأقصد أن الثقة المتعلقة بالعلاقة بين الناشر والأطراف الأخرى محكومة بقوانين قابلة للتنفيذ، خاصة أن النشر الإلكتروني على المستوى العربي والدولي، يحتاج إلى محاكم تقرر سنداً تنفيذياً خارجياً يمكن أن ينفذ في أي دولة، وهذا يحتاج إلى تنسيق بين الدول لضبط وتوسيع النشر الإلكتروني بالاحتكام إلى قوانين نافذة.
أما موضوع الربح فهو مهم ومرتبط بأطراف العلاقة بخصوص النشر الإلكتروني، وحبذا لو وُجد تكتل إعلاني يهدف إلى توسيع دور وأهمية النشر الإلكتروني.

ضبط الملكية

وذكر هيثم حافظ، مدير عام دار الحافظ، رئيس اتحاد الناشرين السوريين، أن النشر الإلكتروني تطور في الوطن العربي في فترة من الفترات غير أنه تراجع، وسبب التراجع يتعلق بمسألة ضبط الملكية الفكرية، حيث لا يوجد هناك نشر حقيقي، علماً بأن النشر الإلكتروني يمكن أن يُعرّف بأنه «الفوضى في النشر»، ولا يمكن أن نقول إن هناك دور نشر تنشر إلكترونياً؛ إذ إن أي منصة من المنصات يمكنها أن تكون نشراً إلكترونياً، و«فيسبوك» يمكنه أن يكون نشراً إلكترونياً غير منظم أو مرخص؛ لذلك هناك فرق بين النشر الإلكتروني والورقي، على أساس أن الأول لا توجد له ضوابط، ومشكلتنا الكبرى في النشر الإلكتروني أنه لا توجد حماية حقيقية للملكية الفكرية التي نسعى لحمايتها لتطوير الإبداع. وحتى نرسخ نشراً إلكترونياً حقيقياً في الوطن العربي، علينا أن نؤسس لملكية فكرية، والمقبل الأخطر على الوطن العربي يتصل بالشركات الثقافية الأجنبية التي يمكنها أن توطد العلاقة مع أهم الناشرين العرب وتنشر لهم، مما سيعيق عمل النشر في أي دولة عربية، وفي ظني أن النشر الإلكتروني بحاجة إلى إعادة صياغة في الوطن العربي، والأهم بحاجة إلى قوانين لضبطه.
فصناعة النشر ما تزال تحبو في العالم العربي، وأقترح سن قوانين لازمة لتطوير صناعة النشر الإلكتروني، وترسيخ الشراكات على صعيد المؤلفين والمصممين والناشرين. وبالنسبة للتعاون العربي البيني حول مسألة النشر، يمكن القول إن التعاون بين اتحادات النشر العربية جيد ومقبول، ويخدم قضايا القراءة والكتاب والكتابة، وهناك مظلة لهذه الاتحادات وهو اتحاد الناشرين العرب الذي يعتبر بمثابة اتحاد الاتحادات، حيث يسعى إلى تطوير المهنة.
وقال محمد شعيب الحمادي، عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، إن صناعة النشر الإلكتروني من إيجابياتها أنه يمكن التنقل بين المكتبات في الوطن العربي، والحصول على الكتاب في أي وقت كان، مع عدم إغفال مسألة التحديات المتعلقة بتعامل الأجيال مع النشر، بين فريق يقرأ إلكترونياً من هاتفه أو كمبيوتره، وبين جيل يتمسك بالقراءة المطبوعة. أيضاً ينبغي الأخذ بعين الاعتبار، هدف الناشر من النشر، هل هو تجاري أم ثقافي، علماً بأن حركة النشر الإلكتروني تتأثر بالدور الذي تلعبه الدول في التحول إلى الخدمات الإلكترونية والذكية؛ الأمر الذي يُسرِّع الانتقال من الكتابة والمحتوى الورقي إلى الإلكتروني.
وأعتقد أن العلاقة بين الناشر الإلكتروني والورقي محكومة بنفس الاتجاه؛ كون أن الطرفين يهمهما ضمان الحقوق وثبات المنفعة. أما تطوير صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي، فلابد أن تخضع لصياغة معايير وإجراءات لحماية الأطراف جميعاً، ونحتاج إلى زيادة الوعي بأهمية قراءة المحتوى الإلكتروني؛ لأن ذلك سيعني زيادة الطلب على هذا المحتوى وترسيخ صناعة النشر الإلكتروني وتوسيعه في الوقت ذاته.

