عادي
قصائده تناولت هموم البسطاء

رحيل الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع

03:47 صباحا
قراءة 6 دقائق
الشارقة - إبراهيم اليوسف:
توقف عن النبض، مساء أمس الأول قلب الشاعر البحريني الكبير عبدالرحمن الرفيع (1938-2015) إثر تعرضه لوعكة صحية استغرقت أسابيع عدة، وبعد رحلة بضعة عقود في عالم الشعر، سواء كان باللغة الفصحى أو العامية، مقدماً عدداً من المجموعات الشعرية منها "أغاني البحار الأربعة" (1971)، "الدوران حول البعيد" (1979)، و"يسألني" (1981) توزعت بين موضوعات ومجالات عديدة: منها ما هو وطني ومنها ما هو قومي أو إنساني أو غزلي أو اجتماعي، إضافة إلى تلك القصائد الساخرة، الكاريكاتيرية التي كتبها في بعض القضايا .
ولد عبدالرحمن مجيد رفيع في العاصمة البحرينية المنامة، أنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في بلده، ومن ثم التحق بكلية الحقوق في جامعة القاهرة، وعمل رفيع في وزارة التربية، كمعلم، ومرب، قبل أن يتركها ويشغل مركزاً مرموقاً في دائرة الشؤون الثقافية في وزارة الإعلام، وظل اسمه حاضراً طوال العقود الماضية كأحد الأسماء الشعرية البارزة بحرينياً وخليجياً وعربياً، من خلال نبرة صوته الشعري المائزة . كما أنه شارك في الكثير من الأمسيات والمهرجانات والملتقيات الشعرية والأدبية، داخل البحرين وخارجها، في آن، بل إن بعض قصائده كانت من عداد الأعمال الشعرية الأكثر تداولاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن بينها: "الفيس بوك" و"التويتر" إلخ، وذلك لحيويتها، ومقدرتها على تناول أسئلة المعنيين بها، وما حصوله على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة "هنا البحرين" إلا دليل على المكانة الإبداعية التي يتميز بها في محيطه الخاص والعام .
استطاع رفيع أن يرسخ حضوره في المشهد البحريني العام، وذلك من خلال جملة من الخصائص الشخصية التي كان يتمتع بها، من بينها بساطته، وطيبته، وروحه الإنسانية، وحرصه على خدمة من حوله بكل ما يملك، ناهيك عن سيرته العطرة في مجال عمله، سواء في تلك الفترة التي عمل فيها مربياً في مدارس بلده، أو تلك التي اشتغل فيها مراقباً قانونياً في وزارة التربية، باعتبار أنه كان يحمل شهادة الحقوق .
تميزت روح الشاعر البحريني الراحل بميلها إلى السخرية، وقد ترك وراءه مجموعة من النصوص التي كتبها بروح ناقدة، ممارساً عبرها الكاريكاتير بالكلمات، تناول خلال قصائده هذه بعض القضايا الاجتماعية وغيرها، وبات الكثير من قصائده التي كتبها يردد من قبل أبناء بلده، بل وعلى نطاق خليجي عام، حيث سجلت له حضوراً مميزاً في المشهد الثقافي من جهة، وفي قلوب متابعي تجربته، من العامة، لأن قصائده كانت تكتب بلغة بسيطة، مفهومة من قبل وسطه الاجتماعي، بل تمس قضايا يومية معاشة، ومن بين تلك القصائد: "زمان المسخرة"، "البنات"، "سوالف أمي"، "الله يجازيك يا زمان"، وغيرها .
جاء رحيل رفيع بمثابة خسارة كبيرة في المشهد الثقافي البحريني، وذلك لأن ما أنتجه من إبداع سواء كان باللغة الفصحى، أو بالعامية، يتفاعل مع هموم الناس، وأفراحهم، وأتراحهم، من خلال لغة لا تتعالى على هذا المحيط، بل قام بالتقاطها من أفواههم، ليبث فيها روح الإبداع، وروحه، ومما يقول في قصيدة "موطن الخالدين":
ليت شعري والعاشقون ألوف
                  هل سأحظى بوصل يوم فريد
أتراني أنال بعض رضاها
          وهو أقصى المنى وأشهى الوعود
وأنا لا أزال في معبد الفن
                  صغيراً لم أعد طور الوليد
غير أني وقد وضعت هواها
              وتمشى عطاؤها في وريدي
أجتلي فيض حسنها فإذا قلت
              فما لي فضل سوى الترديد
موطني مون الجمال ومهد ال
        عبقريات من سحيق العهود

