عادي
نخبة من الفنانين والشعراء والمسرحيين والأدباء تلتقي في الشارقة

مؤتمر “الحداثة في السودان” يستعيد حقبة الستينات

03:59 صباحا
قراءة 6 دقائق
الشارقة - محمد ولد محمد سالم:
انطلق مساء أمس في معهد الشارقة للفنون المسرحية في الشارقة مؤتمر "الحداثة وصناعة الهوية في السودان: استعادة حقبة الستينات والسبعينات" الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون بالتعاون مع معهد دراسات الحداثة المقارنة - جامعة كورنيل، ويستمر ثلاثة أيام، وذلك بحضور الشيخة حور بنت سلطان القاسمي رئيسة مؤسسة الشارقة للفنون، وهشام المظلوم رئيس مجمع الشارقة للفنون والآداب، والدكتور يوسف عيدابي مستشار مؤسسة منشورات القاسمي، وصلاح حسن عبدالله مدير معهد دراسات الحداثة المقارنة، وعدد من أعلام الفكر والثقافة في السودان .
في كلمتها الافتتاحية في المؤتمر رحبت الشيخة حور القاسمي بالمشاركين في المؤتمر، وشكرتهم على تلبية الدعوة، وقالت: "لطالما عملنا في مؤسسة الشارقة للفنون من أجل اكتشاف فضاءات جمالية وآفاق فكرية خلاقة، ولطالما عملنا على خلق مساحة حرة للحوار وتبادل الأفكار التي يمكن تسهم في إثراء الثقافة والفنون، ومن هذا المنطلق فإننا نقدم لكم وبالتعاون مع معهد دراسات الحداثة المقارنة في جامعة كورنيل، هذا المؤتمر الذي يبحث ويناقش حركة الحداثة والهوية فترة الستينات والسبعينات في السودان، وما نتج عنها من فنون في مجالات المسرح والأدب والسينما والشعر والفنون التشكيلية" .

حور القاسمي: نعمل على اكتشاف فضاءات جمالية وآفاق فكرية خلاقة

أشارت الشيخة حور القاسمي إلى أن فكرة المؤتمر بدأت من خلال حوارات مع البروفيسور صلاح حسن الذي كان شغوفاً بطرح هذا المشروع بأبعاده ومجالاته المختلفة، أثناء زيارتها للسودان، حيث تعرفت إلى ملامح المشهد الفني والثقافي هناك، وعلى عدد من الفنانين والباحثين، ومنهم أحمد شبرين، وراشد دياب، والأمين محمد عثمان، وحسن موسى، وفتحي عثمان، ومحمد عتيبي، وأفضت تلك الحوارات إلى وضع فكرة المؤتمر حيز التنفيذ .
كما لفتت الشيخة حور القاسمي إلى أن مؤسسة الشارقة للفنون سوف تنظم إلى جانب المؤتمر معرضاً جامعاً للفن السوداني تحت عنوان: "مدرسة الخرطوم: صناعة حركة الفن الحديث في السودان"، في شهر نوفمبر من العام المقبل، كما يمتد المشروع ليضم منشورات ستصدر في إطار المؤتمر والمعرض، كما يشمل النشاط معرضاً استعادياً فردياً لكل من الفنانيْن كمالا إبراهيم إسحاق وعامر نور .

