عادي

الطموح الخليجي في جزيرة «الفانيلا» (مدغشقر)

02:35 صباحا
قراءة 5 دقائق
أمينة العريمي *

تنبع أهمية مدغشقر أو ملاجاش أو جزيرة «الفانيلا» كونها مصدر أحد أثمن التوابل في العالم زراعة الفانيلا وعضو في رابطة دول المحيط الهندي للتعاون الإقليمي، وعضو في منظمات الكوميسا والساداك ومنظمة التجارة العالمية والأونكتاد وأحد الاقتصادات الناشئة في إفريقيا، بالإضافة إلى سعيها لإقامة ممر ملاحي من نهر النيل إلى مدغشقر ما يمهد لانتقالها إلى العالمية، فهي ميناء رئيسي لدول شرق إفريقيا كونها رابع أكبر جزيرة في العالم بموقعها الاستراتيجي على المحيط الهندي، ووضعتها الوكالة الأمريكية لمعلومات الطاقة في قائمة دول إنتاج البترول المستقبلية في إفريقيا ويقدر الاحتياطي فيها بنحو 1.7 مليار برميل.
تشهد جزيرة الفانيلا اليوم تنافساً دولياً لا تخطئه العين، فالولايات المتحدة رفعت كل القيود عن المساعدات المباشرة لمدغشقر، كما قامت بتوجيه دعوة لرئيس مدغشقر لحضور قمة الولايات المتحدة إفريقيا، وقدمت واشنطن لأنتاناناريفو برامج للأمن الغذائي والصحة، وتعهد البنك الدولي بتقديم الدعم المالي لمدغشقر بقيمة 400 مليون دولار، أما فرنسا فقامت شركة النفط الفرنسية (توتال) بشراء حصة تبلغ 60% في حقل بيمولانجا من «شركة مدغشقر أويل» النفطية وتمكنت من امتلاك الترخيص الخاص بالحقل، وقدمت منحة قيمتها 3.8 مليون يورو لمدغشقر لضمان الاستثمار والخروج من الأزمة الاقتصادية، ومن جانب آخر نرى أن الصين كونها أكبر شريك تجاري لإفريقيا، قد قامت مؤخراً بتأسيس معهد كونفوشيوس بجامعة أنتاناناريفو لتأهيل الطلبة المدغشقريين لدراسة اللغة الصينية وقامت بتنظيم جائزة أطلق عليها جائزة الإسهام البارز في نشر ثقافة الصين لعام 2015.
من جانب آخر انعقدت القمة الآسيوية الإفريقية الأخيرة في جاكراتا إبريل 2015 برئاسة مشتركة بين إيران ومدغشقر وكانت بعنوان «تعزيز تعاون الجنوب الجنوب لتعزيز السلام والرفاهية العالمية»، ويمكن فهم ذلك كمؤشر على ما يتم تداوله في الصحافة «الإسرائيلية» بأن مدغشقر ستكون إحدى الساحات المحتملة للتنافس الإيراني «الإسرائيلي»، بعد استثمار طهران لأكثر من مئة مليون دولار في مدغشقر ويعتبر ذلك المبلغ كبيراً بالنسبة لدولة تُصنف في الترتيب 12 من الدول الأكثر فقراً في العالم. فإيران من جانبها تسعى لبناء سدود لتوليد طاقة كهربية من مساقط المياه والتلويح بعروض خاصة بالنفط وطاقة التكرير، أما «إسرائيل» فقد أعلنت صحيفة «يديعوت احرونوت» بتاريخ 24112010 أن السفير «الإسرائيلي» في مدغشقر آنذاك دانيال سعدي التقى نائب وزير الخارجية الإيراني في مدغشقر، وأكدت تل أبيب في نفس الصحيفة تزايد أهمية القارة الإفريقية للقوى الدولية باعتبار أن إفريقيا تضم أكبر عدد من دول العالم ممثلة في الأمم المتحدة وهو الأمر الذي يخدم المصالح الدبلوماسية في مقر الأممية وبالتالي يمكن لأصوات إفريقيا إحداث فرق، وتسعى طهران وتل أبيب بشكل دائم إلى إيفاد رجال السياسة والأعمال بغرض إقامة علاقات قوية سواء من الناحية الدبلوماسية والاقتصادية. ويدور بين الدولتين صراع دبلوماسي للتأثير استراتيجياً في الدول الإفريقية من جهة ونقل المعركة الأمنية والسياسية إلى إفريقيا من جهة أخرى.
أرى كباحثة في الشؤون الإفريقية أن طهران كما نجحت في تنسيق سياسات اقتصادية في نيجيريا والسنغال ومالي أضرت بالمصالح الخليجية والعربية هناك فإنها ستسعى للنجاح في شرق إفريقيا ونجاحها يعني توقف المفاوضات التي وصفت بالمتقدمة بين دول الخليج ومدغشقر لإدارة أحد الموانىء فضلاً عن ميناءين جاري توقيع عقود إداراتهما، وإضعاف الاستثمارات الخليجية والعربية الهادفة إلى التركيز على قطاع الغاز الطبيعي المُسال بحرياً كونه أهم القطاعات التي تدعم توسعها المستقبلي خاصة في ظل الدراسات المستقبلية التي تتوقع تضاعف حجم سوق الغاز الطبيعي المُسال بحلول 2020، كما يمكن لإيران أن تلعب دوراً في مدغشقر مثل التأثير في النظام السياسي بدعم مرشحين للرئاسة تماماً كما حدث في جزر القمر عندما دعمت الرئيسين أحمد سامبي وخليفته إكليل ظنين خاصة أن هناك جالية شيعية في مدغشقر ومراكز جعفرية مثل مركز الزهراء في مدينتي نوسيبي وانبيلوبي.

