عادي
أليسيا فيكندر تكسب ودّ الجمهور وتتفوق على أنجلينا جولي

«لارا كروفت».. رؤية جديدة «تؤنسن» اللعبة القديمة

04:53 صباحا
قراءة 5 دقائق
مارلين سلوم

يجازف كثيراً المخرج النرويجي رور يوثوغ، وشركتا الإنتاج ورنر بروس، ومترو جولدن ماير (إم جي إم)، بالرهان على تقديم نسخة جديدة من لعبة الفيديو الشهيرة «لارا كروفت»، وتقديم صورة مختلفة عن البطلة سواء بشكلها أو تركيبتها. كذلك ليس من السهل أن تقنع الجمهور ببطلة أخرى تحل مكان أنجلينا جولي، التي التصق اسم لارا كروفت بها، فصارت رمزاً لها. لكن المغامرة السينمائية نجحت، والنسخة الجديدة من «تومب ريدر» في الصالات حالياً، تستحق المشاهدة لأسباب عدة.
منذ المشاهد الأولى، تدرك أنك أمام فيلم أراد صناعه أن يجددوا فيه الدماء، وأن ينتقلوا بالبطلة لارا كروفت، من مرحلة الإغراء والقتال والعنف، إلى مرحلة «الأنسنة» والتعامل مع الشخصية باعتبارها فتاة ما زالت تنعم بالبراءة، وبشيء من الطفولة في تصرفاتها، وهي جميلة تشبه الكثير من بنات جيلها، بلا ملامح أو نظرات وحركات «إيحائية»، الهدف منها إغراء الجمهور وخصوصاً الشباب، كما بدت أنجلينا جولي في الجزأين الماضيين «تومب ريدر» عام 2001، و«مهد الحياة» عام 2003.
في العام 2018، تأتي لارا كروفت ظريفة محببة، وتنجح النجمة الشابة أليسيا فيكندر في تجسيدها وكسب ود الجمهور، بابتسامتها وملامحها وأدائها المقنع. تمنحها الكثير من روحها، لاسيما أن الجزء الأول من الفيلم يختلف كثيراً عما شاهدناه سابقاً، فهو أكثر إنسانية وأقل اعتماداً على الخيال العلمي، مع احتفاظه بجرعات عالية من الحركة والأكشن.
لارا البطلة الأكثر قرباً من الواقع، هي فتاة ظريفة ذكية قوية. لاعبة «كيك بوكسنج»، تعمل في توصيل الوجبات والطلبات، تتراكم عليها الديون منذ أن تركها والدها ريتشارد كروفت (دومينيك ويست)، بحثاً عن حل لغز الأسطورة اليابانية حول «ملكة الموت» هيميكو، والتي يقال إنها مدفونة حية في جزيرة بين هونج كونج وكاليفورنيا.
ريتشارد الملياردير الذي يمتلك «امبراطورية» من الشركات، يترك كل شيء للحاق بالأسطورة، وهذه المرة يطول غيابه سبعة أعوام، ما يدفع بالمحامي ومساعدة والدها أنّا ميلر (كريستن سكوت توماس)، إلى محاولة إقناع لارا بتوقيع أوراق الميراث، كاعتراف منها بوفاة أبيها، ما يساعدهم في استكمال إدارة الشركات من جهة، ويخرج الفتاة من أزمتها المادية، لكن لارا تصر على الرفض، كي لا تقطع الأمل باحتمال عودة والدها.
تشارك في لعبة مشهورة تجريها مجموعات تراهن فيها على الإمساك «بالثعلب»، في سباق للدراجات وسط شوارع المدينة المزدحمة.
ترضى لارا أن تكون «الثعلب» لتحل أزمتها المالية، وهنا يقدم المخرج يوثوج مشاهد حيوية جميلة فيها لمسة كوميدية، وتبدو فيها أليسيا بكامل لياقتها البدنية، لكن السباق ينتهي باصطدام لارا بسيارة، وتنتهي في قسم الشرطة.
هذه الحادثة هي المدخل لوصول الفتاة إلى شركة أبيها، من أجل التوقيع على الأوراق. ويبدو أن المخرج يحب الأحجيات، فقد عمل على تقديم الفيلم بمنطق الأحجية، إذ كلما تقدمت البطلة خطوة، فتح أمامها باباً جديداً لتتسع دائرة الشكوك والألغاز.
وما إن تهم لارا بتوقيع الأوراق، حتى تكتشف مفتاحاً يقودها إلى حل سر من أسرار أبيها. ولأنها لم توقع بعد، فالقصة تأخذ مجرى مختلفاً، تقرر على إثره الفتاة أن تمشي على خطى أبيها علها تجده.
