عادي
غنى للأرصفة البالية والمدن الخالية من الخوف

رحيل الشاعر السوري إسماعيل عامود

03:59 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة - إبراهيم اليوسف:
يعد الشاعر السوري إسماعيل عامود (1928-2015) الذي توقف قلبه عن النبض، أمس الأول، في مدينة "السلمية"، أحد رواد قصيدة النثر في سوريا، إلى جانب ابني مدينته السلمية محمد الماغوط، وسليمان عواد وآخرين، وإن كان قد كتب قصيدتي التفعيلة والعمود، إلى جانب قصيدة النثر التي عرف بها، عكس زميليه الآخرين، وهو ما عده سليمان عواد في صالح تجربته، على اعتبار أنه كتب قصيدة النثر وحدها .
قد عرفت مدينته السلمية أنها كانت مدينة الثقافة والإبداع، وبرز فيها عدد من الشعراء من أمثال: أنور الجندي، أحمد الجندي، عارف تامر، علي الجندي، فايز خضور، محمد الماغوط، وسليمان عواد من الشعراء الكبار، وغيرهم من الشعراء الذين ينتمون إلى الأجيال اللاحقة، ناهيك عن أعلامها من الأدباء، والباحثين وغيرهم، وبهذا فإن عامود يعتبر أحد آخر أضلاع مثلث ريادة قصيدة النثر الذين غادرونا، بعد أن حمل راية الشعر بضعة عقود، منذ أن كتب نصوصه الأولى ونشرها في منتصف أربعينات القرن الماضي، عبر الصحف والمجلات المتاحة، آنذاك .
اضطر عامود للتنقل مع أسرته في عدد من المدن السورية، لأن أباه كان يعمل في الفرقة الكشفية الموسيقية منذ ثلاثينات القرن الماضي، وقد درس في مدن عديدة: قامشلي- ديرك "المالكية"، الحسكة، كما أقام في الفترة ما بين (1979-1984) في دمشق، وكانت من الفترات الأكثر خصباً في تجربته الروحية والإبداعية والحياتية، بيد أن فجيعته برحيل زوجته - ابنة دمشق - جعلته يقدم على فكرة العودة إلى مسقط رأسه، بعيداً عن أضواء، وضوضاء العاصمة، وفي ذلك، ما أفسح له المجال للكتابة والعيش بهدوء، وإن جاء على حساب التواصل مع مركز وسائل الإعلام .
أصدر الشاعر عامود عدداً من المجموعات الشعرية، منها: "من أغاني الرحيل" ،1959 "كآبة" ،1960 "التسكع والمطور" ،1962 "أغنيات للأرصفة البالية" ،1972 "أشعار من أجل الصيف" ،1977 "الكتابة في دفتر دمشق" ،1987 "السفر في الاتجاه المعاكس" ،1980 "العشق مدينة لا يسكنها الخوف" ،1984 "إيقاعات في أنهار الشعر" ،1992 "خبز بلا ملح" 1996 . ثم أصدر أعماله الكاملة في مجال قصيدة النثر في العام ،2003 إضافة إلى كتابه النقدي المعنون ب"حصاد في البكور" .
كرس عامود حياته في سبيل الكلمة، وكان عالمه الحياتي اليومي، هو الكتابة، والقراءة، وتواصله الحميم مع الأدباء، والكتاب، والشعراء، والمفكرين، والباحثين، حيث كانت له علاقات مائزة مع هذا الوسط، لا يتوانى عن قول كلمته .
وزار عامود الإمارات في الصيف الماضي، وأحيا فيها فعاليات شعرية وثقافية عدة، في: الشارقة وأبو ظبي ورأس الخيمة، وتم الاحتفاء به، على نطاق واسع، من خلال اتحاد كتاب وأدباء الإمارات .
تناول تجربته عدد من كبار النقاد السوريين والعرب ومنهم: د . دريد يحي الخواجة، وحنا عبود وآخرون، اهتم بالأسماء الجديدة، لاسيما خلال فترة عمله مع صديقه مدحت عكاش، كسكرتير لمجلة الثقافة الأسبوعية والتي كان مقرها في شارع الأرجنتين، وظلت مع شقيقتها الشهرية تصدران لبضعة عقود، دون أن تخضع لقرار غلق صحف ومجلات القطاع الخاص، ولايمكن التحدث عن الأدب السوري من دون التوقف عن دور دار الثقافة التي تبنت طباعة مئات الكتب، إضافة إلى منبريها النشريين، وكان مكتب عامود، كما مكتب أستاذه الراحل عكاش، يتحولان إلى مركز ثقافي يلتقي فيهما الكتاب السوريون والعرب .
كتب عامود في مجال النقد الأدبي - لاسيما الشعر منه - وذلك من موقعه كشاعر صاحب تجربة مكرسة، من جهة، وكصاحب ذائقة مائزة، لاسيما أن كتابته للشعر، بأشكاله، العمودي منه، والتفعيلي منه، والنثري، أهله لخوض غمار هذه التجربة، واتسمت قراءاته بالعمق، واستبطان خفايا النصوص التي تناولها، نقدياً، وإن كانت غلبة الشعرية على تجربته، على حساب حضوره النقدي الفاعل .
وتقديراً لدور عامود الإبداعي، فقد تم تناول حياته، ومنجزه، عبر فيلم وثائقي بعنوان "مطموراً تحت غبار الآخرين 2008" والذي كتبه إبراهيم الجبين وأخرجه علي سفر، وتم عرضه إلى جانب الأمسيات التي شارك فيها في فروع اتحاد كتاب الإمارات، وإن كان حتى في عنوان الفيلم ما يدل على الإهمال الذي تعرض له، لاسيما منذ أن ترك العاصمة، وعاد إلى مسقط رأسه، وبات بعيداً عن أضواء الإعلام، وقد أشار في أكثر من حوار صحفي معه عن الإهمال الذي تعرض له .
من يتابع تجربة الشاعر عامود، يجد أن للرجل لغته الخاصة، أو بتعبير أدق له معجمه اللغوي الخاص، وهناك مفردات كثيرة تتكرر في نصوصه، ومن بينها مفردتا: "التسكع- المشاكسة"، وكان مع ترجمة هاتين المفردتين في حياته اليومية، إذ طالما أشاد بتسكعه على أرصفة دمشق، وكان معروفاً عنه مشاكساته، رغم حلمه، وإنسانيته .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"