ضبط المصطلحات

وقال فجر قاسم علي من مدينة الشارقة للإعلام: «كنت أتمنى أن يكون عنوان الندوة صناعة المحتوى الرقمي؛ لأننا تجاوزنا النشر الإلكتروني ونحن الآن في عصر الذكاء الاصطناعي، والنشر الإلكتروني عبارة عن «PDF» يوضع على الإنترنت، وفي تقديري من المهم ضبط المصطلحات لأن الأجيال الجديدة تعرفها، ومن المهم مخاطبة هذه الأجيال بأدواتها، ومن المهم أيضاً النظر إلى أن الجمهور العربي تعوّد منذ سنوات الحصول على بيانات ومعلومات مجانية عبر الإنترنت، ويعتقد أن كل شيء ينبغي أن يكون مجانياً، ولا يتقبل عقلية الدفع من أجل الحصول على المعرفة». واليوم مثلاً أكبر شركة فنادق في العالم أو شركة تأجير سيارات لا تمتلك غرفة واحدة أو مركبة، وبالتالي ليس بالضرورة أن تكون جهة ناشرة مالكة للمحتوى الإلكتروني، وشركة «نيتفلكس» أصبحت تغزو العالم وتنتج محلياً في كل بلد، وتبعد الشركات المحلية الأخرى عن العملية الإنتاجية، وإذا لم نسر بنفس هذا النهج، فإنه قد تحدث لدينا مشكلة. الحقيقة أننا نعيش في عصر التكنولوجيا التي تأخذ بعدين إيجابياً وسلبياً، وبالتالي نحتاج إلى حلول ابتكارية، خاصة أننا في زمن الصورة والشاشات، وبرأيي أن الحلول لابد أن تكون متعلقة بالشاشة وليست بالنص المطبوع.
وقالت شمم بيرام مديرة الحقوق والترجمة في دار الكتب العلمية بالعراق: «بتقديري قبل الحديث عن المؤسسات والنشر، لابد من التركيز على الوعي وتوعية القارئ بأهمية النشر الرقمي، وحتى اللحظة نعاني موضوع التوعية حول النشر الورقي، ومن أهم التحديات التي تواجهنا، موضوع الحصول على نسخة إلكترونية من الكتاب الورقي، وهذه النسخة تصل إلى مختلف المواقع الإلكترونية، وبالتالي يحصل القارئ على هذه النسخة مجاناً، وبدون عناء دفع مبلغ لقاء الحصول على نسخة ورقية، حتى إنه تمكن طباعة المحتوى الإلكتروني أو الحصول على نسخة ورقية بسعر رخيص، وهذا ينعكس سلباً على دور النشر التي توظف كل إمكانياتها لتوفير محتوى ورقي وإلكتروني مدفوع. أيضاً هناك تحدٍ يتعلق بالكتب الصوتية التي يجري تداولها على نطاق واسع، وأظن أنه إذا وجدت قوانين لحفظ حقوق دور النشر، وأقصد قوانين دولية، فإن ذلك من شأنه أن يطور من مسيرة النشر الإلكتروني».
