عادي
قارة غنية بالآداب والحكايات والأساطير

كتّاب إماراتيون: الهند في قلب الذاكرة الثقافية للإمارات

05:09 صباحا
قراءة 5 دقائق

الشارقة - «الخليج الثقافي»:

أكدت مجموعة من المثقفين الإماراتيين تميز وعمق العلاقات الثقافية بين الإمارات والهند، والتي تعود إلى عقود بعيدة، مستندين في ذلك على التاريخ الطويل الذي ربط الهند بالإمارات عبر خطوط الملاحة التجارية، حيث انعكس الاحتكاك التجاري بين البلدين على مختلف أشكال الفعل الثقافي، وكانت له تجليات في الشعر، والترجمة، وفنون السينما، إضافة إلى مختلف أشكال التبادل الثقافي بين الكتّاب والتشكيليين الإماراتيين والهنود.

يقول مدير معرض الشارقة الدولي للكتاب أحمد بن ركاض العامري: «إن العلاقات الهندية الإماراتية تاريخية، تمتد إلى مئات السنين، وتعود في جذورها إلى العلاقات التجارية التي كانت ترتبط فيها المنطقة بأكملها، وما كل ما يجري اليوم من حالة نشاط ثقافي بين البلدين إلا امتداد لهذا التاريخ الطويل».

ويؤكد أن تلك العلاقات فاعلة بصورة واضحة، وتتجلى في العديد من الفعاليات والأنشطة القائمة في الدولة، فلا يمكن لزائر لمعرض الشارقة الدولي للكتاب إلا التوقف عند حجم التواجد الهندي فيه، إذ تعد المشاركة الهندية في المعرض أكبر مشاركة لها على مستوى العالم، فتبلغ عدد دور النشر المشاركة أكثر من مئة دار نشر سنوياً.
ويلفت العامري إلى أن إدارة معرض الشارقة للكتاب تحرص كثيراً لدى إعدادها للفعاليات الثقافية الدولية أن تكون الهند من الدول المشاركة، فخلال معرض الشارقة في العام الماضي نظمنا أكثر من عشر فعاليات ضخمة للكتاب والمفكرين والفنانين الهنود، والأمر ذاته سيظهر في الدورة المقبلة للمعرض، حيث تخصص الدورة الجديدة عدداً من الفعاليات لكبار الكتاب والمثقفين الهنود.
ويبين الشاعر أحمد المطروشي أن العلاقات الثقافية الإماراتية الهندية، واسعة ومتعددة وتظهر على أكثر من صعيد، منها الترجمة، والشعر، والرواية، وصولاً إلى ورش الكتاب والمتخصصين الذين يحضرون في استضافات المؤسسات الثقافية الهندية للمثقفين الإماراتيين، والعكس صحيح.

ويعتبر المطروشي أن تاريخ الهند شكّل حالة خصبة جذبت المثقف الإماراتي، فالهند ظلت حاضرة في الذاكرة الإماراتية بوصفها شبه القارة الغنية بمختلف أشكال الديانات، والآداب، والأساطير، وظل تاريخها شاهداً على الكثير من الحروب، والصراعات، إضافة إلى التحولات التي مرت عليها، سواء إسلامية، أو مغولية، أو أوروبية.

ويؤكد المطروشي أن ذلك كله جعل من الهند مركز جذب حضاري للمثقف الإماراتي، وجعله على احتكاك مباشر ومتواصل مع مختلف متغيرات الحالة الثقافية الهندية، سواء من خلال العلاقات المباشرة، أو وسائل التواصل الجماهيري، أو حتى الملتقيات والمعارض الدولية القائمة بين البلدين، وهذا لا يعود إلى العشر سنوات الأخيرة وحسب، وإنما تشكل منذ عشرينات القرن الماضي حين كانت الهند المتنفس السياحي والحضاري الأول الذي يقصده الإماراتيون.

ويوضح المطروشي أن التجارة هي المنفذ الأقوى والأقرب على نقل الثقافات بين الشعوب والبلدان، فإن كانت الإمارات وجدت في الهند سوقاً لبيع اللؤلؤ واستيراد الملابس، فإن انتقال الثقافة والمعرفة بدأ منذ تلك المرحلة، وما كل ما يحدث اليوم من غنى ونشاط في العلاقة بين البلدين إلا تعبير عن تلك الحالة الأولى.
ويشير المخرج والممثل حبيب غلوم إلى أن العلاقة الثقافية التي ربطت الهند بالإمارات لا يمكن قراءتها بالصورة العامة المنفصلة عن البعد التاريخي والاجتماعي الذي عرفه البلدان، فبعيداً عن العلاقة الأولى التي تشكلت بفعل التجارة، يشهد جيل الفنانين الإماراتيين من الستينيات والسبعينات أنهم تربوا على السينما الهندية، وأنها شكلت أول منافذ وعيهم في الفنون البصرية خصوصاً وأن السينما الهندية غنية وخصبة بصورة واضحة وكبيرة، وتستند على التفاعل والحركة والتنامي.
ويلفت غلوم إلى أن ذلك انعكس بصورة أو بأخرى على الحالة الفنية الإماراتية سواء في بناء العمل المسرحي أو التلفزيوني لاحقاً، إذ استفاد الممثلون والمخرجون من بعض الفنون المعروفة في التجربة الهندية، فكان النتاج مزيجاً بين التيارات العربية التي نهلت منها التجربة المسرحية والفنية الإماراتية وبين بعض فنون العمل السينمائي الهندي.
ويبين غلوم أن أكثر ما يمكن تلمس أثره في الفنون الإماراتية هو الاعتماد على وسائل وتقنيات الهنود في إنتاج العمل الفني، إذ قطعت الهند شوطاً طويلاً في هذا الجانب وتعد الآن واحدة من الدول الرائدة في فنون وتقنيات الحاسب الآلي.