فقيد الشعر

لا أظن أن المرض الذي أصاب الشاعر الفقيد عبدالرحمن رفيع، يعلم عن موهبته الفذة أو عن روائعه الشعرية التي طالما رددناها في قلوبنا قبل ألسنتنا، وسترددها حتماً الأجيال المقبلة من بعدنا، وإلا ما فتك به، لكنه القدر، ونحن بقضاء الله وقدره مؤمنون .
ما من عبارة أجدها تعبر عن عميق حزني لرحيل شاعرنا وأستاذنا الكبير عبدالرحمن رفيع، لقد مثّل بالنسبة لنا مدرسة في الشعر والحب والعطاء المجتمعي والإنساني، قرأناه وتعلمنا منه ومكثنا طويلاً نرتع في حديقته الشعرية، نقطف منها أجمل الأزهار الفكرية وأشهى الثمار الإبداعية .
ثمة شيء أود أن أقوله بحق هذا المبدع الكبير، إلا أنني أقف عاجزاً عن التعبير، كيف لا وهو الشاعر الذي أحب الشعر وأخلص لموهبته الممزوجة بروح إنسانية نابضة بالحب والطيب والإحساس الجميل .
هو لا يعرف الكلل ولا الملل وظل وفياً للشعر يمده بنبضه وعنفوانه وعبقريته، وهو الأمر الذي جعل له مكانة خاصة في عيون الشعر وفي قلوب الشعراء والمحبين . كما تبوأ موقعاً مرموقاً في منطقة الخليج العربي خصوصاً والوطن العربي على وجه العموم، وذلك لمزاوجته الفريدة بين الشعر الفصيح والعامي، حيث اشتهر بالعديد من القصائد العامية الفكاهية مثل قصيدة "زمان المسخره"، وأيضاً "البنات"، وغيرهما من قصائده الخالدة .
إن رحيل هذه القامة الثقافية والأدبية الكبيرة خسارة فادحة للشعر والأدب الخليجي والعربي، وعزاؤنا أنه باقٍ في قلوبنا ووجداننا، وفي الحياة الأدبية بشكل عام من خلال روائعه الشعرية وأعماله الإبداعية الباقية بإذن الله تعالى .
بقي أن أقول: إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا فقيد الحب والشعر لمحزونون .

حبيب الصايغ:
واحد من أهم رموز الأدبين الخليجي والعربي

أرسل حبيب الصايغ رئيس مجلس إدارة اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، برقية تعزية إلى إبراهيم بوهندي رئيس مجلس إدارة أسرة الأدباء والكتّاب في مملكة البحرين، بوفاة الشاعر البحريني الكبير عبد الرحمن رفيع .
وجاء في البرقية: "باسمي شخصياً، وباسم جميع أعضاء اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات أقدم لكم خالص التعازي، برحيل الشاعر الكبير عبد الرحمن رفيع . لقد فجعنا بغيابه، وهو واحد من أهم رموز الأدب البحريني والخليجي والعربي، وصاحب التجربة المهمة التي أضفت على مسيرة الشعر العربي عموماً الكثير من الألق .
لقد غادرنا الراحل في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى روح الفرح التي سعى إلى تكريسها فيما قدمه خلال حياته الحافلة الغنية، فقد كان رحمه الله، ظاهرة مهمة ارتبطت بالقيم الإيجابية في الحياة، وهي قيم نحتاج إليها كثيراً هذه الأيام، ونفتقدها، حيث تطغى على المشهد قيم التعصب والتطرف والتطيف، ما يتناقض كلياً مع الجوهر الحقيقي للحياة كما دعا إليه الراحل، وعمل على تجسيده فيما قدمه من منجز .
ومما يضاعف من إحساسنا بالألم أن العلاقة التي ربطتنا نحن الكتّاب والأدباء والمبدعين في دولة الإمارات بالراحل كانت خاصة ووثيقة إلى الدرجة التي تجعل رحيله خسارة حقيقية للأدب الإماراتي نفسه، وقد كان لحضوره الدائم في الوسط الثقافي الإماراتي خصوصية، كنا نستشهد بها على الدوام على ما يمكن أن تصل إليه علاقات مثقفي ومبدعي الشعوب العربية من تفاعل وعطاء وتفان وإخلاص، ولا ننسى إلى جانب ذلك كله حبه للإمارات وشعب الإمارات ورموز الإمارات، خصوصاً الوالد القائد حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونحن نعد هذا وحده معياراً للحكم على مدى وفاء ونقاء أي شخص .
وختم الصايغ بالقول: إن رحيل قامة أدبية ووطنية وإنسانية بحجم عبد الرحمن رفيع خسارة لا تعوّض، لكننا راضون بقضاء الله وقدره، ولا نملك إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة، ولآله وأصدقائه وزملائه وجميع محبيه بالصبر والسلوان، "إنا لله وإنا إليه راجعون" .