الشراكة الخليجية المدغشقرية

وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقية مع حكومة مدغشقر لتمويل رصف وتطوير طريق سوينرانا افونجو مانانارا ذي المسارين بطول 117 كم، وتشييد جسور جديدة لربط المناطق الريفية بالعاصمة أنتاناناريفو، وتمويل مشروع توليد الطاقة الكهرومائية في مدغشقر. ويقدم المشروع اليوم نحو 58 ميغاوات من الكهرباء، إلا أن الدور الخليجي في جزيرة مدغشقر مازال ضعيفاً، ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تعزيز دورها في جزيرة مدغشقر بدعم الشراكة الخليجية المدغشقرية ومضاعفة الجهود في اتحاد التعاون الإقليمي، والاستفادة من الفرص المتاحة في مالاجاش، والعمل على إيجاد مزيد من الفرص كتعزيز دور موانئ دبي العالمية في إفريقيا خاصة أن التعاون البحري سيصبح أحد أعمدة الاستراتيجية الإفريقية الآسيوية الجديدة، وذلك يحقق رؤية دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2020. ومن المفيد لدول الخليج أن تبرز دورها في اتحاد التعاون الإقليمي القادم الذي سيقام في أكتوبر 2016 وذلك بالشراكة مع أحد الدول الإفريقية المرشحة لقيادة إفريقيا في المرحلة القادمة كنيجيريا مثلاً، كما يمكن تعزيز ومضاعفة الاستثمارات في الموانىء الإفريقية مثل ميناء جيبوتي، وميناء بربره في الصومال، وميناء تاماتاف في مدغشقر، ومحطة بونتايوروبا البحرية في غينيا الاستوائية، ومحطة حاويات ميناء مابوتو في موزمبيق بمحطة موانئ دبي العالمية دكار في السنغال أكبر محطة بحرية في غرب إفريقيا.
من جانب آخر فإن جزيرة الفانيلا غنية بالمياه حيث يبلغ الحجم الكلي للموارد المائية لتلبية الاحتياجات المتنوعة للسكان في مدغشقر حسب ما أصدره صندوق التنمية الإفريقي لعام 2015 (449) مليار م3 سنوياً بما يعني أن الموارد المائية تفوق حاجات السكان، أضف إلى ذلك امتلاك مدغشقر لإمكانات مائية من الموارد الجوفية والسطحية إلا أن ضعف البنية التحتية والتوزيع الجغرافي المتفاوت للموارد حالت دون حصول الكثير من السكان على هذا المورد الحيوي الأساسي فأقل من 50% من سكان مدغشقر يحصلون على مياه الشرب، وبالتالي يمكن لدول الخليج الاستفادة من تلك المياه لزيادة استثماراتها الزراعية في مدغشقر خصوصاً بعد أن أطلقت الحكومة الملاغاشية برنامجاً مدته أربع سنوات من 2015 2019 لتحقيق ارتفاع يناهز النصف مقارنة بالوضع الحالي، إضافة إلى الترفيع في معدل الحصول على البنية التحتية للصرف الصحي والنظافة من 50% إلى67% بحلول 2019 ويحتاج لتنفيذه 163 مليون دولار. فالبرنامج يهدف إلى إعادة التوازن لتلك المقاربة الشائكة التي تؤكد أن سرعة تدفق المياه تبلغ 10 م3 في الثانية ما يعني إمكانية الاستفادة من تلك المياه وتصديرها واستخدام الإيرادات لتمويل أشغال الإمدادات، غير أن مدغشقر لا تستعمل تلك الأموال التي كان بمقدورها الحصول عليها، وبما أن التعاون البحري سيصبح أحد أعمدة الاستراتيجية الإفريقية الآسيوية الجديدة خاصة أن الدول الإفريقية اليوم تتجه نحو تعزيز التجارة والاستثمار كمحرك للنمو وإعادة الزخم للقضايا الجوهرية الخاصة بحركة دول الجنوب الجنوب وبشكل خاص القضايا الخاصة بالرخاء والاستقرار للبلدان الإفريقية والآسيوية فبالتالي يمكن إيجاد أرضية مشتركة والتعاون مع الدول الإفريقية، كما يمكن تعزيز دور الأزهر الشريف في مدغشقر. ذلك أن المسلمين هناك لا يمتازون عن سائر أبناء وطنهم وذلك بسبب تمسك أهالي مدغشقر بعقائدهم القديمة بحيث لا الإسلام ولا النصرانية نجحا في قلع تلك العقائد، بالإضافة إلى ضعف تواجد المسلمين في أجهزة الإعلام اللازمة للدعاية.

* باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي 
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"