عادي
أفق

كتب ليست بريئة

03:58 صباحا
قراءة دقيقتين
كثيراً ما نتحدث عن الكتب وأهمية القراءة، وتبدو الجهود كبيرة لرفع مستويات القراءة في البلدان العربية، إضافة إلى تلك المبادرات التي لا تتوقف عن التجدد والتطور في سياق تيسير وصول الكتاب إلى القارئ، فلا يمضي عام إلا وولدت دار نشر جديدة، أو موقع إلكتروني، أو مؤسسة ترجمة، أو غيرها من هذه المبادرات الثقافية .
لا يبدو هذا الحراك إلا في إطار خدمة القارئ العربي، وتكريس مفهوم القراءة في حياته، وبالتالي إنتاج مجتمعات واعية قادرة على النهوض في بلدانها على مختلف الصعد، لكن المتعمق الدقيق، والعارف بكواليس عمليات النشر، وتسويق الكتاب يصاب بحالة من الذهول والحيرة أمام ما يجري في تلك الكواليس .
ما الذي يجري في تلك الكواليس؟ وهل القارئ هو الضحية؟ وهل يمكن أن يتحول الكتاب من كونه وعاءً معرفياً إلى تحريض قابل للانفجار في أي لحظة؟ وهل من شأن مئات وآلاف الكتب التي تصدر في العالم يومياً أن تنتج صراعات وخلافات؟
الإجابة عن هذه الأسئلة لا تحتاج إلا الجلوس مع أحد الناشرين الكبار في المشهد الثقافي العربي، جلسة من ذاك النوع الذي تنكشف فيه الأوراق كاملة وتفتح الملفات على مصراعيها على حقيقة ما يجري، فالناشرون هم العارفون القريبون من حقيقة النشر ودور النشر .
الإجابة عن كل تلك الأسئلة سيختزلها الناشر بقوله، أغلب ما يصدر في الوطن العربي صادر عن مؤسسات نشر ليست بريئة، وتابعة لمنظمات، وتوجهات فكرية، وسياسية، وأغلب دور النشر تحصل على تمويل من تلك المنظمات والمؤسسات التي تظهر بأشكال متعددة، منها مؤسسات تنمية المجتمعات، أو ما اصطلح عليه "منظمات المجتمع المدني" .
يروي أحد أصحاب دور النشر العربية، إنه خلال عمله في مهنة نشر، اكتشف أن للنشر في البلدان العربية نوعين، الأول تلك الدور الممولة من تنظيمات ومؤسسات لتسويق وخدمة توجهاتها السياسية والفكرية، وأخرى ملتزمة تعيش على ما تحصله من الكتّاب وما تبيعه في معارض الكتب .
ويوضح ذاك الناشر، أنه خلال عمله، عرضت عليه مبالغ مالية، ورعايات لإصدارته، مقابل أن ينخرط في توجهات إحدى الجهات التي بدورها تخدم جهات أكبر منها، لتتوسع الدائرة وتصبح خادمة لأجندة دول عظمى .
لا يتوقف الناشر عند ذلك بل يؤكد أن الكثير من الكتاب المنظرين والمفكرين، يعملون لصالح تلك الجهات، ويتم توجيههم لإصدار مؤلفات حول موضوعات بعينها، في مرحلة ما، وفي توقيت ما يتزامن مع الحراك الاجتماعي والسياسي للبلدان .
السؤال الذي لا يمكن تجاهله في ظل ما يجري في تلك العتمة، من يضع القارئ في ضوء الوعي، ومن يكشف له الغث من السمين، والموثوق من المشكوك فيه، وهل يكفي أن نقرأ، أم علينا أن نعرف، ماذا نختار، وكيف، ومتى؟


محمد أبو عرب
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"