عادي
«الصحة» تعهّد خدمات غسل الكلى لشركات متخصصة

مرضى الفشل الكلوي.. معاناة الألم والتكاليف

03:55 صباحا
قراءة 9 دقائق
عايدة عبد الحميد

يعتبر مرضى الفشل الكلوي المزمن الأكثر تعرضا لتغيرات في حياتهم الاجتماعية والنفسية، نتيجة وضعهم الصحي، ومعاناتهم المستمرة مع أجهزة التنقية الدموية، فضلاً عن الكلفة الاقتصادية التي تنجم عن التغيب أو الانقطاع عن العمل، وفي السياق نفسه أكد مسؤولو الجهات الصحية أنّ معاناة هؤلاء المرضى تزداد يومياً بزيادة أعدادهم، ما يتطلب المزيد من الجهود لاحتواء مشكلتهم، ولفتوا إلى أن المستشفيات لم تعد تتحمل، من الناحية التقنية، تزايد عدد المصابين بالفشل الكلوي بسبب ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السكري الذي يعانيه أكثر من 19% من السكان في الدولة.
وحذر أطباء خلال حديثهم ل«الخليج» ضمن هذا التحقيق أن الإصابات تكون باعتلال الكلى بسبب الاضطرابات التي ترتبط مع مرض السكري، ومن أهمها إصابة الأوعية الدموية الصغيرة في الكليتين، واختلال وظيفة تصفية الدم من الشوائب، وتدهور وظائف الكلى التي تتطور إلى الفشل الكلوي الكامل، وطالبوا بإنشاء مراكز متخصصة، ومتكاملة تقدم للمرضى الرعاية الكاملة وتجنيبهم مشقة المعاناة والانتقال من قسم إلى آخر لإجراء التحاليل والفحوص المطلوبة لهم شهرياً، لتجنيبهم مشقة التنقل والانتظار ساعات طويلة.
بدورها، أكدت وزارة الصحة ووقاية المجتمع أنها ستعلن قريباً جداً عن تعهيد خدمات غسل الكلى في المستشفيات التابعة لها لإحدى الشركات المتخصصة، مشيرة إلى أن تعهيد خدمات غسل الكلى لشركات متخصصة سيكون في مصلحة المريض من الناحية الأولى، وفي مصلحة الوزارة أيضاً.
خلال حديثهم ل«الخليج» طالب عدد من الحالات في المستشفيات بالدولة بالمساعدة لعلاجهم، حيث تختلف المعاناة من مريض إلى آخر، ومنهم محمد نور الدين الذي قال: حالتي المرضية متعددة، فأنا مصاب بالفشل الكلوي، وأيضاً بداء السكر، وارتفاع ضغط الدم، وخضعت لتغيير الشريان الوريدي، ولا شك في أن توقفي عن جلسات تنقية الدم ساهم في إصابتي بهذه الأمراض كافة، وأتمنى أيجاد حل عاجل لمشكلة الغسل الكلوي.
الفشل الكلوي لا يستثني أحداً، ولسان حال علي ناصر يصفه هنا ويقول: أعمل سائقاً، ولا أمتلك تكلفة هذا العلاج، أناشد عبركم الجهات المختصة بالدولة للنظر في قضيتنا، نحن مرضى الفشل الكلوي، نعيش مأساة تتطلب حلاً جذرياً عاجلاً.
وتشير حالة عمر عبيد، أحد المصابين بهذا المرض، إلى أنه يقوم بجلسات متقطعة حسب ما تجود به الأيادي البيضاء من الجهات الخيرية في الدولة، وشرح: إن هذا المرض الذي أصابه منذ أربعة أعوام غيّر حياته وحياة أسرته وأطفاله، إلا أن الإيمان بقضاء الله وقدره كان، وما زال، هو الدافع لمواجهة واقع المعاناة الحالية، وأضاف: أحياناً أتوقف أكثر من شهر عن العلاج، وهذا الأمر يساهم في تدهور حالتي الصحية ما يجعلني مكتئباً، كما أنني فقدت عملي بسبب المرض.