نخبة من الرموز

وألقى د . يوسف عيدابي كلمة قال فيها: "يستقبل هذا المسرح اليوم نخبة من أهل الفكر والثقافة في السودان يأتون من الشتات ومن ربوع الوطن، تجمع استثنائي بمعنى الكلمة، قلَّ أن يجود به الزمان، هم رموز يعتز بهم السودان، قوس قزح للسودان الحديث المعاصر الذي لا يعرفه الكثيرون لعزلة لنا أو لتقصير الآخرين، فنحن (هامش) في أحوال كثيرة، بيد أنه هامش قد يتجاوز المتون، فقراءته قد تفيض على مركزه، مثلما حل بالشارقة، من هامش أو ثغر ثقافي ألغى نظرية المركز والهامش" .
وأشاد عيدابي بتنوع المشاركين الذي يضم جميع مجالات الثقافة والفنون، ويجمع كل الأجيال، وتحضر فيه المرأة، ليكتمل عِقده، معبراً عن سعادته بهم ومرحباً بتلبيتهم لدعوة الشارقة الكريمة، حيث لم يكن لهذا اللقاء أن يلتئم لولا مبادرة الشيخة حور القاسمي، ومباركة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة .
واستعرض عيدابي أوجه التنوع الثقافي والفني في السودان النابعة من تنوع فضاءاته الجغرافية وتشكيلاته الإثنية والعقائدية، ما أضفى على نسيجه العام جمالا، وجعل مثقفيه في العقود الماضية يجاهدون من أجل الحفاظ عليه، وتدعيمه، ورأى عيدابي "أن مؤتمر الحداثة والهوية في السودان" وسيلة "لإيجاد أرضية جديدة تنقذ ما تبقى من السودان من الانقسامات والعنف الدامي الذي يعيشه، ليرصف أرضاً جديدة، لالتقاء الجهات كافة، لالتقاء الغابة والصحراء، فمصيرنا مشترك ومستقبلنا واحد" .
واستعرض عيدابي الصلات التاريخية بين الشارقة والسودان من خلال نشاط الملاحة الذي كان ينطلق من الساحل العماني في اتجاه السودان وغيرها من المدن الإفريقية، وكانت الشارقة أحد الموانئ المهمة في الساحل، كما ذكّر عيدابي بالاهتمام الكبير الذي يوليه صاحب السمو حاكم الشارقة للسودان والنابع من الأخوة والوفاء .

منصة علماء وباحثين

الدكتور صلاح حسن منسق المؤتمر تحدث عن الهدف من المؤتمر وهو توفير منصة لمجموعة من العلماء والباحثين ونقاد الأدب والفن والمشتغلين بالفن السينمائي والشعراء والكتاب المسرحيين والروائيين والفنانين، لتوثيق وتقديم قراءات نقدية حول تشكل الحداثة في السودان، بالتلازم مع قضية الهوية كموضوع ظل مثار نقاش دائم طوال مراحل التاريخ الثقافي والسياسي السوداني، وذلك باستعادة إنجازات حقبة محورية في تاريخ السودان هي حقبة الستينات والسبعينات التي ظهرت فيها حركة ثقافية كبيرة، وبرزت فيها أسماء إبداعية لا يزال تأثيرها ممتداً إلى اليوم .
وأضاف حسن إن السودان هو بؤرة حقيقية للتنوع الثقافي بكل أبعاده، وأن هذا التنوع كان وراء إنجازات تلك الحقبة .
المحاضرة الرئيسية في اليوم الأول كانت للدكتور منصور خالد وزير خارجية السودان الأسبق وكانت بعنوان "الحداثة وصناعة الهوية في السودان: العقبات واحتمالات المستقبل" وبدأها بتأطير مفهومي الحداثة والهوية والظروف التاريخية التي أثرت في هذين المفهومين في العصر الحديث، لافتاً إلى أن الحداثة كانت ردة فعل ثورية على ما أحدثته الثورة الصناعية من استعباد للعمال، وما حدث من حروب إبادة بشرية في أوروبا، وما تركته الحربان العالميتان من دمار، فكانت الحداثة إعادة نظر في الأخطاء التي ارتكبت، وصياغة أجوبة ثقافية تتجاوز تلك الأخطاء من أجل تلافي الحروب والصراعات .