الحقيقة أننا بحاجة إلى إيجاد محتوى مختلف، وأقصد فيديوهات قصيرة تحوي مجموعة من المعلومات في مجالات معينة مثل «الكرتون» موجهة للناشئة، وعن طريقها يمكن جمع نفس المحتوى الموجود في مجموعة من الكتب، وإنشاء موسوعة خاصة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الأخرى، لكن تحتاج إلى تكاليف كبيرة، ولذلك فإنها بحاجة إلى دعم حقيقي من مؤسسات، وعلى دور النشر التركيز على التعاون مع شركات الترويج الإعلامي والإعلاني في مواقع التواصل الاجتماعي لجهة نشر المحتوى الإلكتروني؛ لأنه بذلك يمكنه الوصول إلى شريحة القراء الذين يتفاعلون مع التكنولوجيا، ويفضلون الكتب الإلكترونية على الورقية بالأدوات الحديثة التي يستخدمونها.
وقال علي عبد المنعم محمد، من شركة ستوري تيل للنشر الصوتي: «حالياً نعيش في العصر الرقمي، وهناك متطلبات لتعزيز ثقافة القراءة تستوجب ربطها بالنشر الإلكتروني، حيث قالوا عن القراءة قديماً إنها فن اليقظة إلى الكلمات. والقراءة الإلكترونية مختلفة من حيث قراءة أي محتوى عبر وسيط غير مطبوع، ومن ثم علينا الفصل بين اعتبار النشر مهنة وصناعة، حيث إنها صناعة كبيرة جداً، وتشهد تحولات كبيرة في بناها. وبخصوص أطراف صناعة النشر، يمكن استعراضهم في الآتي: القراء والمؤلفون، والناشرون والحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، ولو حصرنا أهم المشكلات التي تقابلهم، سنجد أن أسعار الكتب غالية وغير متوفرة بشكل كبير بالنسبة للقراء. وأما المؤلفون، فإن علاقتهم بالناشرين مرتبطة بكون الأخيرين يحتاطون في التعامل مع مؤلفين غير مشهورين، وبالنسبة لمجتمعاتنا العربية هناك ضعف في مسألة احترام المؤلف. والناشرون لديهم مشكلة في الرقابة وحماية حقوق الملكية الفكرية والتوزيع، وأما الحكومات ومنظمات المجتمع المدني فلا توجد لديها بيانات وأدوات قياس حول كمية الكتب التي تصدر ونوعيتها، وعدد القراء، ثم هناك صعوبة في تمويلات دعم النشر الإلكتروني.
وعليه أعتقد أن واحداً من الحلول يتصل بتوفير منتجات وبرامج حديثة، تحتاج إلى مهارات عالية على أن تكون متاحة بوفرة أمام أطراف صناعة النشر، مع الحاجة إلى توفير برامج تدريب وتوعية لاستخدام تلك البرامج. وعلينا البحث عن نماذج أعمال جديدة وخدمات مبتكرة، وهذا يحتاج إلى تدريب وتأهيل الأطراف المرتبطة بصناعة النشر الإلكتروني».

