عادي
«عاصمة النور» تعيش تجربة 11 سبتمبر

مسلمو فرنسا .. ضحايا في قائمة جرائم «داعش» بباريس

04:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد: عمار عوض

عندما ركل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الكرة في منتصف ملعب فرنسا الدولي، معلناً بداية المباراة الودية بين بلاده وألمانيا ليلة أمس الأول، لم يكن يدري أنه سيطلق بعد ساعات أقوى حرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي قام بست جرائم إرهابية ما بين إطلاق نار وتفجير في قلب العاصمة الفرنسية باريس، التي أظهر أهلها صبراً وجلداً على فقدان أرواح اكثر من 120 قتيلاً ومئات الجرحى. وكان أكبر عدد قتل في مسرح (باتاكلان).. حيث كانت فرقة «نسور الموت» تعزف وتغني للجمهور، لكن أعداء الحياة والإنسانية أرادوا أن يحولوا مدينة النور والثقافة مدينة تموج بالدماء والظلام. وكما قال الرئيس هولاند في كلمته، التي أطلق من خلالها «حرباً بلا رحمة» على الإرهابيين، إن الحضارة والإنسانية ستنتصران على أعداء الحياة من الإرهابيين في النهاية.
كان أول القرارات التي اتخذها هولاند، بعد مغادرته ملعب المباراة إثر سماع أصوات التفجيرات قرب الملعب، الذي كان يتواجد فيه إلى جانب وزير الداخلية برنار كازنوف هو إعلان حالة الطوارئ في البلاد، والتي شرحتها صحيفة «لوموند» الفرنسية بأنها تعطي أجهزة الشرطة والأمن الحق في القبض على أي مشتبه فيه، وتفتيش أي مبنى دون إذن قضائي، وترحيل من تريد إلى خارج فرنسا، والعديد من الإجراءات الأخرى التي تطلق يد الأمن في فرنسا.
ويرى كثيرون أن يده مغلولة بفعل القوانين وتعقيداتها، وهو ما جعل صحيفة «وول استريت» تتوقع أن المدافعين عن حقوق الإنسان سيعارضون هذه الإجراءات، وعلقت بقولها في افتتاحيتها «لكن الحريات المدنية هي نتاج الأمن، وباريس تفتقر الآن إلى كليهما». كل ذلك يشير بوضوح إلى أن الأوضاع لن تكون كما كانت عليه في السابق، ليس في فرنسا وحدها لكن في العالم أجمع بحسب افتتاحية «الغارديان»، التي اعتبرت هجمات باريس نقطة تحول كبرى في العالم، وتشبه إلى حد كبير ما حدث بعد 11 سبتمبر/أيلول.
وبحسب قانون الطوارئ الذي أعلن في باريس، وبناء على تبني تنظيم «داعش» الإرهابي لهذا العمل الجبان، فإن ذلك سينعكس بالضرورة على حياة المسلمين والعرب معاً، بفرنسا في ظل حالة الغضب التي تعتري المجتمع جراء الحادث، وهو ما يظهر في ثنايا الكلمة التي ألقاها هولاند عقب الهجمات، والتي خلت من أي إشارة إلى التفريق بين المسلمين والإرهابيين، بعكس ما جاء في كلمته عقب أحداث اقتحام مجلة «شارلي إيبدو» التي دعا فيها الشعب الفرنسي لعدم إيذاء المسلمين جراء أفعال الإرهابيين، وهو الأمر الذي سيلقي على المسلمين الفرنسيين الكثير من الجهد لاستعادة صورتهم التي خربّها الإرهاب.

