عادي
قمم خالدة

آدم سميث «اليد الخفية» في الاقتصاد الحديث

05:30 صباحا
قراءة 7 دقائق

إعداد: عثمان حسن

«العلم هو الترياق المضاد للجهل والخرافات» و«الثروة ليست لمن يجمعها؛ بل لمن يستمتع بها» هذا هو آدم سميث.. صاحب «ثروة الأمم» ومؤسس علم الاقتصاد الحديث.. الذي آمن بأن السلام، والعدل، يرفعان الأمم من أدنى درجات التهور إلى أعلى درجات الثراء، كما آمن بضرورة «التعاطف» مع الآخرين؛ لكبح جماح الأنانية، هو صاحب مفاهيم «إنتاجية العمل» و«تقسيم العمل» و«ليبرالية السوق».

ولد آدم سميث في 16 يونيو/‏حزيران 1723، في كيركالدي، بمقاطعة فايف، اسكتلندا، وتوفي في 17 يوليو/‏تموز 1790، في أدنبره، باسكتلندا.. درس في جامعتي أكسفورد وكامبردج، ومن عام 1750 حتى عام 1764 ظل أستاذ الفلسفة في جامعة غلاسكو، عمل أستاذاً للمنطق بجامعة غلاسكو ثم أستاذاً لفلسفة الأخلاق بالجامعة نفسها، وفي أثناء عمله هناك نشر أول كتاب له «نظرية المشاعر الأخلاقية».. في عام 1762، منحته جامعة غلاسكو لقب دكتوراه في القانون.

هو اقتصادي، وكاتب، وفيلسوف اسكتلندي ورائد في الاقتصاد السياسي، شخصية بارزة من شخصيات التنوير في التاريخ الاسكتلندي، عرف ب«أب الاقتصاد» أو «أب الرأسمالية» له عملين بارزين «نظرية المشاعر الأخلاقية» 1759، و«التحقيق في طبيعة وأسباب ثروة الأمم» 1776، وهذا الكتاب الأخير غالباً ما يختصر تحت اسم «ثروة الأمم»، قدم من خلاله نظرة متقدمة في علم الاقتصاد، ومن خلاله وضع أسس النظرية الاقتصادية للسوق الحرة، وأول منهج أكاديمي في دراسة الاقتصاد الحديث، وفيه أيضاً محاور عدة حول مفاهيم «القدرة الإنتاجية» و«لوائح التجارة» و«السلع والخدمات» التي توازي اليوم ما يُعرف ب«الناتج القومي الإجمالي» و«الدخل» و«المنافسة والتبادل الحر» و«تراكم رأس المال» و«توزيع العمل والتخصص» ويعدهما مصدراً للفعالية الإنتاجية.

درس سميث الفلسفة الاجتماعية في جامعة غلاسكو، كما كان من أوائل الطلاب الذين استفادوا من المنح الدراسية التي أنشأها زميله سكوت جون سنيل؛ وذلك في كلية «باليول» في أكسفورد. بعد تخرجه، ألقى سلسلة ناجحة من المحاضرات العامة في أدنبره، مما دفعه إلى التعاون مع ديفيد هيوم فيما عرف بمشروع التنوير الاسكتلندي. حصل سميث على الأستاذية في غلاسكو، وقام بتدريس الفلسفة الأخلاقية، وخلال هذا الوقت، كتب ونشر «نظرية المشاعر الأخلاقية». فيما تلا من حياته، شغل منصباً تعليمياً، سمح له بالسفر إلى جميع أنحاء أوروبا؛ حيث التقى بمفكرين كثر في زمنه.

كان سميث مثيراً للجدل، وكثيراً ما كان أسلوبه في الكتابة، يثير سخرية الكتّاب الراسخين في زمنه والمعروفين بميولهم الأخلاقية؛ مثل: «جوناثان سويفت» و«ويليام هوجارت».

كان والده كاتباً عند واحد من كبار المحامين والمدعين العامين المعروفين في اسكتلندا، وكان أيضاً مراقباً في الجمارك في كيركالدي. في عام 1720، تزوج والده من «مارغريت دوغلاس»، ابنة روبرت دوغلاس من سترايندري، من مقاطعة فايف أيضاً، توفي والده بعد شهرين من ولادته، تم تعميده في كنيسة اسكتلندا في كيركالدي في 5 يونيو/‏حزيران 1723، وعلى الرغم من قلة الأحداث في طفولة سميث المبكرة، فإن كاتب سيرته الاسكتلندي «جون راي»، قال: «إن سميث قد اختطف من قبل الغجر في سن الثالثة، وأُطلق سراحه عندما ذهب آخرون لإنقاذه»

كان سميث قريباً من والدته، التي شجعته على متابعة طموحاته العلمية. التحق بمدرسة بيرك في كيركالدي - التي تتميز بأنها «واحدة من أفضل المدارس الثانوية في اسكتلندا في تلك الفترة»، بين 1729 إلى 1737، تعلم اللاتينية والرياضيات والتاريخ والكتابة.

