عادي
كتب غيرت الوعي

«محاورات أفلاطون».. نهايات مفتوحة لعقل القارئ

03:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

يعد أفلاطون (428 ـ 348 ق. م) أهم فلاسفة العالم، وأعلاهم مكانة، وأكثرهم شهرة عبر التاريخ الحضاري للبشرية، وما ذلك إلا لأنه هو الذي وضع للفلسفة معناها ومنهجها، وأصبح من خلال ذلك ثاني أهم الفلاسفة، وأكثرهم إسهاماً في تطور الفكر والعلم، والفلسفة عند أفلاطون هي علم الحوار، الذي يستهدف الوصول إلى الحقيقة، ومن ثم فالمنهج الذي اتبعه في فلسفته عموماً، وفي كتاباته على وجه الخصوص هو الحوار، فقد كان داخل الأكاديمية (مدرسته الفلسفية) يتحاور مع تلاميذه، ولا يلقي عليهم دروساً جامدة، مستخدماً في ذلك مقولة أستاذه سقراط: «تكلم حتى أراك».
كما كانت كل كتاباته على هيئة محاورات يتحاور خلالها فلاسفة حقيقيون، كل واحد منهم يعبر عن رؤيته الخاصة، حول موضوع الحوار، ويدافع عنها، وكان رأي أفلاطون، الذي كان عادة ما يعرض على لسان سقراط، أحد هذه الآراء داخل المحاورة، ولما كانت معظم هذه المحاورات تنتهي نهاية سلبية، حيث لا ينتصر فيها رأي على آخر، فإن القارئ يظل مشاركاً في الحوار، ما دام يتعرف إلى رأي هذا أو ذاك، من الفلاسفة، وفي إمكانه في النهاية أن يختار أياً من هذه الآراء، أو حتى يرفضها جميعاً، ويبلور لنفسه رؤية خاصة به.
كان هذا هو تصور أفلاطون للفلسفة، وللطريقة المثلى للتعبير عنها، فهي حوار، والتعبير الحقيقي عنها لا يكون إلا من خلال الحوار، والحقيقة، كما يوضحها د. مصطفى النشار في مقدمة ترجمة د. زكي نجيب محمود لكتاب «محاورات أفلاطون» أن هذه الطريقة لم تكن من إبداع أفلاطون بقدر ما كانت من جراء تأثره بطريقة أستاذه سقراط، تلك الطريقة الحوارية التي كان يتبعها مع كل من يدعي العلم في عصره، فسقراط لم يكتب شيئاً، وظل على قناعته تلك حتى نهاية حياته.
كان هدف أفلاطون هو تخليد ذكرى سقراط، بتسجيل معظم ما شاهده، وربما ما سمع عنه من تلك المناقشات السقراطية مع أشخاص بأعينهم في موضوعات بعينها، وسجلت «محاورة أوطيفرون» واحداً من أبرز الأمثلة على تلك المناقشات التي جرت بين سقراط وبين أوطيفرون الذي اشتهر بالتقوى والورع، حيث ناقشه سقراط حول ماهية التقوى، وحينما قدم سقراط للمحاكمة كان مضطراً للدفاع عن نفسه إزاء التهم الخطيرة التي اتهم بها، تلك المحاكمة التي انتهت بالحكم عليه بالإعدام بشرب السم، وقد سجل أفلاطون هذا الدفاع في محاورة «الدفاع» كما سجل جانباً من المحاولات التي عرضت عليه للهرب من السجن بصورة آمنة، لما وقع عليه من الظلم، لكنه رفض هذه العروض، وكان عرض «أفريطون» صديقه الشيخ أحد هذه العروض، وهو موضوع المحاورة التي سميت باسم الأخير.
تطور الأمر لدى أفلاطون، وأصبحت هذه هي طريقته التي اختارها للكتابة الفلسفية بوجه عام، فحينما تجاوز المرحلة السقراطية - مرحلة الشباب من حياته - إلى مرحلة النضج، عبّر عن فلسفته الخاصة بنفس هذه الطريقة الحوارية، وجعل سقراط الشخصية الرئيسية في معظم هذه المحاورات المتأخرة، وهنا تكمن إشكالية العلاقة الفلسفية بين سقراط وأفلاطون، فهل كان أفلاطون يعبر عن فلسفته على لسان سقراط، أم كان يعبر عن فلسفة سقراط في هذه المحاورات؟
هناك رأيان، أحدهما يرى أن أفلاطون مجرد ناقل لمذهب أستاذه عبر محاوراته، وأن معظم المذهب المعروف لأفلاطون إنما هو في الأصل مذهب سقراط، ونقله إلينا أفلاطون عبر هذه المحاورات على لسان سقراط نفسه، والرأي الآخر، وهو الرأي الذي اتفق عليه معظم مؤرخي الفلسفة الأفلاطونية، فهو أن سقراط لم يكن إلا مجرد شخصية مسرحية، اختارها أفلاطون للتعبير عن فلسفته، تخليداً لذكرى أستاذه، لقد أراد له ألا يغيب في المحاورات المتأخرة والمعبرة عن مذهبه هو، فجعله الشخصية الرئيسية الناطقة المعبرة عن هذا المذهب.
الكتاب عبارة عن أربع محاورات تعرض على لسان سقراط آراء أفلاطون المثالية في أدق مشكلات الفلسفة، وهي روائع من عيون التراث اليوناني الفلسفي في نضارته، التي لا تزال تثير، بصياغاتها الحوارية وبيانها الرائع ونهاياتها المفتوحة، عقل القارئ المعاصر، حول معاني الخير والعدالة والخلود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"