عادي

مؤلفات سلطان...إسهامات في شتى ضروب المعرفة

00:52 صباحا
قراءة 8 دقائق
الشارقة: علاء الدين محمود

التنقل بين مؤلفات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، يشبه التجوال في بستان متعددة أشجاره وثماره، وذلك للتنوع الكبير في المجالات التي طرقها سموه في مختلف حقول المعرفة، بإصداره للعديد من المؤلفات شديدة الأهمية، ولعل الكثير من القراء قد رسخ في أذهانهم الإسهام الكبير لسموه في مجال المسرح عبر مؤلفات صارت ملء العين من أعمال تعددت مواضيعها ومنها: «عودة هولاكو»، و«القضية»، و«الواقع صورة طبق الأصل»، و«الإسكندر الأكبر»، و«النَّمْرود»، و«كتاب الله.. الصراع بين النور والظلام»، وكذلك الأعمال الموثقة للمسرح العالمي مثل كتاب «التاريخ على خشبة المسرح الفرنسي»، ولعل كل تلك المؤلفات التي خصصها سموه للمسرح، عبرت عن فكرة ومعنى، وحلقت في ميادين التاريخ، والواقع الاجتماعي في اشتباكاته مع الماضي وتطلعاته نحو المستقبل، بالتالي أسهمت في صناعة مسرح حقيقي في كل العالم العربي، يحمل رسالة وقضية.
ولئن كان صاحب السمو حاكم الشارقة قدم لنا ذلك الألق الفكري والفلسفي المعرفي عبر كتاباته المسرحية، التي تحولت على خشبة المسرح إلى متع وعروض بصرية محتشدة بقيم الخير والحب والجمال؛ فإن مواضيع أخرى متعددة ومعقدة كشفت عن مقدرة هائلة في المعالجة والإحاطة، فقد قدم سموه أعمالاً حقيقية وموضوعية فيما يتعلق بقضايا التاريخ والتراث والمخطوطات، بل وذهب بعيداً في مجال البحوث المستندة إلى المراجع والوقائع التاريخية، وكذلك فيما يتعلق بتناول الواقع العربي وقضايا النهضة والحرية والنهوض.
كما قدم نتاجاً ثميناً في النضال ضد الاستعمار في الخليج وكامل المنطقة العربية، والأفكار والرؤى التي تعلقت بها قلوب المناضلين والثوار العرب، وكانت تلك المؤلفات تتضمن خلاصات فكرية غنية تكشف عن حجم الثقافة والمعارف الذي يتمتع به سموه.
ولعلنا نقف أمام حالة نادرة يتحقق فيها حلم داعب أذهان الفلاسفة من لدن أفلاطون في وجود حاكم مثقف يجمع بين سلطتي السياسة والفكر، ويعمل على تحقيق حلم المدينة الفاضلة، ولعل الأكثر إدهاشاً عند التطلع في مؤلفات سموه اللغة السهلة التي تعبر عن مقدرة فائقة في تحويل كل تجارب القراءة والاطلاع إلى إنتاج يعانق قلوب وعقول القراء، وكذلك الأسلوبية الإبداعية واللمسة الإنسانية في الكتابة حتى في أكثر المواضيع تعقيداً، ولعلنا في تجوالنا هنا ربما لا نستطيع الإحاطة بكل المؤلفات لكثرتها، ولكننا نحاول أن نأخذ ببعضها في تجوال يعانق تلك العوالم الجميلة والحميمية التي تتراوح بين السرد والتاريخ والفكر والحوار.

