عادي

بداية عصر «لاجئي المناخ»

02:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
روبيرت هونزيكر

مسألة التغير المناخي/احترار الأرض هو أحد أقوى عوامل التغيير السياسي والاقتصادي في التاريخ.
في الآونة الأخيرة، تدفقت نحو أوروبا موجات لاجئين فروا من حروب الشرق الأوسط وآخرين هربوا من انهيار النظام البيئي إلى الجنوب من البحر المتوسط. وتأثيرات موجات اللاجئين كانت كبيرة، وقد شملت «بريكسيت» (تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي)، وانتشار الإسلاموفوبيا عبر العالم الغربي، وظهور ردود فعل ذات أبعاد سياسية شملت العداوة، والكره، والتشاحن.
والتغير المناخي يثير الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية المرتبطة مباشرة بتشرد ونزوح ملايين الناس.
ورغم كل ذلك، مشكلة الهجرة الضخمة إلى أوروبا اليوم ليست سوى صورة مصغرة لما سيشهده المستقبل من تحول ملايين إثر ملايين من الناس إلى لاجئي مناخ. ومن غير الممكن أن نتوقع اليوم ما سيكون عليه العالم في المستقبل نتيجة لتزايد حرارة الأرض، وارتفاع مستويات البحار، وزحف التصحر، وتفاقم الجفاف، وتفجر الكثير من الاحتكاك بين ملايين من الناس.
وحديثاً، أقرت وزارة الإسكان والتنمية الحضرية الأمريكية أول مخصصات مالية في التاريخ للاجئي المناخ، إذ رصدت 48 مليون دولار لجزيرة جان شارل الصغيرة في جنوب ولاية لويزيانا، وذلك في إطار مخصصات بلغ مجموعها مليار دولار ستوزع على 13 ولاية أمريكية من أجل بناء سدود، وحواجز لمنع الفيضانات، وشبكات صرف مياه. وكل هذه المخصصات تستهدف معالجة مشكلات تغير مناخي من صنع الإنسان.
والمخصصات لجزيرة جان شارل هي أول اعتماد أموال من أجل نقل مجموعة بشرية بأكملها من لاجئي المناخ. ففي خمسينات القرن الماضي، كانت الجزيرة تمتد بطول 17.7 كلم وعرض 8.4 كلم. أما اليوم، فقد أصبحت بطول 6.4 كلم وعرض 3.2 كلم. وهذا اقتضى نقل السكان إلى مكان آخر أكثر ارتفاعاً.
وحسب مارين فرانك، مديرة دائرة التغير المناخي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن «شخصاً واحداً في العالم ينزح كل ثانية نتيجة لكارثة طبيعية. هذه أرقام ضخمة».
وفي الواقع، أخذ لاجئو المناخ يصبحون ظاهرة عالمية ذات أبعاد هائلة. وهذا يطرح سؤالاً طارئاً: إلى أين سيذهب 50 مليون لاجئ في السنوات العشر المقبلة؟ هل سيتشردون في الأرياف مثل عصابات الهيامين في العصور الوسطى التي كانت تغير على قلاع النبلاء؟ وحسب الباحث في جامعة كولومبيا الدكتور جيمس هانسن، فإن موجات الحر والجفاف الناجمة عن الاحترار المناخي أصبحت تغطي الآن 10% من مساحات البر في العالم، مقارنة مع 0.02% فقط قبل 50 سنة. وهذا سيتسبب في النهاية بحركات نزوح هائلة للاجئي المناخ.
ويعتقد على نطاق واسع أن جفافاً مستفحلاً في سوريا خلال سنوات 2007 - 2010 تسبب بنزوح 1.5 مليون شخص من الأرياف إلى المدن بحثاً عن الغذاء والعمل، وأن ذلك لعب دوراً في تفجير الحرب الأهلية السورية.
وفي الصين، أصبح 20% من مساحة البلاد صحراوياً أو شبه صحراوي الآن، والتصحر يتمدد بمعدل 3367 كيلومتراً مربعاً سنوياً. وقد قامت الحكومة الصينية مؤخراً بإعادة توطين 30 ألف شخص اعتبروا «لاجئين بيئيين».
وفي ولاية آلاسكا الأمريكية، أصبحت الفيضانات وتآكل السواحل نتيجة لتأثيرات التغير المناخي تؤثر حتى الآن في حياة سكان أكثر من 180 قرية. وفي السنوات المقبلة، سوف ينزح آلاف إثر آلاف من سكان السواحل إلى عمق الولاية.
واليوم، تشكل ألمانيا مثالاً على التأثيرات السياسية للهجرة. فبعد سنة من قرار المستشارة آنجيلا ميركل فتح أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين، تراجعت شعبيتها إلى درجة أنها أصبحت تكافح الآن من أجل البقاء السياسي.
وفي المجر، رفض رئيس الوزراء فكتور أوربان فتح الأبواب أمام المهاجرين، وأعلن «حرباً على بروكسل» رافضاً ضغوط الاتحاد الأوروبي لكي تستقبل بلاده لاجئين.
إن السؤال «إلى أين سيذهب 50 مليون لاجئ في السنوات العشر المقبلة» هو سؤال ملح اليوم، ولكن إذا تحققت توقعات العلماء بتفاقم موجات الجفاف وارتفاع مستويات البحار، فأين سيجد 200 أو 500 مليون لاجئ مناخ، أو حتى مليار لاجئ مناخ، المأوى والغذاء؟

كاتب ومدون يقيم في لوس أنجلوس - موقع «كاونتر بانش»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"