بين أكسفورد وغلاسكو

التحق سميث بجامعة غلاسكو عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، هنا، درس الفلسفة الأخلاقية في عهد فرانسيس هوتشيسون. كما طور شغفه بالحرية والمنطق وحرية التعبير. في عام 1740، كان أحد الخريجين المؤهلين لتلقي أبحاث في الدراسات العليا في كلية باليول، أكسفورد.

كان سميث يفضل الدراسة في غلاسكو؛ لأنه اكتشف أن التدريس في جامعة أكسفورد يعد «خانقاً» من الناحية الفكرية، عبر عن ذلك في الفصل الثاني من كتابه «ثروة الأمم» وقال: «في جامعة أكسفورد، تخلى الجزء الأكبر من الأساتذة طوال سنوات عديدة عن أهمية التعليم» كما ورد أنه اشتكى للأصدقاء من أن مسؤولي أكسفورد، اكتشفوه ذات مرة، يقرأ نسخة من مقال «ديفيد هيوم» عن الطبيعة البشرية، وبعد ذلك صادروا كتابه، ثم عاقبوه بشدة؛ بسبب قراءته.

وفقًا ل«ويليام روبرت سكوت» لم يعوّل سميث على دراسته في أكسفورد، التي منحها وقتاً أقل من اهتمامه، واكتفى فيها بمطالعة عدة كتب اختارها بنفسه، من أرفف مكتبة بودليان الكبيرة، وهو أيضاً لم يكن سعيداً خلال فترة وجوده في أكسفورد؛ بل أصيب بنوبات من التوتر وأعراض من الانهيار العصبي، غادر أكسفورد في عام 1746، قبل انتهاء المنحة الدراسية.

في ذات الإطار فقد علق في الجزء الخامس من «ثروة الأمم» على تدني جودة التعليم وضآلة النشاط الفكري في الجامعات الإنجليزية، مقارنة مع الاسكتلندية، وعزا ذلك إلى ارتفاع أجور المدرسين؛ بسبب المنح السخية لكليات أكسفورد وكامبردج، مما جعل الأساتذة في هاتين الجامعتين مستقلين مادياً، إضافة إلى فقدانهم لحماسة جذب الطلاب، ولحقيقة أن الرجال المميزين في الآداب يمكن أن تسير حياتهم بشكل مريح، وربما يتم ترشيحهم كوزراء في كنيسة إنجلترا.

كان استياء سميث في جامعة أكسفورد يرجع جزئياً إلى غياب أستاذه المحبوب في غلاسكو، «فرانسيس هوتشيسون» الذي كان يُعد واحداً من أبرز المحاضرين في غلاسكو، وحصل على استحسان الطلاب والزملاء، بحماسة وجدية خطاباته التي كان أيضاً يستفيد منها قطاع كبير من المهتمين؛ حيث سعت محاضراته ليس فقط لتدريس الفلسفة، ولكن أيضاً لجعل طلابه يجسدون تلك الفلسفة في حياتهم.

في جميع مراسلاته، كان سميث يشير إلى هذين الاسمين، بوصفهما من أفضل أصدقائه، وكان ينعت هوتشيسون، بالصديق الذي لا ينسى، والمعلم المؤثر، أما هيوم، فكان بالنسبة إليه الصديق الحميم.

في 1748 بدأ بإلقاء محاضراته في أدنبره، برعاية الجمعية الفلسفية تحت رعاية اللورد كاميس. في 1750، التقى سميث الفيلسوف ديفيد هيوم، وتشاركا كثيراً من الكتابات التي غطت موضوعات التاريخ، والسياسة، والفلسفة، والاقتصاد، والدين، كما تشاركا في منظور فكري واضح أهلهما كرمزين مهمين من رموز التنوير الاسكتلندي.

في عام 1751، حصل على الأستاذية في علم المنطق ودرس هذا التخصص في غلاسكو، وفي عام 1752، تم انتخابه عضواً في الجمعية الفلسفية في أدنبره، ثم ترأسها في العام التالي بعد وفاة أستاذ الفلسفة الأخلاقية لورد كاميس، واستمر في التعليم الأكاديمي نحو 13 عاماً وصفها بأنها الأسعد في حياته.

حكمة آدم سميث

يرى جون هاغارتي في هذا الكتاب، أن آدم سميث كان رجلاً فصيحاً يتمتع بقدر كبير من الاستيعاب الفلسفي والتاريخي. كما كان ثاقب الفكر في كل ملاحظاته الراسخة حول موضوعات تتراوح بين التاريخ السياسي والاقتصادي إلى الأخلاق والفن والتعليم والحرب والمستعمرات الأمريكية. وهو إلى جانب ذلك يعبر عن أفكاره بطريقة واضحة ومباشرة تجعلها في متناول الجميع، ومن دون لجوئه للمصطلحات الرياضية والفلسفية المعقدة.

