عادي

ألكسي تولستوي.. الكتابة ترفض البرج العالي

02:17 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

بدأت أولى محاولات الروسي «ألكسي تولستوي» (1883- 1945) في الكتابة في السادسة عشرة من عمره، وكانت: «أشعاراً هزيلة كتبتها متأثرا بنكراسوف»، ذلك ما قاله عن مراهقته في مقال بعنوان «سيرة المؤلف»، وقد تصدر روايته «الشقيقتان»، وتزوج في سن مبكرة وهو طالب، وشارك الطلبة في حركاتهم، وإضرابهم، وكاد أن يفقد حياته، حين قبض عليه في إحدى التظاهرات.
وفي عام 1907 أصدر ألكسي تولستوي أول ديوان شعر، وكما يصفه، فقد كان «ديواناً ساذجاً، غير أصيل، لكنه أعانني على أن أشق لنفسي طريقاً، أصل به إلى استيعاب صور الشعر الحديث، وأعددت في العام التالي ديواناً آخر عنوانه «وراء الأنهار الزرقاء»، ولست أخجل حتى اليوم من أن ينسب لي هذا الكتاب، فقد كان أول ما عرّفني بالقصص الشعبية، والفن الشعبي الروسي».
منذ طفولته كان يحب القراءة، وكتابة الشعر، وكانت والدته كاتبة أطفال، أرادت أن يصبح ابنها كاتباً، وبالرغم من أنه كان مسجلاً رسمياً بأنه ابن الكونت تولستوي، فقد عاش، حتى الثالثة عشرة من عمره، حاملاً اسم بوستروم (زوج الأم)، ولم يشك أبداً في أنه ليس والده، حتى بعد أن عرف الحقيقة، فقد ظل يعتبر بوستروم أباه الحقيقي.
لم تستحوذ أعمال ألكسي تولستوي الأولى على اهتمام الصحافة، والقراء، برغم أن جوركي قال: «انتبهوا إلى تولستوي الجديد، إلى ألكسي، فهو أديب كبير وقوي من دون شك، وهو يعبر عن التفسخ النفسي والاقتصادي للأرستقراطية بصراحة قاسية»، وحين كتب «الغرباء»، و«الشاب الأعرج»، تحققت له شهرة واسعة، وقد أصدر عدة روايات، ولما استنفد ذكرياته الأولى، ولّى وجهه شطر الحياة المحيطة به في ذلك الوقت.
يقول: «وقع لي ما آلمني، وأحزنني، فقد أخفقت في ما كتبته وقتئذ من قصص وروايات، وأنا أفهم الآن سر ذلك الإخفاق، لأنني كنت أعيش في محيط الرمزية والرمزيين، الذين انغمسوا في الأفكار المجردة الغامضة الخفية، وارتدوا إلى أبراجهم العاجية، وإذ كنت ممن يحبون الحياة، فقد كنت أقاوم هذه النزعة التجريدية، والنظرة المتجهة نحو المثالية، بكل ما في مزاجي من قوة».
اندلعت الحرب العالمية الأولى، وكان تولستوي يعمل مراسلاً في جبهة القتال لجريدة «السجال الروسي»، وسافر عام 1916 إلى إنجلترا، وفرنسا، ورأى الحياة على حقيقتها، كما يقول، وكتب بين عامي 1914 و1917 خمس مسرحيات عرضت على خشبة المسرح، ثم انتقل للإقامة مع أسرته في باريس، وبدأ في يوليو/ تموز عام 1919 كتابة «ملحمة المحنة».
يقول: «كانت الفترة التي قضيتها مهاجراً، أشق الفترات في حياتي كلها، ففيها عرفت كيف يكون الإنسان مشرداً منبوذاً، منقطع الصلة بوطنه، عقيماً لا وزن له، لا يعبأ به إنسان، بحال من الأحوال»، وكان هاجر من روسيا بعد الثورة، وفي عام ١٩١٩ عاش في ضواحي باريس، وبدأ بكتابة ثلاثية «درب الآلام» يقول: «كنت أريد أن أبرز في هذه الرواية التخلي عن وطني، الذي حدثت فيه الثورة، فتقاعسي كان بمثابة جريمة تجاهه».
كتب الجزء الأول من الملحمة في باريس «الشقيقتان»، وقام بمراجعة كل ما كتبه، ثم انتقل إلى برلين في خريف عام 1921 وانضم إلى جماعة «المعالم المتغيرة» التي كانت تعارض السلطات السوفييتية، ليقطع بعد ذلك علاقته بالكتاب المهاجرين، ثم يلتقي جوركي، وتنشأ بينهما صداقة متينة، ثم يعود إلى روسيا، ممهداً لذلك بخطاب وجّهه إلى تشايكوفسكي، نشرته إحدى الصحف الروسية.
تميز ألكسي تولستوي بالروايات التاريخية، وإليه يرجع الفضل في كتابة أوائل روايات الخيال العلمي، التي صدرت باللغة الروسية، وهو ينتمي بنوع من القرابة إلى أديب الروسي العظيم ليو تولستوي.
كان موضوعه الرئيسي انحطاط مجتمع النبلاء، وتفسخ وانحلال نظام الحياة الإقطاعية وفسادها، وكان مصوراً بارعاً لحياتهم، وفي الوقت نفسه كان بعيداً عن فهم أفق التطور التاريخي، والمواقف الثورية، فكانت معتقداته السياسية والاجتماعية محدودة، وفي عام ١٩١١ وصفه مكسيم جوركي «بالقوة الجديدة في الأدب الروسي»، و«بالكاتب الكبير من الدرجة الأولى».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"