عادي
الفوارق التعليمية والاقتصادية من دوافعه المنتشرة

الطلاق.. أسباب واهية وبيّنات ضعيفة أمام المحاك

03:04 صباحا
قراءة 6 دقائق
أمير السني

الحياة الزوجية هي توافق بين شخصين التقيا تحت سقف واحد، وجدران أربعة، وكل واحد منهما يحمل ثقافة وفكراً وتربية مختلفة عن الثاني، وبالتالي، يحاولان التوفيق بين بعضهما بعضاً، رغم ذلك الاختلاف، ويحافظان على استقرارهما بتوفير أجواء صحية تخلو من العنف، والكراهية، والعداوة، ويقدمان التنازلات في سبيل أرضاء كل منهما للآخر، وتحمل الأخطاء معاً، ومعالجتها بهدوء، ولكن عند ظهور بعض المشاكل والاختلافات يلجأ الطرفان إلى أبغض الحلال عند الله «الطلاق»، ويسوق كل منهما الحجج الجوهرية أحياناً، والواهية أحياناً أخرى ليوقع الفرقة والانفصال، وحتى في ساحات القضاء تكون بينات الراغبين في الطلاق ضعيفة أمام القضاة.
وفصل الخطاب أن المؤسسة الأسرية قائمة على الحفاظ على النسيج الاجتماعي داخلها، ويحيا الأبناء بداخلها في جو مستقر آمن، ويتربون على وجود الأبوين، وفي حال وجود طلاق بينهما يختل ذلك النسيج، ويتأثر البيت بغياب الأب، أو الأم، وتظهر المشاكل العائلية، ويصبح الأبناء بين الشد والجذب نتيجة الخلافات التي يصل معظمها إلى المحاكم، ويفشل في مواجهتها الأقربون لإيجاد حل وسط للخلافات، وتكون النتيجة «تسريح بإحسان».
حدث انخفاض طفيف في حالات الطلاق العام الماضي بالفجيرة، حيث كشفت الإحصاءات الرسمية الواردة في «الكتاب الإحصائي السنوي للعام 2018» الصادر عن مركز الفجيرة للإحصاء، عن انخفاض المعدلات مقارنة بعام 2017، إذ بلغ مجموع عدد شهادات الطلاق التي أصدرتها محكمتا الفجيرة ودبا الفجيرة الشرعيتان 195 شهادة طلاق، مقابل 207 شهادات طلاق تم إصدارها في العام 2017، و215 في العام 2016، برغم ذلك يظل الطلاق واقعاً يحتاج إلى الغوص عميقاً في أسبابه، والعمل بجد لتلافي وقوعه نسبة لآثاره الاجتماعية والاقتصادية المدمرة، والشاهد أن الإحصاءات بينت العام الماضي أن عدد حالات طلاق الإماراتي من الإماراتية بلغ 115 حالة، والإماراتي من غير الإماراتية 33 حالة، وغير الإماراتي من الإماراتية 8 حالات، فيما بلغت عام 2017 حالات طلاق الإماراتي من الإماراتية 136 حالة، والإماراتي من غير الإماراتية 29 حالة، وغير الإماراتي من الإماراتية 3 حالات.


نار الفرقة


ويرى عدد من القانونين والباحثين الاجتماعيين أن هنالك أسباباً عدة قادت إلى الطلاق بين الأزواج، وساهمت في إذكاء نار الفرقة بين الزوجين، من بينها عدم القدرة على فهم الطرف الآخر، والتأقلم على الحياة معه، وإغلاق باب الحوار الذي يعزز الثقة بينهما، والتي تزيد المعاناة بين الطرفين، وقد تنتهي هذه الحالة بالطلاق في كثير من الأحيان، حيث أوضح المحامي والمستشار القانوني صالح الشامسي، أن الطلاق مرهون بالوعي بين الطرفين، إضافة إلى قلة الوازع الديني، وخلل التمظهر المادي، واختلاف الطباع يؤدي إلى عدم التوافق، وبالتالي يؤدي إلى فقدان الاحترام والمودة بين الزوجين.
وقال إن هنالك أسباباً أخرى، منها إهانة الزوج لزوجته والاعتداء عليها بالضرب، والغيرة الزائدة من الطرفين، ‏وعدم تحمل المسؤولية، والاتكالية على الزوجة حتى في مصاريف البيت عندما تكون موظفة، إضافة إلى طمع بعض الزوجات في النفقة، ولأنها سوف تأخذ الشقة والأثاث، وغيرها.
وأشار صالح إلى أن شروط قانون الأحوال الشخصية في حالة طلب المرأة الطلاق للضرر، وجود دليل واضح وملموس، كحكم جزائي صادر ضد الطرف الآخر، أو حدوث آثار واضحة لتعدي الزوج على الزوجة، وأسباب أخرى حددها لا تجيز تطليق المرأة من دون مبررات يقينية واضحة.
وأضاف أن القاضي لا يحكم بتطليق المرأة إلا إذا أحضرت بينة للضرر، وهناك حالات لرفض دعوى الطلاق لعدم وجود البينة، ولا تتساهل الجهات القانونية، بل تحرص على تنفيذ القانون من أجل الحفاظ على وحدة وكيان الأسرة.