صناعة النشر

وقال صلاح شبارو، مدير نيل وفرات كوم لبنان: «إذا أردنا الحديث عن عنوان الندوة حول صناعة النشر، لعلي أخالف أحد
الزملاء الذين دعوا إلى تغيير العنوان إلى المحتوى الرقمي، وفي ظني أن العنوان الأنسب هو صناعة النشر الإلكتروني.
أما بخصوص الطريقة التقليدية لبيع الكتاب الورقي، فإنها تأخذ مسار المؤلف والناشر ثم الموزع فالبائع، غير أنها في الكتاب الإلكتروني مختلفة واختصرت من المؤلف إلى البائع، أو من الناشر إلى البائع، وبالتالي فإن حركة الإنتاج أصبحت مختصرة، حتى إن سعر الكتاب الإلكتروني أقل من الورقي ارتباطاً بالطباعة والتكاليف، لكن لا يمكن القول إن الكتاب الإلكتروني ألغى الورقي، بدليل أن الأخير موجود وحاضر بقوة، والسوق عموماً ينقسم إلى حوالي 60% للكتب الورقية، و30% للكتب الإلكترونية، و10% للكتب الصوتية، ثم إننا نبيع كثيراً من الكتب الورقية مقابل القليل من الكتب الإلكترونية. ويمكنني القول هنا، إن الكتاب الورقي ما يزال هو الملك، وبالنسبة للمشكلات التي نعانيها بخصوص الكتاب الإلكتروني، فإننا بحاجة إلى وجود جهة تدعم التحول من المحتوى الورقي إلى الإلكتروني؛ لأننا بدون دعم قد نتحول إلى المحتوى الإلكتروني بعد 10 أعوام أو أكثر، ثم تنقصنا المقاييس الصحيحة لإتاحة المجال لإنتاج محتوى إلكتروني مميز. وبخصوص القرصنة شكّلنا مجموعة لتفاديها، وهناك حوالي 90% من الكتب حميناها من القرصنة بطرق تقنية وليست قانونية، عبر حجبها ومنعها من مواقع كثيرة، وإذا سلكنا الطرق القانونية فإنها ستأخذ سنوات طويلة». أيضاً يمكن القول إن الكتاب الإلكتروني يتخطى جميع أنواع الرقابة الموجودة في الوطن العربي، وأظن أنه من المهم وجود قوانين لحماية المجتمعات وضبط الكتب الإلكترونية، كما أننا بحاجة إلى قوانين تحمينا من الشركات العملاقة. وأظن أنه من المهم التركيز على الألعاب التعليمية؛ لأنها أقرب إلى الكتاب ولكونها مادة تعليمية بطريقة غير مملة.
وبالنسبة لطبيعة العلاقة بين مختلف أطراف صناعة النشر، للأسف دعوني أقول إنها تفتقد إلى الثقة والمصداقية، ونلحظ كثيراً تبادلاً للتهم بين المؤلف والناشر والموزِّع، وتنقصنا في الوطن العربي شركة توزيع، سواء أكانت ورقية أو إلكترونية، وأجد أن هناك مشكلة بخصوص وجود مؤلفين جيدين، ذلك أن التحدي لا يكمن في الترجمة، وإنما في وجود مؤلفين مبتكرين ومميزين، وعليه أطرح سؤالاً: ماذا يريد العرب من القراءة؟
وقال شريف إسماعيل بكر، مدير «العربي للنشر والتوزيع» مصر: «بعد التمحيص للاطلاع على واقع النشر، لاحظنا في مصر على سبيل المثال وبعد تأكيد عينة عشوائية من الشباب، أنهم لا يرغبون في القراءة، وجزء منهم يمكن أن يتجه إلى الكتاب الصوتي على اعتبار أنه لا يحتاج إلى مجهود، وفي الحديث عن العلاقة بين الكتاب الورقي والإلكتروني، يمكن القول إن هناك كتباً ورقية جاءت من خلفية إلكترونية؛ أي جرى تجميعها من تويتات أو ملاحظات على وسائل التواصل الاجتماعي، وحُولت إلى كتب مطبوعة، ولذلك لم تعد العلاقة في اتجاه واحد بين النشر الورقي والإلكتروني، وكلاهما يستفيد من الآخر. ونحن كناشرين علينا أن نُغيّر من فكرنا التقليدي في المحتوى الورقي والإلكتروني، ولابد أن نبتكر أفكاراً قد تجذب الجيل الجديد إلى القراءة.
وأتفق مع القائلين بخطورة القرصنة الإلكترونية، لكن الحديث عن القرصنة قد يعني أن هناك قراء إلكترونيين، وينبغي علينا أن نُطوّر أدواتنا وشكل الكتاب بطريقة تستحوذ الاهتمام على شرائح القراء. وبخصوص موضوع الرقابة على الإنترنت، أعتقد أنه من الصعب فعل ذلك، لكن يمكن استخدام المنع والحجب. في تقديري أنه لابد أن يحصل نوع من الدمج بين التكنولوجيا والنشر، مع التوعية بكل ما هو جديد على صعيد المحتوى الإلكتروني، وتجنب التكرار والبحث في محتوى مبتكر، مع أولوية تدريب الناشرين حول النشر الإلكتروني، ودعوة الشركات الدولية إلى الاستثمار في صناعة النشر الإلكتروني العربي.