كلنا يعلم جيداً، أن إعمال العقل في هذه النوعية من الأفلام غير مطلوب، وما على المشاهد إلا التخلي عن المنطق والتحليل، والاستسلام للعبة التشويق السينمائي. ولكثرة أفلام المغامرات والخيال العلمي والقتال، طبيعي أن ترى مشاهد مكررة واقتباسات من هنا وهناك. ففي «تومب ريدر»، تجد لارا كروفت في مرحلة القتال الحامية على الجزيرة، تحمل قوساً وعلى ظهرها سهام أخذتها من مغارة وجدت أبيها فيها. لارا في هذه المرحلة هي كايتنس أفردين بطلة «هانغر غايمز» التي أدتها جنيفر لورنس.
مع قرار لارا الذهاب إلى هونج كونج لمعرفة مصير والدها، ننتقل إلى مرحلة مختلفة من الفيلم، حيث يبدأ الأكشن، وتكبر المغامرات وتتحول الفتاة تدريجياً من سائقة دراجة ومتدربة «كيك بوكسنج»، إلى مقاتلة حقيقية. هنا أيضاً يحرص صناع العمل على إضافة لمسة إنسانية لشخصية البطلة، حيث تتعامل مع مهاجميها بمنطق الدفاع عن النفس فقط، وعند اضطرارها إلى قتل أحدهم، تدخل في نوبة بكاء ورعب ظاهر. لكن كلما زادت الأمور تعقيداً، بوجود عدو أبيها ماتياس فوغل (والتن غوغنز)، الذي سخر مجموعة من اليابانيين للعمل لديه، من أجل البحث عن ضريح هيميكو، كلما زادت لارا قوة وعزيمة على الانتقال من مرحلة الدفاع عن النفس إلى المواجهة، من أجل تحرير أبيها واليابانيين من جهة، ومن أجل منع فوغل من الوصول إلى هيميكو التي تقول الأسطورة إنها إذا رأت النور، ستخرج لعنتها إلى العالم.
رور يوثوغ دقيق في إبراز التفاصيل للإيحاء بطبيعة المكان، وبث حالة من الرعب الخفيف في نفوس المشاهدين. مثل الطائرة الصدئة العالقة في الجزيرة، والتي توحي لنا بأن الداخل إلى هذا المكان لا يخرج منه أبداً. كما يعتمد على الإضاءة كثيراً، خصوصاً في مشهد تقاذف الأمواج العاتية والعاصفة القوية والسفينة التي أبحرت على متنها لارا مع لو رن (دانيال وو)، ابن البحار الذي رافق والدها إلى الجزيرة. بارع يوثوغ مخرج «ذا وايف»، أو «الموجة» في تقديم مشهد غرق السفينة.
مرحلة القتال شبيهة بكل أفلام الأكشن، ولارا كروفت هي الفتاة الوحيدة وسط مجموعة كبيرة من الرجال، تقاتل وتقود وتدافع، بل هي «الأذكى» والأقدر على حل كل الألغاز، وهي مبالغة غير منطقية، خصوصاً حين تنفرد بحل كل الرموز، بينما والدها بجانبها يتأملها بانبهار وبصمت، والمفروض أنه هو الباحث والعالم والمتتبع للأسطورة وما فيها منذ سنوات طويلة.
النهاية بلا شك تفتح باباً جديداً لجزء آخر من الفيلم، وستكون المواجهة فيه بين بطلتين رئيسيتين هما لارا (فيكندر) وأنّا (كريستن سكوت توماس). ولا شك أن «تومب ريدر»، هو فيلم أليسيا فيكندر، التي عرفت كيف تشد الجمهور إليها، كما عرف يوثوغ كيف يجعلها بسيطة ومحببة، تخسر في بداية الفيلم في لعبة الكيك بوكسنج، لتفوز في المعركة الحقيقية من أجل الدفاع عن أبيها وعن المظلومين، وعرف المخرج أيضاً كيف يجعل العمل يصلح للمشاهدة العائلية بامتياز.

قوة المرأة و«عضلاتها» على الشاشة

يبدو أن السينما الأجنبية تميل أكثر إلى إظهار قوة المرأة على الشاشة، وتراهن على «عضلات» النجمات في القتال الشرس، فإلى جانب لارا كروفت، هناك المرأة الخارقة والأرملة السوداء وكايتنس أفردين في «هانغر غايمز» وراي في «حرب النجوم» وبيلا سوان في «توايلايت» وغيرهن.. والمؤكد أن الأفلام الرومانسية تزداد تراجعاً، ليتقدم الخيال العلمي والذي هو الآخر أصبح مقروناً بالعنف أكثر فأكثر، خصوصاً في أفلام الشباب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"