مسببات قوية


وأيدت المحامية والمستشارة القانونية آمنة الشحي، تشديد إجراءات المحاكم بحيث لا تجعل من مسألة الانفصال أمراً يسيراً، مشيرة إلى أن حالات الطلاق الواردة في المحاكم كانت نتيجة أسباب يمكن تداركها مثل الغضب وسرعة الانفعال التي تعتبر من اهم أسباب هدم الحياة الزوجية، لأنها تسد باب الحوار والتفاهم بين الزوجين، وتؤدي إلى ردود أفعال سلبية من الطرف الآخر، خاصة إذا أدمن أحد الزوجين الغضب، وأصبح جزءاً من طبيعته في التعامل مع المواقف اليومية.
ودعت إلى ضرورة البحث عن أسباب انتشار الطلاق في المجتمع الإماراتي، وما يترتب عليه من نتائج تؤثر في بنيته، وتحديداً الأطفال الذين تعصف بهم المشاكل التي تهدد بناء البيت وتؤدي إلى تصدعه، مشيرة إلى أن استسهال مسألة الزواج والطلاق، مرده عدم نضوج الشباب ووعيهم بأهمية مؤسسة الزواج، حيث إن أغالبية المطلقين من فئات عمرية فتية.


غياب المسؤولية


وأضافت الشحي أنه عند الوقوف على بعض حالات الطلاق بين الأزواج، فإننا نجد أن غياب المسؤولية لدى الزوجين يتصدر الخلافات، بجانب عدم التشاور والتعاون وتقدير مصلحة الطرف الآخر، وتغليب أحد الزوجين مصلحته الفردية، وتؤدي إلى الانفراد بالقرارات والتصرفات الأحادية، ويسعى كل من الزوجين ليتحكم في الأسرة.
وأفادت المحامية والمستشارة القانونية نورة الهاجري بأن الطلاق أحياناً يقع برغبة الطرفين اللذين وصلا إلى قناعة بأنهما ليسا قادرين على الاستمرار في الحياة الزوجية، ولكن نجد من خلال القضايا التي نتعامل معها في المحاكم أن هناك زوجات يتعمدن الإساءة إلى أزواجهن واتهامهم زوراً وبهتاناً بالإضرار بهن من أجل إقناع المحكمة بإقرار الطلاق، وحصولهن على بعض الحقوق المرتبطة بطلاق الضرر، مثل الحضانة، أو النفقة. وتضيف أن الفتور العاطفي، وفقدان المشاعر بين الزوجين، من أسباب الطلاق، وهذا الفتور، يسميه البعض بالطلاق العاطفي، حيث يرتبط الزوجان ارتباطاً لا روح فيه، ما قد يؤدي مع الأيام إلى طلاق حقيقي، ولعلاج هذا الأمر، لا بد من تكريس مبدأ الرحمة والمودة والعطف بين الزوجين، وضخ المشاعر الفياضة في الحياة الأسرية.


جهل بالتشريعات


وأكدت المحامية والمستشارة القانونية أساور المنصوري، أن جهل الكثيرين بالتشريع وتفاصيل قوانين الأحوال الشخصية، له دور كبير في وقوع المشكلات بين طرفي النزاع في الطلاق، مشددة على ضرورة تكثيف البرامج التوعوية للمتزوجين والمقبلين على الزواج، لتوعيتهم بمواد قانون الأحوال الشخصية، خاصة التي تمس جوانب حياتهم، مثل النفقة، والرؤية، والحضانة، والمبيت بطريقة مبسطة.
وتوضح أن أكثر الأسباب التي ترد إلى المحاكم ترجع إلى سوء العشرة بين الزوجين، بأن يعامل أحد الزوجين الآخر معاملة مسيئة، سواء إساءة لفظية، أو فعلية، أو بإهمال وعدم مراعاة الآخر، والاستمرار في هذا النوع من المعاملة، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان الصبر، واللجوء للطلاق، والعلاج يكمن في إصلاح النفس وتقويم السلوك، وتصحيح معاملة كل من الزوجين للآخر.


