عادي
القصة حقيقية عن مأساة البريطاني دونالد كروهورست

«الرحمة».. مغامرة بحرية تفتقد التشويق

03:21 صباحا
قراءة 4 دقائق
مارلين سلوم

«مأخوذ عن قصة حقيقية»، هذه العبارة قادرة دائماً على لفت انتباه الجمهور وحثّه على الذهاب إلى الصالة لمشاهدة أي فيلم. القصص المبنية على حقائق تثير الفضول، لأن الإنسان بطبيعته يحب أن يعرف تفاصيل حكايات الآخرين، سواء ليتعلم منها أو ليفهم ما الذي حصل، خصوصاً أن هذه الأفلام تكون بلا شك مغمّسة بالتراجيديا وتخفي خلفها مأساة ما. «الرحمة» فيلم من هذه النوعية التي تثير فضولك لمشاهدتها، وتخرج منها متأثراً بالقصة أكثر من تأثرك بالفيلم.
ليست التجربة الأولى للمخرج جيمس مارش مع أفلام «السيرة الذاتية»، فهو من نجح في تقديم قصة ستيفن هوكينغ في الفيلم الرائع «نظرية كل شيء» عام 2014، والحائز على أوسكار عن الوثائقي «رجل فوق الأسلاك» 2009، إلا أنه هذه المرة لم ينجح في تقديم قصة البحار المغامر دونالد كروهورست بنفس درجة الإتقان والجودة، رغم ما تحمله هذه السيرة من تشويق ومغامرات. الكاتب سكوت بيرنز (مؤلف «ذا بورن ألتوميتوم» و«كونتاجيون»)، يتحمّل مسؤولية أكبر في نزع فتيل التشويق والحماس، من خلال تمهيده للنهاية وأسبابها منذ بداية الفيلم، ما أفقدنا متعة الانتظار والوصول إلى عمق التفاصيل المهمة.
من يذهب لمشاهدة قصة رجل الأعمال البريطاني دونالد كروهورست، الذي غامر بحياته وبكل ما يملك من أجل اللحاق بهوايته في الإبحار وحيداً حول العالم، ودخول منافسة صعبة لأكثر من ستة أشهر، فإنما يذهب لمعرفة تفاصيل خفية غير تلك المعروفة والتي قرأها عبر الإنترنت، أو في الصحف. يذهب ليكتشف لماذا سمحت زوجته كلير وابنه البكر جايمس بتقديم سيرة الزوج والأب الذي شارك في السباق وانتظرته الأسرة بحماس وأمل كبيرين، ولم يبق لهم في النهاية سوى مجلدات دوّن عليها تفاصيل يومياته خلال الرحلة، وأفكاره وتحولات شخصيته؟
اسم الفيلم مناسب للقصة التي يمكننا القول إن كروهورست كتبها بنفسه من خلال مدوّناته، مختتماً إياها بكلمة «الرحمة»، والتي تعتبر مفتاح اللغز لرحلته الغامضة. يتناول المؤلف بيرنز السيرة منذ انبهار رجل الأعمال بفكرة التحدي الكبير الذي أطلقته صحيفة «صانداي تايمز» باسم «سباق جولدن جلوب» الأول من نوعه في العالم. من شروطه أن يكون فردياً، ينطلق فيه البحار بيخته وحيداً، وتأخذ جولته حول العالم ستة أشهر بلا توقف، لقاء جائزة 5 آلاف جنيه. لم يكن كروهورست سوى هاو، ولم يخض تجربة الإبحار بقارب من قبل، لكنه قرر المشاركة ليكون الوحيد بلا خبرة، وسط 5 متنافسين آخرين معروفين. راهن على بيته وشركته، ولجأ إلى رعاة لحملته، ودعمه رجل الأعمال مستر بست (كان سكوت) ووفر له الأموال لتجهيز يخت مميز، عبارة عن قارب من 3 أجزاء متلاصقة، وكان كما السباق الأول من نوعه.
النجم كولن فيرث أدى دور كروهورست بإتقان وكما هو مطلوب، مع وجود تشابه في الشكل بينهما. ربما شاءت أسرة البحار بالاتفاق مع الكاتب والمخرج، إظهار ملامح التردد والخوف على كروهورست منذ أن بدأ الاستعداد لانطلاق السباق، ورافقته حتى اللحظة الأخيرة، بل هي الملامح الوحيدة التي لازمت كولن فيرث طوال العمل.