توعية المجتمع

وزارة الصحة ووقاية المجتمع ممثلة في منطقة الشارقة الطبية، تسعى إلى تحقيق استراتيجية الوزارة بالوقاية من الأمراض عبر التركيز على توعية المجتمع بأخطار الأمراض المزمنة، وعلى رأسها «أمراض الكلى، وآليات الوقاية منها، والتخفيف من آثارها»، هذا ما أشار إليه محمد عبد الله الزرعوني مدير منطقة الشارقة الطبية، وأضاف أن التطور الكبير الذي يشهده علاج أمراض الكلى، يدعو للتفاؤل، ويعطي فرصة كبيرة للمرضى للعيش من دون معاناة».
وقال إن علاج مرضى الكلى وخدمتهم تحظى باهتمام كبير من قبل وزارة الصحة ووقاية المجتمع، والمنطقة، بتوفير وتشييد وحدات لغسل الكلى في عدد من المستشفيات في الإمارة، لخدمة مرضى الفشل الكلوي من السكان، ضمن استراتيجية الوزارة لتوفير خدمات صحية متميزة لجميع سكان الدولة، وتنفيذاً لتوجهات القيادة التي تؤكد أهمية توفير الرعاية الصحية والارتقاء بالخدمات المختلفة في القطاع الصحي وضرورة توصيلها إلى جميع السكان في مختلف المناطق.

فحوص دورية

ودعا محمد عبد الله الزرعوني، إلى نشر مزيد من الوعي حول أمراض الكلى، وإجراء فحوص دورية للكشف عنها، قبل الإصابة بهذا المرض الذي يتطلب علاجاً يستغرق وقتاً طويلاً، إذ يترتب على مريض الفشل الكلوي الخضوع لغسل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً، لمدة أربع إلى خمس ساعات، وقال إن هناك علاقة تربط بين الإصابة بالفشل الكلوي وهبوط وظائف القلب، فيما شدد على ضرورة ضبط ضغط الدم، الذي يؤدي، بدوره، إلى هبوط وظائف القلب، وتدهور حالة الكلى، موضحاً أن الفشل الكلوي من الأمراض التي تترك تأثيراً سلبياً في حياة الفرد والمجتمع، لما لها من تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، وأن التحدي الأكبر في مواجهة أمراض الكلى يتجسد في الوقاية منها، حيث إن تكلفة الإصابة بأمراض الكلى لا تقع على كاهل المريض فقط، بل تتجاوزها إلى التكاليف الاقتصادية، التي تتحملها الدول بصفة عامة.

مركز متخصص

هناك جهود كبيرة تبذل لتقديم العلاج اللازم للحالات المستحقة، هذا ما أشار إليه د. حارث مثنى الجبوري، استشاري أمراض وزراعة الكلي في المستشفى القاسمي بالشارقة، وقال: يبلغ عدد جلسات الغسل الكلوي التي تمت خلال العام المنصرم 21 ألفاً و500 غسلة، قدمت ل165 مريضاً، بأعمار وجنسيات مختلفة، منهم 68 من مواطني الدولة.
وبيَّن أنه نظراً لارتفاع نسبة الإصابة بمرض السكري ترتفع نسبة الإصابة بالفشل الكلوي، حيث إن 50% من مرضى الفشل الكلوي في الدولة مصابون بالسكري، وقال إنه يتم اكتشاف حالة فشل كلوي حاد جديدة شهرياً في مستشفى القاسمي، وإن من بين الحالات يوجد عدد من الأطفال. إضافة إلى عدد من الحالات أيضاً يقومون بعملية الغسل بأنفسهم داخل منازلهم، وهي عملية تسمى ب«غسل البريتوني»، من خلال وسائل وتقنيات حديثة في الغسل الكلوي عبر جهاز يتم من خلاله استخدام أنبوب يسهل من عملية الغسل، وتم تدريب الحالات على استخدامه والتعامل معه، ما يسهل عليهم عملية الغسل وبالتالي التقليل من تردد الحالات على المستشفى.
وأشار إلى أن هناك 25 مريضاً يقومون بغسل الكلى في المنازل بعد قيامهم بشراء الأجهزة الخاصة بذلك، ويتابعون شهرياً للتأكد من عدم حدوث مضاعفات، الأمر الذي وفر عليهم مشقة الانتقال والانتظار في المستشفى، وأن بعض المراجعين يقومون بغسلتين إلى ثلاث بصورة أسبوعية، وبالتالي، فإن عدد الذين يقومون بعملية الغسل اليومية يصل إلى 70 حالة. وبين أن مريض الفشل الكلوي يحتاج إلى 3 غسلات أسبوعياً، وكل غسلة تحتاج إلى 4 ساعات، ما يعني أن المريض يحتاج إلى 12 ساعة أسبوعياً و52 جلسة في العام.
ونصح مرضى السكري بضرورة إجراء فحص شامل لوظائف الكلى كل 6 أشهر، لتجنب حدوث الفشل التام، لافتاً إلى أن هناك أدوية جديدة وفعالة لعلاج المرض في مراحله الأولى، كما أوصى مرضى السكري بضرورة المحافظة على مستوى السكر في الدم لتجنب مشاكل الكلى، خاصة أن السكري يعتبر العدو الأول للكلى.
وشرح أن الفشل الكلوي يعني توقّف عمل الكلى تماماً، حيث تقوم الكليتان بتنقية الدم، وتوفير البيئة السليمة لأعضاء الجسم وخلاياه، وإفراز بعض الهرمونات المهمّة، ولسبب من الأسباب قد تفقد كلية واحدة، أو كلتاهما، هذه القدرة على تصفية الدم وإفراز الهرمونات ما يؤدّي إلى احتباس السوائل في الجسم، والإصابة بفقر الدم المزمن، واضطرابات في ضربات القلب، وأضرار جسيمة في الجهاز العصبي، وسهولة حدوث الكسور في العظام.

