عادي

واسيني الأعرج: الحقيقة الأدبية لا تموت

05:17 صباحا
قراءة 5 دقائق

واسيني الأعرج روائي جزائري من طراز خاص عالمه الروائي والقصصي مغلف بلغة شاعرية رفيعة قادرة على التصوير والتجسيد، تسهم في رسم الشخصيات المحتشدة بالحياة والحافلة بالتناقض المفضي إلى السخرية .

يتبادل الأعرج الإقامة بين باريس والجزائر حيث يعمل أستاذاً بكرسي جامعة الجزائر المركزية وأستاذاً بجامعة السوربون، أصدر 17 عملاً روائياً منها: البوابة الزرقاء، نور اللوز، أحلام مريم الوديعة، سيدة المقام، طوق الياسمين، كتاب الأمير، وثمانية كتب نقدية منها: اتجاهات الرواية العربية في الجزائر، الجذور التاريخية للواقعية في الرواية، ديوان الحداثة .

حصل على العديد من الجوائز الأدبية منها: جائزة الرواية الجزائرية ،2001 وجائزة قطر للرواية العالمية ،2006 وجائزة الشيخ زايد 2007 .

* الأنثى السراب هو عنوان روايتك الأخيرة حدثنا عن الأجواء الإبداعية والتجربة التي تطرحها الرواية؟

الرواية تعتمد على مجموعة من العناصر الخارجية تشي بأنها سيرة ذاتية للكاتب، ولاسيما أن الرواي يحمل اسم الكاتب، والكاتب يعتقد أنها حيلة أدبية لتمرير سيرته الذاتية، وهذا القول فيه شيء من الصحة، لكني طرحت إشكالية الكتابة والمسافة الفاصلة بين ما يكتبه المبدع وبين الواقع المعاش، بمعنى: هل كل ما يحكيه الكاتب هو حقيقة موضوعه؟ بالطبع لا لأن الكتابة الروائية لها فرادة خاصة حيث تصبح هاجساً لمستقبل علاقة الذات بالمجتمع بالأيديولوجيا بالسياسة . وهناك شخصية محورية ليلى التي تسعى إلى التخلص من شخصية مريم التي تسيطر على روح الكاتب بالقتل، لكنها في النهاية تنتحر، وهذا غير مستحب أن يقتل الكاتب شخصية روائية لأن الحقيقة الأدبية هي الخالدة الباقية بينما الحقيقة البشرية تموت وتندثر، والذات الإنسانية تموت لكن الحقيقة الإبداعية لا تقبر . ونحن لا نهتم بالكتّاب ولا المبدعين كأشخاص ولكن يعنينا تراثهم الأدبي والإبداعي الذي تركوه لنا .

* ما الذي دفعك لتسريب جزء من سيرتك الأدبية الآن في روايتك؟

الإحساس بأن حياتي فيها ما يستحق أن يقدم للقارئ، حيث هناك أحداث كثيرة ولافتة تستحق التوقف أمامها وتأملها مثل تجربة المرض، كما أنني غير راضٍ عن كتابة السير الذاتية في الوطن العربي التي لا ترقى إلى مستوى السير الذاتية الغربية .

* ما أثر الاغتراب في أعمالك؟

لا أشعر بالغربة لأنني أعمل أستاذاً في جامعتي السوربون والجزائر بالتناوب أسبوعياً، ولا أشعر بالغربة طالما أكتب وأعبر وأترجم أعمالي، ولي جمهوري من القراء وأعمالي تترجم إلى الفرنسية فمن أين تأتي الغربة؟ الغربة تأتي عندما يعيش الإنسان منكمشاً، فأنا أرفض مبدأ الجيتو وأؤمن بالجانب الإنساني، ولابد أن ننفتح على العالم في زمن العولمة التي هي النظر إلى العالم ككل على أنه وحدة واحدة، ومعالجة ما هو مشترك بين مختلف البيئات والمجتمعات من منظور واحد، فمثلا مشكلة التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة الكون لابد أن تعالج هذه المشكلة بالنظر إلى العالم كوحدة واحدة لأننا لو عالجنا المشكلة في مكان وتركناها في مكان آخر ستظل قائمة وتنتقل إلى بقية الأرجاء .