المخرج شدد على تفاصيل بدت وكأنها تمهيد فج وصريح للنهاية المأساوية. استغرق تجهيز المركب وقتاً أطول مما توقعه، ولم يكن بكامل جهوزيته لخوض مثل هذا السباق والبقاء في البحر لستة أشهر أو أكثر، مصممه والمشرف على تنفيذه أرثر بايفر حذّر دونالد مرات عدة من الإبحار قبل تجربته وضمان سلامته. هنا، وكما في مواقف عدة في الفيلم، يظهر جلياً تردد وخوف دونالد مقابل إصرار مستر بست وضغوط الصحفي المتخصص في أخبار الحوادث والجرائم في دايلي ميل، رودني هالورث (دايفد ثاولس) الذي تولى تلقي رسائل دونالد لتغطية تحركاته إعلامياً. وما زاد من رهبة الموقف، قيام «بي بي سي» بتسليم البحار كاميرا يسجل من خلالها يومياته، لتعيد بثها المحطة كحدث إعلامي مهم.
من عيوب الفيلم أنه لا يقدّم لنا كروهورست كبحار يقاتل من أجل الفوز بالسباق، طالما أنه خاضه حباً بالمغامرة واستمر فيه من أجل زوجته وأطفاله، وخوفاً من خسارته لبيته وشركته. المخرج مارش صوّر الرجل وكأنه يقوم بنزهة بحرية على متن يخت يقود نفسه بنفسه، يترك الرياح تأخذه كيفما شاءت، يحاول إصلاح الأعطال بروح المستسلم. يقضي كل وقته بين محاولة الاتصال بأسرته من جهة، وبين الصراع الداخلي الذي أوصله إلى حالة نفسية صعبة من جهة أخرى. شعر بالهزيمة وبدأ ينهار مهلوساً ومحدثاً نفسه، مع سماعه أصواتاً غريبة..
من 1968 إلى 1969، عاش المحترفون مغامرة صعبة وانسحبوا منها الواحد تلو الآخر، باستثناء روبن جونستون الذي أكمل الرحلة وبصعوبة. أما دونالد فقد اختار الانسحاب على طريقته والاستسلام للهزيمة بعيداً عن أعين الصحافة والعالم وأسرته..
العمل جيد والصورة جميلة، لكنه يفقد متعة التشويق أمام تركيز صنّاعه على نقطة واحدة وهي تقديم الأعذار والتبريرات المتتالية لدونالد كروهورست، كي يتعاطف معه المشاهد ويقف في صفه، بينما يبدو الإعلام المذنب الأول في دفع الرجل نحو النهاية المأساوية. ومشهد لقاء زوجته كلير (رايتشل ويز) بالصحافة بعد أن وُجد اليخت ولم يتم العثور على دونالد، تاركاً مدوّناته وملاحظاته ورسائله لتحكي عما حصل معه، تحمل الرسالة الأخيرة والمباشرة بقولها للإعلاميين: «أنتم من دفعه إلى الماء، كنتم تبيعون الأمل والآن تبيعون الألم». دونالد هو ضحية تهوّره في خوض مغامرة غير محسوبة جيداً، ما دفعه للإحساس بخجل من العودة مهزوماً إلى أسرته، ووضع حد لحياته.

إطار ضيق ودور محدود

الإطار الضيق الذي عمل ضمنه المخرج والمؤلف تسبب بتسلل بعض الملل إلى المشاهدين، بينما كان من السهل عليهما توسيع إطار الخيال. وكأنهما يقدّمان فيلماً توثيقياً، في حين أن القصة تحتمل الكثير من التفاصيل التي يمكن إضافتها لجذب المشاهدين، وزيادة جرعة التشويق في هذه المغامرة البحرية. حتى مساحة دور رايتشل ويز كزوجة للبطل، بقيت محدودة ولم تسمح لها بتقديم الكثير، بل بقيت محصورة في قالب الأداء التقليدي للزوجة السعيدة في البداية، والقلقة والحزينة في النهاية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"