القاتل الصامت

يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي في مستشفى الجامعة بالشارقة حالياً 33 مريضاً، بحسب حديث د. عدنان قلة، استشاري أمراض الكلى،
في المستشفى ل«الخليج»، وأضاف أن هناك تسعة أجهزة غسل كلى، وسيتم توفير خمسة أجهزة إضافية قريباً نظراً لازدياد أعداد المرضى، ضمن جهود المستشفى للتسهيل عليهم، وتوفير العلاج اللازم لهم بأسرع الطرق.
وحول آلية عمل العيادات، أشار إلى أنها تعمل على توفير غسل الكلى على مدار ستة أيام أسبوعياً، من خلال أفراد الكادر الطبي، وهم كالتالي (طبيبان، مختص واستشاري، إضافة إلى سبعة ممرضين، وسيتم توفير خمسة ممرضين إضافيين قريباً، ليصبح العدد الإجمالي 12 ممرضاً).
وعن الأسباب الرئيسية للإصابة بالفشل الكلوي، أوضح د. قلة أن داء السكري يليه ارتفاع ضغط الدم، وهو المعروف ب«القاتل الصامت»، لصعوبة اكتشافه في مراحله المبكرة، ما يجعل الأطباء يحرصون على تقديم التوعية لأفراد المجتمع بضرورة الفحص الدوري لضغط الدم. يلي هذه الأسباب التهاب كُبيبات الكلى الذي كان المسبب الرئيسي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، قبل انتشار داء السكري الذي يعد السبب الرئيسي حالياً للفشل الكلوي التام بنسبة 40%، وأكياس الكلى الوراثية، وحصى الكلى، والتهاب المجرى البولي، واستهلاك أدوية آلام المفاصل، والإفراط في تناول المضادات الحيوية.

عملية الغسل

وأشار إلى أن عملية الغسل الكلوي تتم، من خلال الجهاز الذي يحتوي على آلة خاصة بتجهيز السائل المناسب لتنظيف الدم، إضافة إلى منقٍ «فلتر» يقوم بتنقية الدم، وبذلك تتم عملية إزالة السموم من الدم المنقول من الجهاز إلى جسم المريض، وذكر أن هناك طريقتين لغسل الكلى في المنزل، الطريقة القديمة، هي جهاز غسل الكلى مثل الذي يوجد في المستشفى، فتعتبر هذه الطريقة صعبة نسبياً نظراً للمساحة التي يحتاجها الجهاز، أما الطريقة الحديثة، فتتمثل في جهاز صغير محمول يتيح للمريض القيام بعملية الغسل في العمل، أو البيت، أو الفندق، لوجود السائل في أكياس بجرعات معينة بمعدل خمسة لترات لكل غسلة، والاستخدام يكون بمعدل ستة أيام أسبوعياً، لكل يوم من ساعتين إلى ساعتين ونصف للمرضى المشغولين بالعمل، بغض النظر عن وقت استعمال الجهاز في اليوم، ويمكن القيام بعملية الغسل حسب وقت فراغ المريض، وهناك شركات توفر حالياً خدمة تركيب الجهاز للقيام بعملية الغسل للمرضى.
وأوصى بالوقاية من الفشل الكلوي، قائلاً: أولاً بالوقاية خاصة لمرضى السكري لأنه يعتبر المسبب الرئيسي للفشل الكلوي التام بنسبة 40%، وغالباً يصاب مريض السكر بالفشل الكلوي بعد مرور ما يقارب 25 عاماً من إصابته بداء السكري، وعلى ذلك يجب لمرضى هذا الداء متابعة السكر في الدم بشكل دوري ومنتظم، والالتزام بالحمية المتبعة من الطبيب وأخذ الأدوية المطلوبة بحرص.
من جهة أخرى، يجب على الإنسان محاربة السمنة بشتى أنواعها، والحد من تناول الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات والدهون وغيرها، والقيام بالتمارين الرياضية بشكل دائم والمحافظة عليها، مع تناول الطعام الصحي، واتباع العادات الصحية للحصول على أسلوب حياة خالٍ من المشكلات الصحية المستقبلية.