"أمي العودة" و"البنات"

رحيل الشاعر البحريني عبدالرحمن رفيع مؤلم جداً، فبرحيله سيتوقف الشعر عن مواصلة السير، وسينهي رحلة التجديد ويعلن استقالته أو تقاعده ويكتفي بما قدم من خدمات جليلة ونتاج اشتغل عليه الشاعر سنين طويلة دفع خلالها ضريبة من الصحة والراحة والوقت والنظر والجسد، وتحمّل من أجل عيون الحسناء الفاتنة القصيدة ضربات من القلق والسهر والكآبة والرتابة والجراح والانكسار .
رحل عبدالرحمن رفيع عن البحرين وترك لها دمعة تتساقط على قصيدته التي لم تعش في غربة عن ناسها، قصيدته كانت بنتاً وأختاً وأمّاً للمجتمع، وحرفه عاش صديقاً وحبيباً وأخاً ونديماً للقلوب والمشاعر والناس .
عبدالرحمن رفيع، رحمه الله، لامس قلوب العامة بعفوية مفرداته، لدرجة أن البعض يلومه على اقترابه بكلمته من البساطة، ومع أنها في بعض الأحيان تسير متموجة، إلا أن المتابع لكتاباته المتعددة ولشعره الفصيح يدرك أنه تعمد أن يمارس هذا الشغب المتمرد على بعض القواعد طالما أن الرسالة تصل من دون عناء، وتدخل قلوب الناس وتجدها بلا أبواب .
ستتذكر "أمي العودة" بساطته وهو يعالج إحدى قضايا الوجدان، وستبكيه "البنات" وهن يتذكرن ما قاله عنهن، ولن ينسى "زمان المسخرة" نقده اللاذع المحبب لبعض الظواهر الدخيلة على المجتمع، والجميل في قصيدته، رحمه الله، أنه كان يجلد بها، وتجد المجلود يبتسم ويتقبل ما يقوله .
المشاهد الكاريكاتيرية في قصيدة عبدالرحمن رفيع بسيطة إلى درجة الصعوبة، وصعبة إلى درجة البساطة، وهذا التميز أكسبه خصوصية وشهرة، وله رحمه الله كاريزما خاصة على المسرح، أسر الجمهور بضحكته وبأسلوب إلقائه، ولهذا فإن قاعات المسارح التي أدخل الفرح عليها وجعل كراسيها تبتسم وجدرانها تهلل من الفرح ستقيم مأتماً وعويلاً على رحيله، لكنها الحياة التي لا تتوقف، والموت الذي لا مفر منه ولا مهرب، وعزاء المحبين أنهم سيجدون البنات والأم العودة، وما صاحبهن من نتاج ثري لشاعر رحل جسده الذي كابد تعب الحياة وتجعد من قساوة المرض، وبقيت كلماته من بعده لتدخل السرور عليهم، وتواسيهم في هذا المصاب .

محمد عبدالله البريكي
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"