طبقة وسطى منتجة للابداع حققت نقلة تاريخية في البنى الفكرية

جاءت الجلسة الثانية في المؤتمر بعنوان "غناء الحداثة، غناء الحرية: الموسيقى والوطنية والثقافة الشعبية في السودان" تحت إشراف لمياء الشمت أستاذة اللغويات في جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز، ومشاركة إيمان عباس النور أستاذة الأدب الأنجليزي في جامعة النيلين، والمحامية والناقدة الموسيقية أروى الربيع، والمؤلف والناقد الموسيقي الفاتح طاهر دياب .
قدمت أروى الربيع ورقة بعنوان "الفن كمؤشر للازدهار الثقافي في عقدي الستينات والسبعينات: الأغنية الوطنية نموذجاً"، أكدت فيها أن المتابع والمتأمل لفترة ستينات القرن الماضي يجد أن مرحلة تاريخية جديدة للتراث الثقافي بدأت تتشكل في السودان، بشكل عام، وفي التراث الموسيقي والغنائي على وجه الخصوص، حيث تميزت تلك النقلة التاريخية بتحول في البنى الفكرية وفي العلاقات الثقافية والاجتماعية، وهكذا شهدت تلك الفترة ازدهاراً ثقافياً متنوعاً وطابعاً مختلفاً، أعطى قيمة إضافية لتراث السودان الحديث الغني والزاخر بالمنتوج الفكري والأدبي كماً وكيفاً، فقد اشتعلت حمى التعليم في المجتمع، وأنشئت المدارس الأهلية، وجامعة الخرطوم وغيرها، وازداد عدد المتعلمين، وطلاب البعثات الخارجية وعاد طلاب تلك البعثات بتجارب ثقافية وأدبية، وأفكار وعقائد سياسية، تلاقحت وأنتجت حواراً ثقافياً مع ما تمر به به الساحة من حراك ثقافي .
وأضافت الربيع أن تلك الفترة شهدت نوعاً من الاستقرار الاقتصادي وظهور طبقة وسطى منتجة للأفكار والثقافة، وما ازدهار الشعر والموسيقى والقصة، وظهور المدارس الأدبية والفكرية إلا شواهد على تلك النقلة الاجتماعية التي دلت عليها أيضاً ثورة أكتوبر المجيدة التي بلورت الوعي الجمعي، وشكّلت التماسك الوجداني للمجتمع السوداني في تلك الفترة .
وجاءت ورقة الطاهر دياب بعنوان "ثقافة السودان الموسيقية في ستينات وسبعينات القرن الماضي" قدم فيها قراءة استرجاعية للمشهد الثقافي في حقبة الستينات، وتوقف عند الأسباب التي جعلت تلك الحقبة من أغزر الفترات إنتاجا في تاريخ الموسيقى والفنون في السودان، ففي العام 1962 شهد المسرح القومي في أم درمان مهرجاناً للفنون الشعبية، شاركت فيه مجموعات فنية وفرق مثلت جميع مناطق السودان بلغ عددها ثماني فرق بما فيها مجموعة العاصمة الخرطوم، كان ذلك الحدث ظاهرة متميزة في حياة السودان الفنية والثقافية، حيث كانت تلك المرة الأولى التي يجتمع فيها مطربون وراقصون شباب يمثلون جميع مناطق السودان، يقدمون تراثاً متنوعاً ثرياً، تكثر فيه الضروب الإيقاعية والنغمية وفقاً لاختلاق كل إقليم واختلاف لهجته .
وقال: إن تلك الفترة أفرزت مجموعة من المطربين الشباب الذين شقوا طريقهم بخطى ثابتة واثقة أثبتت نجوميتهم، وصاروا أعلاما في خريطة الغناء والموسيقى في السودان، منهم: محمد الأمين، أبو عركي البخيت، الطيب عبدالله، عبدالقادر سالم، وزكي عبد الكريم، كما قدم عدد من المطربين أعمالاً من التراث ألبسوها ثوباً جديداً معتمدين في ذلك النقل والاستلهام على مستوى الإيقاع والتراكيب اللحنية ذات الجذور الشعبية، ومن ذلك ما قدمه عبدالكريم الكابلي في أنشودة "المولد"، ومحمد وردي في أغنية "الود" .

المشاركون في المؤتمر

يشارك في المؤتمر كل من: صلاح حسن عبدالله، وجدي كامل صالح عبدالسيد، رقية مصطفى أبوشرف، أحمد إبراهيم أبوشوك، طلال عفيفي، ناهد محمد الحسن، أروى الربيع، يوسف عايدابي، الفاتح الطاهر دياب، راشد دياب، شوقي عزالدين الأمين، عصام أبوالقاسم، علاء الدين الجزولي، كمال الجزولي، إيمان عباس النور، محمد المكي إبراهيم، إلياس فتح الرحمن، عبدالله جلاب، استيلا قايتانو، النور حمد، عبدالله علي إبراهيم، سليمان محمد ابراهيم النور، منصور خالد، الطيب مهدي، جمال محجوب، حسن موسى، عامر نور، فتحي عثمان، كمالا إبراهيم أسحق، نورالدين ساتي، لمياء شمت، إبراهيم محمد زين .

المناقشون ومديرو الجلسات

يلتئم في المؤتمر عدد من الكتّاب والمثقفين كل في اختصاصه، ويناقش في الجلسات ويديرها كل من: محمد أبو سبيب، دينق قوك أيول، تاج السر حسن، إبراهيم الصلحي، السر السيد .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"