ويذهب الفنان عبد الرحيم سالم إلى الحديث عن عمق العلاقات الهندية الإماراتية على صعيد الفنون التشكيلية، فيقول: «مثلت التجربة الهندية التشكيلية حالة خصبة للفنانين الإماراتيين، وارتبط بعض الفنانين الإماراتيين بعلاقة شراكة مع بعض الفنانين الهنود، مثل تجربة كل من الفنان محمد كاظم، وحسن شريف، وغيرهم من الفنانين الإماراتيين».

ويضيف: «إن العائد إلى التجربة التشكيلية الهندية يجد فيها من الغنى الكمي والنوعي ما لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، وهذا ما جذب الفنان الإماراتي، ولم يكن ذلك على الصعيد الفردي للفنانين، وإنما على صعيد الحركة التشكيلية الرسمية والأهلية أيضاً، فالكثير من الملتقيات سواء في الهند أو الإمارات تجمع بين فناني البلدين».

الكاتبة أسماء الزرعوني تقول: «إن العلاقات الثقافية بين الإمارات والهند متينة جداً، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التبادل الفكري الحاصل بين الدولتين، حيث يحضر الكتاب الهندي في معرضي الشارقة وأبوظبي بقوة، كما أن المثقفين في الهند يحرصون بشكل دائم على التواصل والتفاعل مع المثقف الإماراتي في كل النواحي، ولايقتصر هذا التفاعل على الجانب الهندي، فقد قدمت دولة الإمارات ممثلة بمؤسساتها الثقافية الكثير من المبادرات التي تؤكد هذه الأواصر، وخاصة في مجال الترجمة واحتضان الندوات الفكرية»، وأضافت أن الآداب الهندية هي بين الأكثر غزارة في آداب العالم لكثرة تنوعها واللغات التي كتبت بها ولعمرها الذي يزيد على أربعة آلاف سنة، وقد غابت هذه الآداب عنا لمدة طويلة بسبب توجه الترجمة سابقاً إلى الأدب الغربي، ولكنه وفي الوقت الحالي تعود آداب الشرق إلى الواجهة، ونأمل أن يتطور هذا الحراك ليصبح أشمل وأوسع وأكثر استمرارية وثباتا.

وأشارت الشاعرة جميلة الرويحي إلى أن العلاقات بين الإمارات والهند ضاربة في القدم، وقد استمرت لقرون طويلة من خلال التبادل التجاري الذي فرض ضرورة التواصل الحضاري والثقافي، وتم ذلك بشكل أساسي عبر حركة الترجمة التي تعد أساس التواصل، وفي الوقت الحالي يمكن تلمس هذا التبادل الثقافي، من خلال أنشطة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات والتي تستضيف الكثير من الشعراء والأدباء في الهند بغية الاطلاع على تجاربهم ونقلها، كما يعد الدكتور شهاب غانم من أبرز الأسماء التي فتحت لنا الأبواب الساحرة لأدب الهند وبخاصة الشعر، فإسهاماته في هذا المجال لاتعد، وخير دليل على ذلك تسلمه لجائزة طاغور العالمية، كما أطلق عليه المثقفون الهنود لقب «سفير الثقافة الهندية في الوطن العربي»، وذلك تقديراً منهم له على اهتمامه بترجمة الأدب الهندي إلى العربية.

وأكدت الكاتبة صالحة غابش، أنه من خلال مشاركتها في مهرجان الثقافة العربي الهندي في مدينة كيرلا، اطلعت على جانب بالغ الأهمية في الثقافة الهندية، ودهشت لشدة الترحاب الذي حظي به المثقفون العرب خلال المهرجان، إضافة إلى شغفهم بالأدب العربي، حيث ينكب الكثير من الطلاب على دراسة اللغة العربية

الباحث محمد نور الدين قال: «الأدب العربي والهندي، ينضويان من حيث السمات تحت ثقافة الشرق بشكل عام، حيث تتلمس فيهما المشاعر والأحاسيس الروحية بشكل كبير مقارنة بالأدب الغربي، وهذا الترابط طبيعي ، فالعلاقات بين الطرفين عمرها مئات السنين، ويمكن ملاحظة التأثير الثقافي في كثير من الأمور كاللغة وغيرها، بالإضافة إلى تواجد الإسلام في الهند من وقت طويل، الأمر الذي أضفى بعداً ثقافياً آخر من حيث التشارك في التقاليد والعادات، ومما لاشك فيه أن اهتمام المسلمين انصب على ترجمة القرآن الكريم وتفسيره إلى اللغات الهندية، فكانت أول بذور التقارب الحضاري بشكل عميق، واليوم فإن التواصل بين الإمارات والهند يحظى باهتمام ملحوظ، وهناك مجال لأن يتوسع هذا التبادل من خلال الفضاء الإلكتروني المفتوح، وتسويق الثقافة في البلدين عبر النشاطات المختلفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"