عادي

العملاق الهندي يتجه نحو العالم العربي

02:07 صباحا
قراءة 3 دقائق
عمر عليمات

برغم العلاقات العربية الهندية الوطيدة التي لم تشبها أي خلافات أو صراعات منذ مئات السنين، وفي ظل التلاقي الثقافي العربي الهندي ووجود الجاليات الهندية في مختلف البلدان العربية، فإن الهند بقيت لعقود طويلة تركز في علاقاتها بالمنطقة على قوى إقليمية محددة، تمثلت في السعودية إلى جانب إيران وتركيا، ولم تحاول أن توسّع نطاق هذه العلاقات، لتشمل مختلف بلدان العالم العربي.
منذ مجيء رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى السلطة في عام 2014، بدأت مؤشرات التحرك الهندي تجاه العالم العربي، الذي اتضحت بوصلته منذ عام 2015، بعد زيارة مودي إلى دولة الإمارات، وما تلاها من زيارات متبادلة مع قادة مختلف الدول العربية، لتتوّج بسلسلة من الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء الهندي خلال شهر فبراير الماضي إلى الإمارات وعُمان والأردن وفلسطين، الأمر الذي يؤكد سعي الهند لبناء علاقات استراتيجية مع الدول العربية، والانتقال بهذه العلاقات الطبيعية إلى مرحلة جديدة من التعاون خدمة للمصالح المشتركة.
العملاق الهندي يدرك تماماً أن مواصلة نموه الاقتصادي المتسارع بحاجة إلى أسواق ضخمة لصادراته واستثماراته، كما أن الهند تحتاج إلى استثمارات ضخمة من الخارج، خاصة في قطاعات البنية التحية والطاقة، لذا فمن الواضح اليوم أن عربة السياسة الهندية يجرّها الحصان الاقتصادي، حيث تمتلك الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم، ومرشحة للقفز إلى المرتبة الثالثة بحلول 2032، في الوقت الذي يسجل فيه اقتصادها معدلات نمو مرتفعة وصلت إلى 6.7 في المئة وبحجم يفوق 9 تريليونات دولار.
السياسة الهندية اليوم لم تنقلب على تاريخها الذي طالما اتسم بالحياد في الصراعات والنزاعات الإقليمية، وهي ترى في هذه السياسة فرصة لتوطيد علاقاتها مع مختلف القوى العالمية والإقليمية، إذ تتميز علاقات الهند بجمعها للفرقاء، من دون أن تكون أي علاقة على حساب الأخرى، ففي الوقت الذي تتمتع فيه بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، تمتلك علاقات بذات المستوى مع العالم العربي والولايات المتحدة.
الهند كذلك تدرك تماماً أن القضية الفلسطينية ما زالت القضية المركزية في العالم العربي، حيث كانت الهند تاريخياً إلى جانب الموقف الفلسطيني وحقوقه، إلا أن هذا الموقف السياسي لم يمنعها من تطوير علاقات قوية مع «إسرائيل»، وهذا ما عبّر عنه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عندما زار رام الله كأول رئيس وزراء هندي يزور فلسطين، حيث حرص مودي على أن تكون زيارته ل «إسرائيل» منفصلة عن زيارته لفلسطين.
السياسة الهندية التي طالما اتسمت بالحياد تستفيد اليوم بشكل كبير منه في بناء شبكة علاقات اقتصادية قوية مع مختلف القوى الإقليمية في المنطقة، حيث تدرك نيودلهي أنها ليست اللاعب الاقتصادي الوحيد في المحيط الهندي، فهناك الصين واليابان وكوريا الجنوبية، وجميعها تسعى للاستفادة من السوق العربية بشكل ينعكس إيجاباً على اقتصاداتها.
التحرك الهندي قوبل بانفتاح كبير من الدول العربية، على المستويات المختلفة، وذلك من خلال زيارات الزعماء والمسؤولين العرب إلى نيودلهي، والتي شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والتعاون في مختلف المجالات، علاوة على الإشارات الكبيرة التي أرسلتها الدول العربية بأنها مهتمة جداً بتوسيع نطاق علاقات التعاون، وهذا ما عبّرت عنه استضافة الهند باعتبارها ضيف شرف على مهرجان الجنادرية في السعودية، وكذلك في «مهرجان أبوظبي 2018» في الإمارات.
وفي المقابل، فإن الدول العربية تدرك تماماً أن موازين القوى الدولية بدأت بالتغير، وأن النظام الدولي أحادي القطبية لن يستمر طويلاً في ظل بروز قوى صاعدة جديدة، ومن ضمنها الصين والهند، لذا فإن توطيد العلاقات العربية الهندية خاصة الاقتصادية، يعتبر خياراً استراتيجياً للعالم العربي، إذ إن تمتين وتوطيد هذه العلاقات في هذه الفترة قد يكون له تأثير قوي في مستقبل العلاقات الدولية.
اليوم ونظراً للإمكانات والقدرات الكبيرة التي تتمتع بها الاقتصادات العربية، وخاصة الخليجية، وما يقابلها من قدرات هندية اقتصادية وبشرية هائلة، فإن هذه العلاقات مرشحة لتأسيس واقع جديد يقوم على تعزيز المصالح المشتركة وتنمية العلاقات الدولية والبناء على نقاط التلاقي وعدم الغوص في مناطق الاختلاف، من خلال بناء علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف، وألا تكون أي علاقة على حساب الأخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"