عادي
رفوف إماراتية

أبجدية نخيل الإمارات.. السردية الخضراء

02:49 صباحا
قراءة 5 دقائق
يكتبها: يوسف أبو لوز

تحيل النخلة، أولاً إلى رمز ديني، وتحيل إلى رمز اجتماعي واقتصادي وجمالي، فهي حاضرة في التعامل اليومي مع مفردات الحياة، وهي حاضرة في الأدب والفن، والنخلة حاضرة في الوجدان الجمعي، وحاضرة في الطبيعة.
تعطينا النخلة الطعام والفيء، وهي شجرة العائلة، وشجرة الذاكرة، ولها في منطقة الخليج العربي، وشبه الجزيرة العربية مكانة خاصة في التاريخ والجغرافيا، ويسميها الباحث عبد الجليل علي السعد في كتابه الذي بين يدينا اليوم للقراءة في عام القراءة (عروض الرمل والمدى)، وهي أيضاً إذا أردت أن تزيد على هذا الوصف الجميل ذي الدلالة الثقافية والجمالية والأنثربولوجية.. هي سيدة الرمل والمدى.
تعيش النخلة في ظروف بيئية ومناخية قاسية من حيث حرارة الجو، كأنها هدية الله للناس البسطاء الذين يعيشون في هذه البيئات الحارة.
النخلة مرادف للعطاء، والشموخ، وهي من الأشجار المعمرة دائمة الخضرة، وأيضاً دائمة البقاء في الذاكرة الإنسانية.
من هذه المنطلقات نقرأ اليوم مادة هي قريبة من قلوب وذاكرة أهل المنطقة، ويبدأ مؤلف الكتاب أولاً بإعطائنا فكرة عن أسماء وأصناف النخيل ومنها: أبو الرمول، أبو الزبد، أبو سهيم، أبو العذوق، أبو كيبال، أبو اليواني، أبو معان.
يخبرنا الكتاب عن كيفية إكثار النخيل بطرق ثلاث. ويعود ليواصل التعريف بأصناف النخيل، مرة ثانية: الدحالة، الدغمة، ارحيبي، أشهل، أم رحيم، أم السلّة، أنوان.
«البجس» أو «بكس» كما نستفيد من الكتاب هي فسيلة النخلة، أي ابنتها، ويقول الباحث.. «عادة ما تخرج من جنب النخلة، وتستمر في النمو حتى تكبر قليلاً، فتنزع وتغرس منفردة حتى تكبر وتتكون نخلة..»؛ أما (البرجي) فهو نخل ذو جذوع ضخمة وقمة كبيرة وسعفها طويل، وخوصها منتصب ولون ثمرها أصفر فاتح يقترب من البرتقالي، و«البرستي» أو «العريش» فهو البيت القديم الذي يصنع من سعف النخيل.
لقد عمد الباحث السعد في هذا الكتاب الجميل إلى حشد آلاف المعلومات التي طرحها بشكل مبسط ومباشر بلغة علمية سلسلة.. وجاء كتابه على شكل معجم، بحيث إنه جمع أصناف النخيل، وطرق إكثاره، وألقابه ومواطن نشأته وأمراضه وعلاقة النخيل بالحياة قديماً وحديثاً وفق تسلسل أبجدي من الحرف (ألف) إلى (الياء)، ولذلك تنتشر المعلومات في الكتاب وفق الحروف، ولذلك لنقرأ انطلاقاً من التسلسل الأبجدي خريطة زراعة النخيل في الإمارات، ففي أبوظبي ينتشر النخيل في ليوا، وغياثي، وبدع زايد، وصير بني ياس، ودلما، والمنطقة الشرقية في العين، أم غافا، الخزنة، ويقول السعد: إن كمية النخيل المزروعة في إمارة أبوظبي تقدر بنحو 40 مليون نخلة، وفي أم القيوين، كما يشير الباحث، تنتشر زراعة النخيل بشكل محدود، لارتفاع ملوحة المياه الجوفية ومياه الأفلاج، ومن أصناف النخيل القديمة في أم القيوين: لولو، خنيزي، جبري، قش ربيع، مرزبان، قش حبش، ومن أهم أنواع النخيل في دبي، بحسب الباحث: الخلاث، الخصاب، أبو معان، حيري، ويقول: «تُعد الجميرا وأم سقيم وحتا من المناطق التي كانت قديماً مشهورة بزراعة النخيل في دبي، وفيها مزارع تجاوز عمرها مئة عام».
أما رأس الخيمة فهي الأقدم في الإمارات بزراعة النخيل، ويذكر الباحث أن فيها مزارع تجاوز عمرها مئة عام أيضاً، ومن نخيل رأس الخيمة: شيشي، الصلاني، خصا، مسلي، قش حمد، أبو العذوق، قش وعب، أما إمارة عجمان فتتركز زراعة النخيل في مصفوت، والمنامة، والنسيم، ومن أهم أنواع النخيل في عجمان: حاتمي، عين بقر، لولو، شيشي.
تنتشر زراعة النخيل في الشارقة في الذيد، وخورفكان، ومليحة، ويقول السعد: «تعد الذيد منطقة زراعية جيدة ومناسبة لانخفاض نسبة الرطوبة فيها وهو ما يساعد على جودة ثمار النخيل المزروعة»، ومن نخيل الشارقة: شهال، أبو معان، جبري، خلاص، الخنيزي، ومن أهم أصناف النخيل في الفجيرة: شحام، مرزبان، خشكار، غمّة، شهلة، أم السلة، داخز، ويقول السعد: «ينتشر نخيل إمارة الفجيرة وفق توزع الأودية والسهول والمناطق الجبلية، ونسبة الرطوبة فيها عالية، مما يجعل تكاثر أنواع النخيل فيها أكثر من غيرها في بقية إمارات الدولة».
يعطينا الكتاب فكرة عن المؤلفات التي اهتمت بثقافة النخيل ومنها: «النخل والكرم» للأصمعي، وعثر على مخطوطته في خزانة الملك الظاهر في دمشق، و«كتاب النخيل» لأبي حاتم السجستاني، ووضع هذا الكتاب في القرن الثاني الهجري.
يخبرنا الكتاب عن الكثير من فوائد التمر من بينها أنه يفيد الأم والجنين بعد الولادة،‮ ‬ومفيد لعلاج الروماتيزم وأمراض العيون،‮ ‬والتمر ملين ويقوي‮ ‬العضلات والأعصاب،‮ ‬ويفيد من لديهم نقص في‮ ‬الدم والأمراض الصدرية‮.‬
ويزيد،‮ ‬كما‮ ‬يقول الباحث،‮ ‬في‮ ‬وزن الأطفال،‮ ‬ويقوي‮ ‬الرؤية،‮ ‬وأعصاب العين وأعصاب السمع،‮ ‬وينشط الغدة الدرقية،‮ ‬ويكافح الدوخة،‮ ‬ويسهل الهضم،‮ ‬ويغسل الكلى،‮ ‬ومن العناصر الموجودة في‮ ‬التمر‮: ‬الغلوكوز،‮ ‬النشا،‮ ‬حامض الفوسفوريك،‮ ‬الماء،‮ ‬البتكين،‮ ‬وغير ذلك من المواد الطبيعية والأحماض‮.‬
من الحشرات التي‮ ‬تهاجم جريد النخل‮ «دباس النخيل»‮ وتتغذى على العصارة النباتية،‮ ‬وهناك بعض الخنافس الصغيرة تهاجم الثمار في‮ ‬مرحلة الرطب‮..‬مما‮ ‬يسبب تعفن الثمار ونمو اليرقان داخلها‮.. ‬وهناك خنفس أحمر‮ ‬يسمى حفار الساق ويصيب عادة كل أجزاء النخلة،‮ ‬وهناك،‮ ‬حفار آخر‮ ‬يسمى‮ (‬حفار عذوق النخيل‮) ‬أو‮ (‬جعل النخيل‮) ‬الذي‮ ‬يهاجم عادة النخلة الضعيفة‮.‬