تواصل الناشرين

وأكد بكر محمد رمضان، صاحب دار نشر الشامل فلسطين، أن هناك فوضى في صناعة النشر الإلكتروني بالوطن العربي، والأمر يعود إلى عدم تواصل الناشرين والتنسيق بينهم، مع إدراك أنه لا توجد عناصر لإنتاج الكتاب الإلكتروني، سوى أنه كتاب ورقي تحوّل إلى صيغ معينة، ونشر على المواقع الإلكترونية. لكنْ هناك فرق بين شراء الكتاب والحصول عليه مجاناً، وأقصد هنا شراءه من الدول الغربية، حيث لاحظنا في الكتب التي اشتريناها، أن الأسطر متباعدة في النسخ المدفوعة، إلى جانب أن شكل الكتاب وتصميمه مختلف، والمواد المساعدة مختلفة أيضاً، وعليه أقول إنه لا توجد صناعة للنشر الإلكتروني في الوطن العربي كما هو الحال في الغرب، الذي لديه صناعة نشر إلكترونية قوية، وبالتالي من المهم تطوير الكتاب الورقي إلى إلكتروني، وتنويع المحتوى من أكاديمي إلى ثقافي واقتصادي واجتماعي.. 

ولذلك من المهم وضع دراسة حول التشريعات والتباينات على مستوى الأقطار العربية، وأيضاً من المهم التواصل بين الناشرين العرب لتمكين وتطوير المحتوى الإلكتروني، تحت مظلة اتحاد الناشرين العرب.
وقال محمد بن دخين المطروشي، مؤسس دار التخيل للنشر والإعلام الإبداعي: «أرجو تعميم الرؤية المستقبلية لتطوير صناعة النشر التي وضعتها جمعية الناشرين الإماراتيين على المستوى العربي، حيث تطرح عبر اتحاد الناشرين العرب، وهي رؤية مدروسة وقائمة على أساس علمي، وبدأت تؤتى ثمارها في الإمارات، ولدينا الفرصة بأن تكون هذه الرؤية عربية. وأجزم أن النشر كان موجوداً من أيام المسلات المصرية، وتعاليم حمورابي تعتبر في زمننا الحالي بمثابة الكتاب المطبوع، لكن النشر الإلكتروني خلق قواعد جديدة للناشرين، وعلينا إما مواكبتها أو الغرق في هذا السيل الكبير. وعلى سبيل المثال «أمازون» تسيطر على 71% من صناعة النشر الإلكتروني، و«آي بووك» تسيطر على 14%، و«جوجل» تسيطر على 2% فقط من هذه الصناعة.
وحاولت حقيقة التعرف إلى رحلة الناشر الإلكتروني، حيث إن صناعة النشر العربي مع الأسف لم تواكب هذا التطور، وهذا يدعو إلى توحيد الجهود لتطوير هذه الصناعة، وعلى الناشر أن يمتلك رؤية 360 درجة، بحيث يواكب ما يحدث في هذه الصناعة، وفي رحلتي للنشر مع «أمازون» وجدت أن لديها شروطاً معقدة وأنها تطلب نسبة أرباح بحوالي 55%، حيث إنك لا تتعامل مع ناشر حقيقي؛ بل تفتح حساباً في الموقع وتُحمّل كتاباً، ثم يظهر لك مساعد متفاعل افتراضي، وهو شخص إلكتروني يشرح لك ماذا تريد أن تفعل، ويساعدك في تصميم الكتاب وإعطاء قوالب، ويُدخلك إلى مكتبة تحوي لوحات ورسومات وصوراً عالية الجودة بأسعار رخيصة جداً، وبعدها يمكنك استئجار مراجعين لغويين للتدقيق في الكتاب، أو مترجمين ومحررين، وبعد ذلك يعطيك الخيارات في حال أردت نشر الكتاب إلكترونياً أم طباعته، ويعطيك أمثلة لكتب جرى نشرها، حتى إنه يتدخل في نوعية الورق من حيث أيها الأفضل في عملية الشحن. وإذا كنت مجتهداً يمكن في غضون ثلاثة أيام، إلى أسبوع، توزيع كتابك في السوق، وأعتقد أننا بحاجة إلى وقفة جادة مع أنفسنا لمواجهة التحديات التي تعيق مسيرة صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي، وعمل شراكات والاطلاع على تجارب الدول الغربية في هذه الصناعة، وبالتالي من المهم إيجاد رؤية موحدة لجميع الجهات المعنية، لتصبح الإمارات مركزاً للنشر العربي، والدليل وجود أول مدينة للنشر في الشارقة، وتطوير الإطار القانوني لقطاع النشر، وتعزيز التنوع وجودة المحتوى العربي، وتطوير مواد تعليم وتعلّم اللغة العربية بجودة عالية، والتشجيع على القراءة، وتحسين التوزيع وتجارة التجزئة، وتحويل المكتبات إلى بيئة إيجابية، وبناء عوامل النهضة الوطنية وحوار الثقافات، وتطوير مهارات الصناعة الإبداعية ورعاية المواهب الفنية. وفي تقديري آن الأوان للاتجاه نحو دعم الاندماج المهني بين الناشرين، وتطوير مسألة النشر المشترك».