مؤلفات أدبية

الغاية من الكتابة أن يطرح الموضوع فكرة ومعنى، وقد ظل ذلك منهج صاحب السمو حاكم الشارقة في الكتابة، وحتى المؤلفات الأدبية التي أتت بعد رحلة بحث وتقص وتوثيق، فالكتابة مسؤولية يتولاها المؤلف حتى لا يضع القارئ أمام حقائق ملتبسة، وفي العديد من أعمال سموه السردية والأدبية نجد ذلك الاتجاه نحو احترام القارئ عبر مؤلفات تعبر عن خلاصة تجربة محتشدة بالمعاني والأفكار.
وفي قراءة لبعض أعمال سموه الأدبية ثمة رحلة تأخذ القارئ ممتعة وحافلة بالجمال والمغزى.
تعتبر «بيبي فاطمة وأبناء الملك»، من الأعمال التي جمعت بين السرد والتاريخ، وقد قدم فيها سموه رؤية جمالية مختلفة، بحيث باتت عصية على التصنيف الأدبي المعتاد، وفيها قدر كبير من العمق والتكثيف، والراوية تحكي عن تاريخ مملكة هرمز ابتداءً من العام 1588 حتى 1622 بانتهاء الاحتلال البرتغالي وهزيمتهم أما الإنجليز، وتطرح العديد من القضايا وتكشف فصول الرواية الخمسة عن مراحل متقدمة من تصاعد السرد متكئة على أحداث متلاحقة، والملاحظة الجديرة في هذا العمل الروائي هي قوة الوصف للحياة الاجتماعية في هرمز، في جميع مناحيها، ورغم صغر حجم العمل الروائي إلا أنه جاء شديد العمق ويستند إلى أكثر من 35 مصدراً تاريخياً ووثيقة.
وتأخذنا رواية «الأمير الثائر»، إلى تفاصيل قصة حقيقية، تتناول حكاية الأمير مهنا بن ناصر بن حمد الزعابي، الذي ثار على سيطرة الفرس على العرب القاطنين في ساحل فارس، وانتصاراته المتعددة على من حاول التصدي له من فرس وعرب وهولنديين وغيرهم، وفي الرواية أيضاً يضبط صاحب السمو حاكم الشارقة الوثائق ومراجع التاريخ، ويضيف إليها البعد الجمالي والإبداعي عبر مهارة السرد الشيق لتفاصيل واقعية، مما يضيف إلى العمل جمالاً وقوة ويتصدى لمرحلة تاريخية مهمة في العالم العربي.
أما رواية «الشيخ الأبيض»، فهي تنتمي كذلك إلى جنس القصة التاريخية التي تعتمد بشكل كبير على المراجع العلمية التاريخية، وبذل فيها صاحب السمو حاكم الشارقة جهداً كبيراً من خلال جمع الوثائق، بل وكذلك قام بزيارة بلدة «جوهانس بول»، وزار متحف «بيبودي»، ومركز الوثائق «ايسكس» في «سليم»، وبحث عن أحفاد «جوهانس بول» في «ظفار»، ولكن سموه استطاع أن يقدم القصة عبر سرد رائع وممتع.

رأس الأمير مقرن

ومن هذه المؤلفات السردية التي صدرت مؤخراً، والتي تحكي قصة كاتب يتمتع بالقدرة على النفاذ إلى عمق الأشياء بقوة التناول الفكري والتاريخي والمعرفي والسردي نجد رواية «رأس الأمير مقرن»، وهي تتناول كذلك أحداث التاريخ العربي والإسلامي، والرواية هي قصة موثقة، تكشف عما غاب من حوادث التاريخ، وتصحح كثيراً من الأخطاء رغم أنها ترتبط بحوادث متباعدة بين مناطق الأحداث، أي بين هراة وهرمز، وبهلا بعُمان، وجلفار، والبحرين، والحسا، وتربطها بخيط رفيع صعب على كثير من الباحثين الربط بينها، لكن عندما يستدعي الأمر كتابة تاريخ هذه المناطق، فإن هذه الرواية تُقرّب كثيراً من الأحداث التي تبعثرت.
وهنالك أيضاً كتاب «فيليب العربي»، الذي يتناول حياة الإمبراطور الروماني فيليب العربي الذي ذاع صيته بقوة شخصيته وأثره في الحياة السياسية في الإمبراطورية الرومانية، وفيليب العربي هو «ماركوس يوليوس فيليبوس»، إمبراطور روماني من أصل عربي، ولد نحو سنة «204م»، في قرية بالقرب من مدينة بصرى الشام، عُرفت في الفترة الرومانية باسم «فيليبوبوليس - مدينة فيليب»، وعُرفت فيما بعد باسم «شهبا»، وينتسب والده إلى عرب منطقة اللجاة السورية، من الذين حملوا أسماء رومانية بعد إصدار الإمبراطور كاراكلا قراره الشهير بمنح الرعوية الرومانية إلى مواطني الدولة كافة في أقاليم حوض المتوسط من دون استثناء، وهكذا حمل والده اسم بوليوس مارينوس وحمل الابن اسم ماركوس يوليوس فيليبوس.