«شنغن» أول الضحايا

القادمون إلى فرنسا من الأجانب أيضاً سيواجهون الكثير من المتاعب والتي بدأت بإعلان باريس تعليق العمل بتأشيرة شنغن، التي تتيح للأجانب التجول في دول الاتحاد الأوروبي، ولكن بهذا التعليق الذي استثنت منه فرنسا مواطني الدول الأوروبية الأخرى، صار من الصعب على الأجانب من الجنسيات غير الأوروبية دخول فرنسا في الأيام المقبلة، مهما كانت دواعي السفر، صحيح أن الداخلية الفرنسية قالت إن تعليق العمل بشنغن يأتي ضمن التدابير الأمنية التي تتخذها البلاد لاستضافة قمة التغير المناخي، التي سيحضرها زعماء من عدة دول، والتي ستبدأ فعالياتها في 30 من الشهر الجاري في العاصمة باريس. وبحسب تصريح أدلى به لقناة (BMC)، وزير الداخلية الفرنسي كازنوف، الذي أكد من خلاله أن السلطات الفرنسية، ستقوم بعمليات تفتيش في البوابات الحدودية لمدة شهر كامل، وستوقف العمل باتفاقية «شنغن»، لكن من غير الواضح إلى الآن هل ستعود باريس في وقت سريع لتأشيرة شنغن بعد القمة، أم أنها ستحتاج لوقت أطول لتريب بيتها الداخلي.