أسماء المشاركين بالندوة

أسماء الزرعوني: كاتبة وروائية.
بكر محمد رمضان: صاحب دار نشر الشامل فلسطين.
حبيب الصايغ: الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس تحرير صحيفة «الخليج» المسؤول.
شريف إسماعيل بكر: مدير العربي للنشر والتوزيع مصر.
شمم بيرام: مديرة الحقوق والترجمة في دار الكتب العلمية العراق.
صلاح شبارو: مدير نيل وفرات.كوم لبنان.
طلال سالم: مؤسس دار جميرا للنشر والتوزيع الإمارات.
علي عبد المنعم محمد: شركة ستوري تيل للنشر الصوتي.
فجر قاسم علي: مدينة الشارقة للإعلام.
محمد شعيب الحمادي: عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات.
محمد عبد الله نور الدين: مدير عام نبطي للنشر.
محمد بن دخين المطروشي: مؤسس دار التخيل للنشر والإعلام الإبداعي.
هيثم حافظ: مدير عام دار الحافظ ورئيس اتحاد الناشرين السوريين.

توصيات الندوة

أوصت ندوة «الخليج» التي نظمها مركز الدراسات حول صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي، وطبيعة أطرافها وسبل تطويرها، بما يلي:
إيجاد ميثاق شرف أخلاقي يُنظّم العلاقة بين أطراف صناعة النشر الإلكتروني في الوطن العربي.
صياغة قوانين تضبط وتُطور النشر الإلكتروني ومحتواه في الوطن العربي.
ربط تطور النشر الإلكتروني بوجود بنية تحتية تكنولوجية قوية، توفر الإنترنت طوال الوقت.
نشر الوعي بالمحتوى الإلكتروني في الوسائط التكنولوجية الحديثة.
ابتكار عناصر تنتج النشر الإلكتروني وتجنب تحويل المحتوى التقليدي إلى إلكتروني.
ربط المحتوى الرقمي بترسيخ ثقافة القراءة الشاملة.
مقاييس صحيحة لتمكين قطاع النشر الإلكتروني.
إيجاد مظلة تدعم وتُطور قطاع النشر الإلكتروني في الوطن العربي.
التواصل بين الناشرين لتطوير قطاع النشر الإلكتروني.
الاستفادة من التجارب العالمية المتخصصة في النشر الإلكتروني.
دعوة اتحاد الناشرين العرب إلى إنشاء مشروع قانون استرشادي للنشر الإلكتروني، تطّلع عليه اتحادات النشر القُطرية على مستوى الوطن العربي، للاستفادة منه في الارتقاء بصناعة النشر الإلكتروني.
توفير محتوى إلكتروني بمبالغ مادية تطوره وتحافظ على ديمومته.
عمل شراكات على صعيد المؤلفين والناشرين والمخرجين والمنفذين لتنمية صناعة النشر الإلكتروني.
إيجاد مؤلفين جيدين لتوسيع حضور المحتوى الرقمي في سوق الوطن العربي.
إيجاد قوانين لحفظ حقوق دور النشر والمؤلفين وضمان عدم قرصنتها.
تحديد رؤية مشتركة للجهات المعنية لتطوير صناعة النشر.
تعزيز تنوع وجودة المحتوى العربي وتطوير مواد تعليم وتعلّم اللغة العربية بجودة عالية.
تحسين التوزيع وتجارة التجزئة وتطوير مهارات الصناعات الإبداعية ورعاية المواهب الفنية.
إيجاد خطوات لدعم الاندماج المهني بين الناشرين ودعم النشر المشترك الإلكتروني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"