السيرة وسرد الذات

في هذا الجانب نأخذ القارئ إلى مجال برع فيه صاحب السمو حاكم الشارقة، وهو مجال السيرة وسرد الذات، وهو جنس إبداعي له مكانته في الأدب، ويأخذنا عبره سموه في سير بديعة عطرة وعوالم ساحرة، نرى فيها تلك الحميمية الجميلة مع المكان والأشخاص والوقائع، ومن هذه المؤلفات التي تفوح منها عطرية شاعرية أنيقة كتاب «سيرة مدينة»، وهي ليست كأي سيرة، فسموه يوظف قلمه هنا في رصد ملامح تاريخية وجمالية لمدينة الشارقة، والكتاب يعكس ذلك الحب العظيم الذي يكنه سموه لها حيث قضى في جنباتها وأماكنها أجمل وأنضر تفاصيل حياته، والكتاب كذلك يعكس قضايا متعددة بعمق ومقدرة فذة في التحليل، خاصة فيما يتعلق بصراع القوى الإقليمية، ودور الشارقة في مقاومة الوجود البريطاني في الخليج العربي، وكذلك يتحدث المؤلف عن بدايات التنمية في الشارقة، ويتطرق بعمق للقضية الفلسطينية.
أما مؤلف «سرد الذات»، ففيه يجمع سموه بين التاريخ والفكر والأدب والسرد، واللافت في الكتاب تلك المقدمة التي خطها سموه ومنها المقطع الذي يقول فيه: «كتبت هذا الكتاب لأوثق فيه تاريخ أهلي وبلدي، على مدى تسعة وعشرين عاماً»، ويأخذنا سموه من خلال صفحات الكتاب إلى عالم الذكريات والتفاصيل البديعة المتعلقة بالمكان وذاكرته، بسرد معطر بتلك الجماليات الروحانية المحرضة على التأمل والتفكير العميق، ويحضر في تلك السيرة الوطن بقوة والجهود العظيمة المؤسسة، ولحظات ما قبل التأسيس في فترة أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي، هي حكاية ما قبل النفط، وهي قصة العزيمة والإصرار والتفرد، ومن خلال الكتاب يلتفت القارئ إلى تلك الأماكن والأزمنة ليستعيد عبق التاريخ والحكايات، ويطلع على معاني الانتماء والهوية، وفي المؤلف يروي صاحب السمو حاكم الشارقة تفاصيل رحلته في الحياة قبل توليه مقاليد الحكم وكذلك يسرد قصة مسيرة الشارقة، وينفتح الكتاب على تفاصيل دقيقة من خلال السرد الذي يلامس القلوب.