يوسف السركال: «التعهيد» يسهم في تطوير الخدمات وجودتها

قال الدكتور يوسف السركال، وكيل وزارة الصحة المساعد لقطاع المستشفيات في وزارة الصحة ووقاية المجتمع، إن وزارة الصحة ستعلن تعهيد خدمات غسل الكلى في المستشفيات التابعة لها لإحدى الشركات المتخصصة قريباً جداً، مشيراً إلى أن الوزارة في طور إرساء المشروع، لافتاً إلى أن تعهيد خدمات غسل الكلى لشركات متخصصة سيكون في مصلحة المريض من الناحية الأولى، وفي مصلحة الوزارة أيضاً. وأشار إلى أن وزارة الصحة، ومن خلال تجربتها السابقة في تعهيد خدمات الأشعة والمختبرات، ارتأت أن تعهيد خدمات الغسل الكلوي سيحسن نوعية الخدمات وجودتها التي تقدمها الوزارة للمرضى، وسيعمل على تمكين الوزارة من تطوير الخدمات الأخرى بشكل أسرع وأفضل.

الكشف المبكر

ناشد محمد عبد الله الزرعوني، الأخذ بمفهوم الوقاية خير من العلاج، أي الكشف المبكر عن أمراض الكلى في مراحلها المبكرة، ما يساهم في تأخير، أو منع تدهور وظائف الكلى تمهيداً للفشل الكلوي، والحد من عدد الأشخاص المصابين به، عن طريق السيطرة على العوامل ذات العلاقة بالإصابة، كالإصابة بداء السكري، و ارتفاع ضغط الدم، والعوامل المناعية، والسمنة، وأمراض المسالك البولية والحصى، من أهم أسباب الإصابة بأمراض الكلى، منوها بأهمية سرعة معالجة أي قصور كلوي تفادياً للإصابة بالفشل الكلوي، حيث يكتسب التشخيص المبكر والعلاج الفعال للمرض أهمية خاصة في التصدي لأمراض الكلى.

أرقام

قدّرت شعبة أمراض الكلى في جمعية الإمارات الطبية عدد المصابين بأمراض الكلى في الدولة ب2785، منهم 2500 مريض في الدولة يعيشون على الغسل الدموي، مقابل 285 مريضاً على الغسل البريتوني، وهو رقم قابل للزيادة في عام 2030؛ نظراً لارتفاع نسبة الإصابة بالمرض، وفي مقدمتها مرض السكري.

جهاز منزلي

يعد جهاز غسل الكلى المنزلي من أحدث التقنيات العالمية المستخدمة في غسل الكلى، وهو عبارة عن جهاز صغير متنقل ممكن أن يستخدمه المريض في المنزل، أو المكتب، أو مكان آخر لغسل الكلى بعد تلقي المريض التدريب الكافي بحيث يمكنه استخدامه ذاتياً من دون مساعدة، أو ممكن أن يتم بمساعدة ممرض، أو ممرضة، أو أي فرد من الأسرة، ولكن بعد أخذ موافقة الطبيب المعالج.
ولا يزال الفشل الكلوي من أكثر الأمراض تأثيراً في حياة المرضى نظراً لكونه يصحب المريض مدى الحياة، ويتطلب منه متابعة يومية وقضاء أوقات مديدة من عمره في أروقة يغسل دمه من الشوائب التي كانت تقوم بها الكليتان بشكل صامت، ومن دون ضوضاء.

576 ساعة سنوياً

يقضي مريض غسل الكلى من عمره 576 ساعة سنوياً في المستشفى لغسل الدم بمعدل 4 ساعات للجلسة الواحدة، ما يترك لديه أضراراً كبيرة نفسية واجتماعية، بحيث إن تكلفة الجلسة الواحدة تصل إلى نحو 700 درهم في المستشفيات الحكومية، وتصل بمجموعها إلى 100 ألف درهم سنوياً، وإذا كانت في المستشفيات الخاصة فالكلفة تتوقف على اسم المستشفى، ولكنها بالتأكيد تصل إلى ضعفين، إن لم يكن ثلاثة أضعاف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"