* كيف ترى العولمة الثقافية؟

لابد من تجاوز مشكلة الأنا والآخر لأن الأنا جزء من تكوين آتٍ من الآخر، وماهية الأنا لا تتحدد إلا بعلاقته مع الآخر . . باختصار ليس هناك أنا بمعزل عن الآخر . . فإذا كنا نقصد الغرب، فالغرب يزداد اعترافا يوما بعد يوم بفضل الثقافة العربية عليه في الميدانين العلمي والأدبي عندما خطا خطواته الكبرى في بداية العصر الحديث، وإذا كنا نقصد بالأنا الثقافة العربية فهي داخلة في ثقافة الآخر ذات الطابع النهضوي، فالثقافة بطبيعتها أخذ وعطاء وتبادل مع الثقافات والمجتمعات الأخرى، ومن يعتقد أنه يستطيع أن يكتفي بذاته في مجال الثقافة فهو واهم لأن ثقافة أي مجتمع لا تنضج إلا بعد تكامل وتلاقٍ مع الثقافات الأخرى .

* أنت كثير التنقل والأسفار . . هذا التنقل ماذا أفادك؟

التنقل هو نوع من الحرية لأن كل الأمكنة أمكنتي، أشعر بأن هذه المدن تنتمي إلي وأنتمي إليها وكتبت روايات: طوب الياسمين، شرفات بحر الشمال، سوناتا، لأشباح القدس، في هذا السياق فأنت ترتبط بالمكان بحيث يصبح جزءاً منك، واللغة تختلف والعادات تختلف، لكن في الوقت نفسه أنا ابن هذا العصر وقد تضع نفسك في زاوية بكائية تندب العالم المتخلف الذي تنتمي إليه روحيا وحضاريا، لهذا أقول إن مفهوم الغرب زئبقي . أنا غريب بالقياس إلى التخلف لكني لست غريباً بالنسبة لهويتي أو قريتي أو طفولتي، أنا غريب عن مجتمع لكني ليست غريبا عن عصر أنتمي إليه .

* لماذا اخترت دبي لكي تطبع فيها روايتك أنثى السراب؟

إن مشروع كتاب دبي الثقافي طموح ويثري الحياة الثقافية العربية بإبداعات متميزة في كافة المجالات الإبداعية، وعندما انتهيت من كتابة الرواية نصحني العديد من الأصدقاء بطبعها في هذه السلسلة وأعطيتهم الرواية من دون تردد، فالرواية تتجاوز 400 صفحة وصدرت في طباعة فاخرة وأنيقة بسعر رمزي متاح للجميع، وهذا كرم كبير ولم يحذف منها كلمة واحدة رغم احتوائها على موضوعات حساسة، واحترمت هذا الجانب لكنها تستحق أن تناقش أدبيا، واستقبل القراء الرواية بشكل جيد حيث وصلت إلى أكبر عدد ممكن من القراء العرب في بيوتهم .

* لمن يقرأ واسيني الأعرج؟

أقرأ نصوصاً شعبية، وأذهب إلى النصوص التي أرى أنها تهمني كثيراً، يوجد نصوص تفرضها عليك وسائل الإعلام لأنه كتب عنها الكثير وأخذت جوائز فأنجذب إليها كلحظة أولى من دون موقف مسبق، وعندما أقرأ العمل أكتشف أنه إما يستحق الاهتمام أو كان مضيعة للوقت، أنا مشغول حاليا بالكاتب ماروكو موراكامي، أقرأ بالفرنسية روايته متسابق المزمار بالإضافة إلى نصوص كافكا، ويتناول موراكامي مشكلة اليابان اليوم وحيرتها بين مفهوم المدينة الحديثة ومفهوم الأصالة اليابانية، وكيف أكلت المدينة الحديثة كل ما هو أصيل في اليابان، وقد انتحر صديقه الكاتب الياباني مشيما لأنه لم يستطع أن يفهم أن اليابان امبراطورية قد انتهت وأصبحت تابعة للغرب وانتقلت إليها مشكلات العصر بكاملها كالفساد والقتل والرشوة والجريمة، وهذا ينطبق على الوطن العربي الذي يعيش حالة تمزق، وللأسف نحن قتلنا المجتمع العربي القديم ولم نخلق مجتمعاً حديثاً . . والقرى أصبحت مدناً كبرى لكنها متخلفة ومتشابهة . . وأقرأ نصوصاً عربية جميلة، وهناك طفرة ملحوظة في الأدب الخليجي، يرصد التحولات الداخلية وعلاقتنا بالعالم الخارجي، وتعجبني كتابات الروائيات السعوديات مثل سمر المقرن وزينب حفني ورجاء الصانع، وفي البحرين هناك كاتبات جريئات مثل فوزية رشيد، وفي الكويت هناك ليلى العثمان وفوزية الشويش .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"