مؤلفات تاريخية

في المؤلفات التاريخية لصاحب السمو حاكم الشارقة، لا نقف فقط على ولعه الكبير بالتاريخ، بل وكذلك بدقة التوثيق والبحث من أجل تأليف مادة تثق فيها الأجيال، كما نلاحظ المصادر المتعددة لسموه في مؤلفاته التاريخية، وقوة التقاط التفاصيل الحياتية وتوظيفه للمعلومات، وما يدور في الذاكرة الشعبية والتراث، ليصنع من كل تلك التفاصيل موضوعاً تاريخياً بأسلوب إبداعي يحضر فيه المؤرخ والأديب معاً في تآلف فريد يندر أن نجد له مثيلاً، والكتابة التاريخية عند سموه تستهدف عدداً من الغايات منها عكس الثقافة العربية والإسلامية والتراث الخالد، وكذلك تصحيح كثير من الجوانب التي طالتها يد التزييف، أو ما غفلت عنه كتب التاريخ، على نحو ما فعل في كتاب «نظم الفوائد في سيرة ابن ماجد»، وهو المنجز الذي يستكمل فيه سموه جهده البحثي في تصحيح التاريخ العربي والإسلامي، خاصة فيما يتعلق بسيرة البحار العربي أحمد بن ماجد، وفي هذا المؤلف يكشف سموه عن حقيقة تاريخية ظلت غائبة، عندما نفى الفرضية التي تقول إن أحمد بن ماجد هو الذي أوصل فاسكو ديغاما إلى الهند، حيث بين سموه أن ابن ماجد في تلك الفترة قد كبر وأقعده المرض، ولم يكن حتى قادراً على الإبحار، والصحيح أن هناك رجلاً من «غجراثي من الهند»، هو من أوصل ديغاما إلى الهند، وهذا الأمر يؤكد على الصدقية البحثية العالية التي يتمتع بها سموه، وكذلك فعل في كتابه «حكم قراقوش، مباحث في حكم التاريخ»، الذي يكشف عن كثير من الزيف الذي أحاط بشخصية قراقوش، ويعمل على تخليص الأذهان من الصورة النمطية الساخرة الكاريكاتورية التي ارتبطت بقراقوش، الذي تناولته الألسن العربية بافتراء وذكره المتحدثون بقصص الغواية والتندر والنيل منه، مع أن هناك صورتين لقراقوش، صورة تاريخية صادقة، وصورة روائية صورها عدد من منافسيه. والعجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طمست ونسيت والخيالية بقيت وخلدت فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه وافتريت عليه.

منهج صارم

ومن خلال هذا السرد يتضح المنهج الصارم الذي يتبعه سموه في السرد التاريخي، وعلى ذلك المنوال جاءت كل مؤلفاته في التاريخ ومنها «تحت راية الاحتلال»، و«رحلة بالغة الأهمية»، و«إني أدين»، و«صراع القوى والتجارة في الخليج 1620-1820م»، و«زنوبيا ملكة تدمر»، و«مراسلات سلاطين زنجبار»، و»القواسم والعدوان البريطاني (1797 - 1820)»، وغير ذلك من مؤلفات تاريخية ثمينة أثبت فيها سموه حقيقة أن التاريخ لا يكتب بالأهواء والقوة.

الأحداث التاريخية الكبيرة

الإطلالة الخاصة على حياة صاحب السمو حاكم الشارقة، تتيح للقراء التعرف إلى الأحداث التاريخية الكبيرة التي شهدتها المنطقة منذ أربعينات القرن الماضي وحتى السبعينات منه، كما تثير فضولهم للتعرف إلى المزيد من المنعطفات المهمة التي عاشتها إمارة الشارقة خصوصاً، والخليج والعالم العربي عموماً، ومن ذلك المدّ القومي العربي والتطور الثقافي والتعليمي السريع في الإمارة.
ولعل ما جعل الكتاب قريباً من القراء هو ذلك الصدق الكبير والشفافية في السرد البهي الساحر، والمقدرة على استنطاق المكان وجعله حاضراً، في استعادة الماضي وتفاصيله البديعة.

مؤلفات في الشعر

الشعر أيضاً وجد مكانة كبيرة ضمن اهتمامات صاحب السمو حاكم الشارقة، عبر عدد من المؤلفات التي يوثق فيها ويؤرخ لقصائد الشيخ سلطان بن صقر بن خالد القاسمي، كما أن نشرها ضمن هذه السلسلة، ينصف في جانب منها التجربة الشعرية لجده، ويعيد تسليط الضوء على إنتاجه الشعري الذي كان غائباً عن كثير من المهتمين بتاريخ الشعر في الإمارات، إلا أنه من جهة أخرى يطرح تساؤلاً مهماً حول مقدار الإنتاج الشعري لشعراء الإمارات على امتداد تاريخها في القرون الماضية، الفصيح أو النبطي منه.
ومن هذه الأعمال هناك كتاب «الِطّيبُ في التّشْبيب في قصائد الشيخ سلطان بن صقر القاسمي» ويحقق الكتاب في ثماني قصائد للمرحوم الأديب الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، الذي كان يتمتع بالفصاحة والجزالة والأصالة العربية، وهناك كتاب «مساجلات شعرية بين الشيخ سلطان بن صقر القاسمي وصديقه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصديقي».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"