عادي
روائي من الجابون

جان ديفاسا نياما.. النابش في ذاكرة إفريقيا

02:43 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»

في قرية صغيرة تقع جنوبي الجابون بإفريقيا ولد الكاتب «جان ديفاسا نياما» عام 1962 وفي هذه القرية المغمورة بالأساطير وعبادة الأسلاف والطقوس السحرية على إيقاع الطبول، ولد نياما مع شقيقه التوأم، في أسرة تضم 14 طفلاً، لكن الشقيق التوأم لا يلبث أن يموت ليخلف غصة أبدية في حلق شقيقه.
هو يعلّق على هذا الرحيل قائلاً: لم يشأ شقيقي التوأم المجيء، لأنه أدرك البؤس الموجود في مجتمعنا، والتعاسة التي تضرب قارتنا، لكنه طالبني بالمجيء، وأن أقدّم له، من وقت إلى آخر، ما هو جوهري في حياتنا اليومية، إن كتابتي هي رسائل أكتبها إلى شقيقي التوأم لأريه حال المجتمع، لقد ولد شقيقي التوأم مبتسراً ولم يعش، وأنا مهتم بالإدلاء بشهادتي لهذا الشقيق، أي لكل أقراني، كل البشر والأجيال الجديدة، لكن كتاباتي متجذرة في الحياة اليومية للوطن، إنني أكتب أدباً إفريقياً لأني أكتب انطلاقاً من حقائق إفريقية، إنني أنصت للناس، أسمع صراخهم وأحاديثهم.
أصدر «نياما» ثلاثية روائية: «رحلة العم مآ - نداء دينيتي - صخب الميراث»، وقد ترجمت إلى العربية على يدي عاطف عبد المجيد، بعد فترة قصيرة من فوز الكاتب بجائزة الأدب الكبرى لإفريقيا السوداء، التي تمنحها رابطة الكتّاب باللغة الفرنسية، وهو يقول عن تلك الثلاثية: «لقد ولدت من رحم الشفاهية»، لكن من أجل التواصل مع الآخر، كان لا بد من الدخول إلى الكتابة، وعندما كنت في السادسة من عمري كان لدي أصدقاء من أعراق مختلفة، ولتحقيق التواصل معهم كان لا بد لي من الكتابة بالفرنسية، وفي عمر الرابعة عشرة نشرت نصوصي الأولى في جريدة «الاتحاد» بعدما قلت لنفسي إنه ينبغي الدخول في أمر آخر، أن استثمر نفسي في الكتابة الروائية لأترك أثراً ما، وقد بدأت ذلك ب «العم مآ»، وهي رواية كتبتها عام 1985 ونشرت عام 1991.
قرأ «نياما» كتاب «الزنوجة» لإيميه سيزار وسنجور وريتشارد رايت، وعقب انتهائه من المدرسة الثانوية درس التسويق، وكتب للمسرح بعد أن كوّن فرقة مسرحية عام 1978 وشارك فيها بالكثير من العروض ويعيش حالياً مدرساً للغة الإنجليزية في «ليبرفيل»، وفيما يتمتع بشعبية كبيرة في الجابون تتصدر ثلاثيته قائمة أفضل الكتب مبيعاً.
يقول نياما: «يزعجني فقدان الذاكرة لأن الجابون لا تملك أن تطور نفسها انطلاقاً من ثقافة شعب آخر، وإن لم تعد الجابون النظر في ذاكرتها، فلن تعثر على الآلية الضرورية لتطوير نفسها، لا أقول إنه ينبغي الانغلاق إذا يجب أن تأتي بشيء معين إلى الآخرين، ليتمكن الآخرون من أن يأتوا لنا بمعرفتهم في المقابل، لكن لا بد من معرفة الذات، ذلك هو السبب في أني اعتبر فقدان الذاكرة هذا خطراً كبيراً، يدمر مستقبل الجيل الجديد».
يمثل «العم مآ» الشخصية المحورية في الثلاثية، هو سيد العالم الذي يوقره الجميع، وينتظرون كلمته الفاصلة، ذاكرة حيّة تمشي في جسد رجل عجوز، أسهم - كمقاتل - في تحرير فرنسا من النازيين (كانت الجابون آنذاك مستعمرة فرنسية)، انتظاراً لوعد ديجول بمنح المستعمرات استقلالها، ولا تناقض بين كونه مرجع السلالة ومرجعية الأسلاف، فمرجعيته مستمدة، لا من السن، بل من محافظته على نواميس الأسلاف والأعراف والتقاليد، رغم أنف التحولات المدنية الجديدة التي تغزو الحياة التقليدية، فهو الذي يمكنه التوفيق بين الاثنين، يمكنه اكتشاف المفازة غير المرئية التي ينفذ منها بلا صدام.
سؤال الرواية هو الذاكرة المهددة بالضياع النهائي، والتراث المهدد بالاندثار، والأسلاف الذين يهددون بإثارة الصخب للسلالة، عقاباً على النكران، وتركهم في العراء بين الهجرة من القرية الأصلية، وهو ما لا يستطيع «العم مآ» - على ما يمتلك من خبرة الأجيال وحنكة الأزمات - أن يواجهه أو يعثر له على حل ناجح، فخبرته تماثل حيرة أبناء السلالة الآخرين المشغولين بسؤال المصير بلا إجابة، لكن البطل الحقيقي في الثلاثين - كما يرى المترجم عاطف عبد المجيد - هو «سحر الحكي» المهيمن في خفاء على صفحاتها، حكايات واقعية جرت هنا وهناك، وحكايات أسطورية محفورة في الذاكرة، ووقائع تحدث على طول مسار السرد وقصص الأسلاف، وكل حكاية قطعة فريدة لا تكرر أخرى، تكتنز بالعبرة، وتكشف ملمحاً أو وجهاً منسياً وتختصر آلاف الصفحات والأفكار بلا مباشرة أو ادعاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"