حل لمشكلة


وقال الدكتور السيد محمد عبدالرحمن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة العلوم والتقنية في الفجيرة، إن الطلاق مشكلة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات، وبالرغم من أنها مشكلة، لكنها في بعض الأحيان حل لمشكلة معقدة تحيط بها، وتعود لأسباب اجتماعية من بينها عدم التوافق بين الزوجين، من حيث المكانة الاجتماعية لأحد الطرفين، أو اقتصادية من خلال التكافل الأسري نتيجة عدم قدرة الزوج على الإنفاق على زوجته، وهناك سبب ثالث وهو التوافق النفسي بمعنى القبول والرضا بين الطرفين. ويضيف: أسباب أخرى من بينها الاختلاف الثقافي بين الزوجين وهو عامل مهم في الحياة الزوجية إذ يعني مدى الوعي بين الزوج والزوجة، فإذا كان هنالك تفاوت في النظرة إلى الحياة وتكوين الأسرة ونظرة المجتمع يظهر الخلاف بينهما، وقد يؤدي إلى الطلاق، إضافة إلى وجود أسباب نفسية كامنة قد لا يظهرها الطرف للآخر والتي تسمى بالعقدة النفسية التي لا ترتقي لحالة مرضية.
ويعتبر الجانب التربوي التعليمي مؤثراً في بعض الأحيان في الأزواج، في حال ينال أحدهم درجة علمية عالية يظهر نوع من عدم الرضا أو الاستفزاز من الطرف الآخر، إلى جانب زواج الأقارب، أو ما يعرف في علم الاجتماع (بالزواج الداخلي) بأن يكون أحد الأطراف مجبراً على الزواج بالطرف الآخر، وهنا يفتقد الزواج لعامل العاطفة، ولا يوجد ميل نفسي.


الخروج من الأزمة


وحول الآثار المترتبة على الطلاق، أوضح أستاذ علم الاجتماع أن الفراق بين الزوجين يؤثر في وضع الأبناء، فقد وجدت الدراسات أن هنالك علاقة طردية بين حالات الطلاق عند زواج الأقارب، وتأثيره في مستوى التعليم لدى الأبناء، بحيث ينخفض التحصيل العلمي لديهم، وإن قضية الطلاق لا تقف عند الأسرة وإنما تمتد للمجتمع الذي يدفع تكلفة اقتصادية من خلال إيجاد مؤسسات مجتمعية تقوم بدور الإصلاح، مثل القضاء، والشرطة، والنيابة، والمؤسسة التربوية الأسرية التي تعمل على حل مشاكل الأزواج.
وأكد أن دولة الإمارات بذلت مجهودات كبيرة للحد من حالات الطلاق التي أثرت بشكل إيجابي في درجة الوعي لدى المجتمع الإماراتي من خلال الاهتمام ببناء أسرة سليمة، ووجود المؤسسات التي تقوم بالنصح والتوجيه، وبث الوعي عبر المحاضرات والندوات، وتهيئة المقبلين على الزواج في السنة الأولى، والتي من شأنها أن تخفض حالات الطلاق بصورة كبيرة ما ينعكس على استقرار الأسرة.
ودعا الدكتور السيد إلى ضرورة إجراء المزيد من البحث عن أسباب الطلاق وانفصال الأزواج والعمل على تقليل معدلات هذه الظاهرة، حفاظاً على الأسرة، والمجتمع، من خلال مناقشة اهتمامات الأسرة، وأولوياتها، وشؤون البيت، والشفافية، والمصلحة المشتركة، والعمل على حصر الاختلافات في أضيق نطاق بعيداً عن تدخلات الآخرين من أهل وأصدقاء في إيجاد الحلول، والعمل على عدم تقصير أي من طرفي الأسرة في حقوق وواجبات الطرف الآخر، وضرورة رفع الوعي لدى الزوجة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"