خطاباته

تتسم محاضرات آدم سميث التي اكتشفها أحد أساتذة جامعة أبردين في عام 1958، من واقع نحو ثلاثين محاضرة احتفظ بها اثنان من طلاب سميث في جامعة غلاسكو بين 1762 و 1763، والكتاب يسلط الضوء على الخط البياني لهذه الخطابات التي تمزج بين أنواع مختلفة من السرد الوصفي أو التاريخي، والشعر، والخطابة التوضيحية، واللغة الشفوية، والتعليمية أو العلمية.

صنفت هذه الخطابات بوصفها من أساليب سميث في التواصل مع طلابه عن طريق الكلام والإقناع وحتى التسلية، وهي تنم عن عبقرية تذكر بأبرز وأفضل الكتّاب والشعراء والمؤرخين الكلاسيكيين في التاريخ الإنجليزي.

نظرية المشاعر الأخلاقية

نشر سميث الكتاب في عام 1759، وهو تلخيص لمحاضراته في غلاسكو، وهو العمل الذي كان يركز على ضرورة نشر المبادئ الأخلاقية والتعاطف الإنساني، واستند في شرحه ليس على المعنى الأخلاقي الخاص كما هو عند هوتشيسون، ولا على المنفعة كما فعل هيوم، ولكن على التعاطف المتبادل.

بعد نشره لهذا الكتاب ترك الكثير من الطلاب الأثرياء جامعاتهم، وذهبوا للدراسة في غلاسكو، كما ركز أيضاً على موضوع الاقتصاد، و«الأخلاق» ولكن، بدرجة أقل على سبيل المثال، فقد ألقى محاضرة مفادها أن سبب زيادة الثروة الوطنية هو العمل، وليس ما تخزنه الأمم من الذهب والفضة، وهي أساس نظريته الاقتصادية و«التجارية» التي تحكم المنظومة الأوروبية والغربية اليوم.

والكتاب يتناول موضوعات في المصلحة الذاتية والتعاطف، فهو يقول: «نحن كأفراد، نمتلك ميلاً طبيعياً لرعاية أنفسنا، ورغم أننا كائنات اجتماعية، فقد وهبنا أيضاً تعاطفاً طبيعياً، تجاه الآخرين، عندما نرى الآخرين يشعرون بالضيق أو السعادة، نشعر بهم، وبالمثل، يسعى الآخرون إلى التعاطف تجاهنا، وعندما تكون مشاعرهم قوية بشكل خاص، فإن التعاطف يدفعهم إلى كبح مشاعرهم حتى تتماشى مع ردود أفعالنا الأقل حدة».

يقول في الكتاب: «لدينا الآن معايير أخلاقية لإرشادنا؛ بهدف تعزيز سعادة البشرية، وهو ينهي نظرية المشاعر الأخلاقية عن طريق تحديد شخصية الفرد الفاضل، مثل هذا الشخص كما يقترح، سوف يجسد صفات الحكمة والعدالة والكرم والقيادة الذاتية».

مقالات فلسفية

موضوعات هذا الكتاب تدور حول علم الفلك، إضافة إلى بعض الأفكار حول الفيزياء والميتافيزيقا القديمة، نشر الكتاب بعد وفاة سميث في عام 1795، من قبل صديقيه العالم الأكاديمي الاسكتلندي جوزيف بلاك والجيولوجي جيمس هوتون.

يتكون الكتاب من ثلاثة أعمال متميزة: تاريخ علم الفلك، تاريخ الفيزياء القديمة، تاريخ المنطق القديم والميتافيزيقيا، ويعد موضوع علم الفلك صاحب الرصيد الأكبر في الكتاب.

تاريخ النظرية الاقتصادية

كتابات مختارة من آدم سميث، وجان بابتيست ساي، وجيه آر مكولوتش، ويعرض لتاريخ النظرية الاقتصادية، من قبل اقتصاديين بارزين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. تمت المحافظة على سلامة الكتابات الأصلية بعناية، ولم تبذل أي محاولة لإضافة مزيد من التعليقات.

في ضوء مفهوم الثروة

في هذا الكتاب دعا سميث إلى مبدأ الاقتصاد الحر، معتبراً أن ثروة أي أمة تقاس بإنتاجيتها، الإنتاجية عنده تعد مقياساً للثروة، ومن بعدها يمكن تنظيم أدوات ووسائل التجارة، مضافاً إلى ذلك ما قدمه من أطروحات كحرية السوق و«اليد الخفية» وهي الآلية التي تعمل بها الأسواق وتحمي نفسها من الأزمات، ويكون لديها القدرة على إعادة حالة التوازن بين العرض والطلب مع مرور الوقت.

نادى بالرأسمالية، ورفض تدخل الحكومة في الاقتصاد، مؤمناً بقوة العرض والطلب.

فلسف مفهوم القيمة بين كونها منفعة شخصية، ومنفعة تبادلية، وكان يعتقد بأن القيمة الاستعمالية للشيء كالماء، تؤدي بالضرورة إلى قيمة تبادلية نسبية، وربما لا يكون لها قيمة على الإطلاق.. بعكس الجواهر (الذهب أو الفضة) التي ليس لها قيمة استعمالية، ولكن يمكن مبادلتها بكمية هائلة من البضائع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"