عادي
ذاكرة الأيام

حريق روما الكبير.. مغالطات تاريخية في حق نيرون

01:57 صباحا
قراءة 3 دقائق
إعداد: عبير حسين

تقف الذاكرة اليوم على أحد أهم الأحداث التاريخية، ليس فقط لرصدها، ولكن لتصحيح الفكرة الخاطئة الشائعة عنها، والتي ما زالت تتناقلها الأجيال من دون التحقق من صحتها. في مثل هذا اليوم من العام 64 ميلادية، اشتعل حريق روما الكبير الذي استمر 5 أيام، دمر خلالها ثلثي المدينة، حيث احترقت 3 أحياء بالكامل، وتضررت 7 أخرى من بين 14 حياً تشكل عاصمة الرومان، وعلى الرغم من أن السبب الحقيقي لاندلاع الحريق غير معروف بدقة حتى اليوم، فإن الأسطورة التي تداولتها الأجيال حمّلت الإمبراطور نيرون المسؤولية، وتحدثت عن عبثيته عندما وقف يغني بالقيثارة أشعاراً لهوميروس متفرجاً على مدينته وهي تحترق، يشوبها كثير من المغالطات التاريخية الكبرى.
تدحض شهادة «تاليتس» المؤرخ ورئيس قضاة الإمبراطورية الرومانية في كتابه التاريخي الشهير «الحوليات» تلك الشائعة عن نيرون، مؤكداً أنه كان موجوداً في مدينة «أنتيوم» وقت وقوع الحريق، وعاد على الفور إلى روما لتنظيم المساعدات للمتضررين منه، بل دفع أموالاً من ميزانيته الخاصة، وفتح قصوره للناجين من الحريق ووضع خطة تنمية جديدة للمدينة، بحيث لم تعد المنازل متلاصقة ببعضها، وأعيد بناؤها من حجارة القرميد، فضلاً عن توسعة الطرق. ويشير تاليتس في كتابه إلى أن نيرون بنى قصراً أسماه «دوموس أوريا» أو«البيت الذهبي» لتجميل المنطقة التي دمرها الحريق وزاد مساحة الحدائق المحيطة بالقصر لتصل إلى 1.2 كم مربع.
براءة «نيرون» من إشعال حريق روما، أو الغناء على الأطلال المحترقة، لا ينفى عنه سيرته المثيرة للجدل في حكم الامبراطورية الرومانية التي وصل إليها بدهاء ومكر والدته «أجريبينا»، واستمر فيه بالظلم على حساب الأبرياء وأولهم زوجته «أوكتافيا» بسبب طيشه وعدم قدرته على إدارة الصراعات السياسية التي اشتعلت في البلاد بسبب انغماسه في المجون، بعدما سيطر عليه وهم براعته في الغناء وعزف القيثارة والتمثيل.
وفي كتاب «الحوليات» يقول المؤرخ تاليتس عنه: «فشل نيرون في الساحة السياسية والعسكرية، وسيطرت عليه فكرة أنه كان بارعاً في الغناء والتمثيل.
فكان يخرج إلى اليونان ويطوف مدنها يحصد الجوائز في مجال التمثيل والغناء. جوائز لا يجرؤ لجان تحكيمها على انتقاده أو منح الجائزة الأولى لغيره في كل المجالات التي يتنافس فيها».
ويضيف تاليتس: «كان يسير في جيش من الممثلين والمغنيين يحملون أوسمته وجوائزه ويدخل بها إلى روما دخول الجيش المظفر العائد من ميدان المعركة، في هذا الوقت كان المجتمع ينظر للممثلين والمغنيين نظرة دونية باعتبارهم مهرجين يقومون بهذه الأعمال من أجل الكسب.
فكان الاحتقار هو السمة الأساسية التي يوصم بها الممثل عندما يفرغ من مسرحيته ثم يتوسل للجمهور ليصفق له. ومع إصرار نيرون على ممارسه التمثيل والغناء، زاد ذلك من حنق الشعب عليه».
بسبب انصراف «نيرون» عن شؤون البلاد وانغماسه في اللهو والتلذذ بالقتل وإراقة الدماء، نشبت الانقلابات والثورات ضده، تزعمتها في إيطاليا ملكة قبائل الإيكينين وتدعى «بوديكا»، وفي أرمينيا ألغيت الامتيازات المعطاة للنفوذ الروماني في المملكة.
ومع زيادة عدد الانقلابات ضده، خصوصاً بعد اتهام الشعب له بأنه المتسبب في حريق روما الكبير، وفشله في إدارة الأزمة تلو الأخرى، انصرف عنه أصدقاؤه وحاشيته ولم يجد بدا من الهروب من قصره إلى كوخ بعيد لأحد خدمه الذين بقوا معه. وهناك كان يبكي كثيراً على ما وصل إليه وتذكر أمه وقال إنها هي من جلبت عليه اللعنة. وظل مختبئاً حتى شعر بأصوات سنابك الجنود تحوم حول المكان، فما كان منه إلا أنه قرر أن يقتل نفسه لتتخلص روما من مجونه وجنونه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"