ليسوا هواة

رغم أن السلطات الفرنسية لم تعلن على الفور هوية المهاجمين، لكن الصحف الفرنسية أشارت بحسب رواية الشهود إلى أن الإرهابيين كانوا يتحدثون الفرنسية بطلاقة، وأنهم جميعاً يظهر عليهم أنهم صغار في السن، وأن اثنين منهم تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 عاماً، وأوردت الصحف بحسب لصيقين بالتحقيق أن أحد الإرهابيين الذين قتلوا وجد معه جواز سفر سوري، وأشارت إلى أن المهاجمين تعمدوا فيما يبدو وضع جواز سفر سوري على جثة أحد الضحايا بالقرب من ملعب كرة القدم. وقال وزير في الحكومة اليونانية بحسب «بي بي سي» إن المهاجم صاحب جواز السفر السوري جاء عبر اليونان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في الوقت الذي نقل فيه مراسل «بي. بي. سي» فرانك غاردنر عن مصادر في الحكومة البريطانية أن منفذي هجوم باريس أعضاء في خلية سافرت من قبل إلى سوريا.
ووصف الناجون من حادثة المسرح المهاجمين بأنهم كانوا يرتدون لباساً أسود كاملاً، ويقول الطبيب النفسي الدنماركي كلورف لصحيفة الغارديان بوصفه شاهد عيان على عملية فتح النار من قبل إرهابي على مقهى في شارع دي لافونتين «كان يقف بشكل احترافي وهو يطلق النار، كانت ساقه اليمنى إلى الأمام، وساقه اليسرى إلى الخلف، كانت جميع ملابسه ضيقه وسوداء بما في ذلك الحذاء، وإذا كنت تفكر في أنه يبدو كجندي مقاتل فهو كذلك، فشكله جندي من دون حزام».. هذا الوصف فتح الباب كبيراً أمام هوية المنفذين والاحترافية التي بدوا عليها؛ هل هم أتوا وتدربوا داخل فرنسا أم قدموا من الخارج؟ وكان المحلل السياسي لصحيفة «ديلي تلغراف» جونسون بروك علق على ذلك بأن الهجمات القليلة التي تمت في السنوات الأخيرة من قبل من يصنفون تحت اسم «الذئاب المنفردة» بمعنى الأشخاص المتأثرين بالأفكار الإرهابية، لكن هجماتهم طابعها غير احترافي «هواة» مثل محمد مراح الذي قتل سبعة أشخاص في تولوز، أو مهدي الذي قتل بعض رواد معبد يهودي في بروكسل وقال: «لكن هذا النوع من التنسيق والإعداد والموارد اللازمة لعملية مثل تلك التي شوهدت يوم الجمعة من غير المرجح أن يكون عمل للهواة وحدهم»، ورغم أن الرئيس هولاند لم يحدد الإرهابيين إلّا أنه أقر بأنهم تلقوا مساعدة من داخل فرنسا.
وتجدر الإشارة إلى أن تقريراً صدر من مجلس الشيوخ في شهر إبريل/نيسان خلص إلى أن من جملة 3000 من الأوروبيين يقاتلون إلى جانب «داعش» في سوريا، منهم 1430 فرنسياً. ورغم أن التقرير يشير إلى أن 150 من المتطرفين يقضون عقوبة السجن في فرنسا لكن المثير للقلق، بحسب التقرير، هو أن 200 من الإرهابيين الذين قضوا وقتاً طويلاً في المناطق التي تسيطر عليها «داعش» عادوا إلى فرنسا في الفترة السابقة. وكانت صحيفة «ديلي تليغراف» نوهت عبر مقالة إلى توفر الأسلحة في فرنسا بعكس الدول الأوروبية الأخرى نسبة لحدودها شبه المفتوحة، إضافة إلى أنها تقاتل الإرهابيين بشراسة على نطاق العالم، ولديها أكبر عدد من المواطنين المسلمين في أوروبا، وهي أكثر المجتمعات انقساماً، وهذا ما يجعلها عرضة للهجمات الإرهابية المتكررة.
الهجوم الدامي الذي وقع في باريس سيلقي بظلاله على الانتخابات المنتظرة في فرنسا، ونجد أن اليمينية المتطرفة ماري لوبان التي سخرت في تصريحاتها من الرئيس هولاند معتبرة ردة فعله ضعيفة جداً في محاولة لاستثمار الحدث على ضوء الانتخابات المرتقبة في 16 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وكتبت على تويتر «يجب أن تباد الأصولية الإسلامية وتغلق المساجد التي تدعو إلى التطرف، ويطرد الأئمة المتشددون»، وسط ترجيح بارتفاع أسهم حزبها في استطلاعات الرأي. ويقول رجل الأعمال الفرنسي المعتدل لورانس بغت: «بالطبع لوبان هي في طريقها للاستفادة من هذا، والآن نشهد بعضاً من خطابها السياسي في أرض الواقع مثل قرار إغلاق الحدود، وزيادة إجراءات الأمن»، لكن مع هذا وجه لورانس انتقادات حادة للسلطات الفرنسية لفشلها في رصد الإرهابيين والمتطرفين المحليين المعروفين للمسؤولين الأمنيين، الذين خفضوا درجة الأمن الفرنسي بعد هجمات شارلي إيبدو واستفاد الإرهابيون من ذلك، بحسب رأي بغت.
وبعكس اليمينية لوبان أظهر الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي يتأهب لدخول الانتخابات المقبلة، قدراً من التعاطف والتوحد مع خصمه الرئيس الحالي فرانسوا هولاند. وقال ساركوزي في خطابه عن الواقعة: «سياستنا العامة يجب أن تتوحد لأننا في حرب أعلنها الإرهابيون علينا. ويجب على بلدنا ألا يتراجع، وعلينا أن نبعث برسائل تظهر كيف أن شعبنا مصمم على هزيمة الهمجية، وأن هذه الحرب يجب أن توحدنا وأن نضع في الاعتبار خطورة الوضع الحالي وألا شيء يمكن أن يعود كما كان في السابق».

وقول ساركوزي إن الأمور لن تعود كما السابق فيه صحة كبيرة، خاصة عندما يمضي الناخبون إلى صناديق الاقتراع، وأن اليمين الفرنسي ستعلو أسهمه، وأن حزب هولاند الاشتراكي سيعاني كثيراً ليثبت للفرنسيين أن سياساته كانت ناجحة في الحفاظ على الأمن، وهو ما سيواجه فيه صعوبة كبيرة لإقناعهم بذلك، في ظل ثلاثة أحداث دامية قتل فيها كثيرون خلال عام واحد في عاصمة النور باريس.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"