من الجميل في‮ ‬الكتاب ورود النخل والتمر والرطب في‮ ‬الشعر،‮ ‬ومن ذلك ما قاله الشاعر علي‮ ‬بن رحمة الشامسي‮ ‬من شعر شعبي‮:‬

يوم الحضارة وموسم الصيف

                           ما تنسي‮ ‬هذيك الأزمان

وقت البراحة والمخاريف

                        والرطب في‮ ‬بوهيل روان

ويقول الشاعر علي‮ ‬العنيزي‮ ‬وهو‮ ‬يتحدث بإعجاب عن نوع من أنواع الرطب وهو‮ (‬البرحي‮):

ما أطيب البرحي‮ ‬في‮ ‬زبد وفي‮ ‬لبن

                      قد فاق في‮ ‬الطعم أنواعاً‮ ‬من الرطب

إني‮ ‬رأيتك ما برحي‮ ‬ذا شرق تزداد

                             فخراً‮ ‬كمثل الناس في‮ ‬الحسب

إني‮ ‬تذوقت في‮ ‬البرحي‮ ‬مسمسه

                         طعماً‮ ‬لذيداً‮ ‬فما أشهاه من رطب

ومن أقدم ما قيل في‮ ‬النخلة والتمر ما جاء في‮ ‬شعر امرئ القيس والنابغة الذبياني‮:‬ قال امرؤ القيس‮:‬

وفرع‮ ‬يغشى المتن أسود فاحم

                       أثيث كقنو النخلة المتعثكل

عن الموطن الأصلي‮ ‬للنخيل‮ ‬يقول عبد الجليل علي‮ ‬السعد«..‬ هناك شواهد تاريخية توضح أن أرض وادي‮ ‬الرافدين تعد من أقدم الأراضي‮ ‬التي‮ ‬زرع فيها النخيل،‮ ‬وذكرت المصادر التاريخية أن مدينة‮ (‬اريدو‮) ‬السرمرية التي‮ ‬وجدت قبل نحو ‮٠٠٠٥ ‬سنة كانت مشهورة بزراعة النخيل،‮ ‬وكانت أرض السومريين تعرف بأرض‮ ‬غابات النخيل،‮ ‬كما أن الملك البابلي‮ ‬حمورابي ‬وضع قبل نحو ‮٠٠٠٤ ‬سنة تشريعات تخص زراعة النخيل،‮ ‬ونص أحد هذه التشريعات على فرض‮ ‬غرامة قدرها‮ ٥٢٢ ‬غراماً‮ ‬من الفضة على من‮ ‬يقطع نخلة‮..».
ويقول الباحث‮:«.. ‬كان المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان صائباً‮ ‬إلى أبعد الحدود حينما أعطى النخيل الأهمية الأولى في‮ ‬الزراعة،‮ ‬وأمر بالعناية به وتكثيره وتحسين أنواعه،‮ ‬حتى تحولت الصحراء ظلالاً‮ ‬وارفة من النخيل‮..».‬

الكتاب: النخلة.. عروس الرمل والمدى

المؤلف: عبد الجليل علي السعد

الناشر: معهد الشارقة للتراث الطبعة الأولى 2016

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"