عادي

معوقات العلاقات الخليجية الإفريقية

03:41 صباحا
قراءة 4 دقائق
أمينة العريمي*

يقول رئيس مجلس شركة ساتيا / كبرى شركات الاستثمار التي تُركز نشاطها في إفريقيا «من أراد أن يجني أموالاً فما عليه إلا التوجه إلى إفريقيا فوراً»
بلغ متوسط النمو في الدول الإفريقية قرابة ال 6 - 6.5%، ومن المتوقع أن تشهد القارة نمواً في ناتجها الإجمالي المحلي بنسبة تزيد على 8 %، كما يُتوقع أن تكون سبع دول إفريقية من بينها إثيوبيا، وموزمبيق، ونيجيريا، من بين اقتصادات دول العالم العشر الأسرع نمواً في السنوات الخمس القادمة.
وفقًا ل ايرنست ويونغ، فإن عدد مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إفريقيا ارتفع بنسبة 27%، ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، فإن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفعت إلى أكثر من 36.9 مليار دولار، كما ارتفع الاستثمار بين الدول الإفريقية جنوب الصحراء بنسبة 17%. أضف إلى ذلك أن عدد السكان في إفريقيا جنوب الصحراء أقل من عدد سكان الهند لكن الناتج الإجمالي المحلي أكبر، والعديد من الدول الإفريقية سبقت الصين والهند في الإدارة وحكم القانون وبالتالي يمكن القول إن الدول الإفريقية جنوب الصحراء تسير قدماً نحو الأفضل.
وفي مؤتمر إفريقيا الأخير أكدت مجلة (أنسياد للمعرفة) أن البيئة السياسية في إفريقيا جنوب الصحراء أكثر قابلية للهدوء والاستقرار، ومن الناحية الاقتصادية هناك المزيد من الدول التي تعمل على تحقيق الاستقرار الكلي لاقتصادها وبالتالي على دول الخليج العربي ألا تغض النظر عن الفرص التي توفرها إفريقيا جنوب الصحراء، فالقارة تتحرك بسرعة، وتشهد إفريقيا حالياً تحولات جيده ستغير بلا شك واقع إفريقيا من كونها قارة مصدرة للمواد الخام ومستوردة للمنتجات إلى قارة مُنتجة ومتطورة، وسيشهد قطاع التصنيع الأصلي نمواً، وأعتقد أن السوق الإفريقية الرئيسية ستستعمر مرة أخرى ولكن هذه المرة من الأفارقة أنفسهم.
بالرغم من كل التطورات المتلاحقة التي تعيشها إفريقيا (جنوب الصحراء) إلا أننا نلاحظ بشكل لا تخطئه العين حتى تلك غير المُتفحصة أن الحضور السياسي الخليجي في إفريقيا جنوب الصحراء ما زال متواضعاً وانحصر في حصول بعض دول مجلس التعاون الخليجي على عضوية في المنظمة الفرانكفونية والاتحاد الإفريقي بصفة «مراقب» والدولة التي تحصل على عضوية مراقب يُسمح لها بالمشاركة في كافة أنشطة الاتحاد الإفريقي لكن لا يُسمح لها بالتصويت على القرارات التي يصدرها الاتحاد. ولعل من الأسباب الرئيسية التي ساهمت بشكل أو بآخر في ضعف الحضور السياسي الخليجي في إفريقيا جنوب الصحراء هو حضور الولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي وإفريقيا مع تصاعد التأكيد الأمريكي على أهمية النفط الإفريقي الأقل تسيساً من نفط الشرق الأوسط وهو ما يمكن أن يحول العلاقة بين إفريقيا جنوب الصحراء والخليج العربي من التعاون المشترك إلى التنافس المفتوح، كما أن ضعف التمثيل الدبلوماسي الخليجي في دول إفريقيا جنوب الصحراء يعتبر أهم معوق لتطور العلاقات السياسية الخليجية الإفريقية، ويرجع السبب في ذلك إلى عدم الاستقرار السياسي لبعض الدول الإفريقية، وبروز الصورة السلبية والمغلوطة وغير العادلة في الذهن الخليجي عن دول الجنوب الإفريقي ما أعاق العمل السياسي الخليجي في الساحة الإفريقية، إلا أن الحضور الاقتصادي الخليجي في إفريقيا جنوب الصحراء يتفوق على الحضور السياسي، فالسياسة الخليجية وإن كانت قد نجحت إلى حد ما في تدشين بعض المشاريع الاستثمارية في بعض الدول الإفريقية (جنوب الصحراء) والتي ساعدت في إنعاش جزئي لتلك الدول اقتصادياً، إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي لم توظف تلك الاستثمارات بما يخدم مصالحها السياسية. فعلى سبيل المثال توجد استثمارات خليجية في أرتيريا وإثيوبيا حيث بلغت الاستثمارات الخليجية فيهما وحدهما ما يتجاوز ال 13 مليار دولار إلا أن تلك الدول لم تدعم عمليات «عاصفة الحزم» التي تشارك فيها دول مجلس التعاون الخليجي، ولم تكتف أديس أبابا وأسمرة بالحياد أمام ما يجري في اليمن السعيد بل تحولت أرتيريا لقاعدة تحتضن في أراضيها ما يسمى بالحرس الثوري الإفريقي التابع للحرس الثوري الإيراني والذي كان نعم العون والسند لميليشيات الحوثي تدريباً وتنظيماً. أما أديس أبابا فهي لا ترغب بوجود عربي فاعل قريب من دول القرن الإفريقي (في اليمن مثلاً) نكاية بالقاهرة من جانب وبالصومال العضو في الجامعة العربية من جانب آخر، فالقاهرة تحظى بدعم مجلس التعاون الخليجي باعتبارها حليفاً استراتيجياً له، أما الصومال فهو يطالب أديس أبابا بإقليم أوجادين المغتصب إثيوبياً من عشرات السنين أضف إلى ذلك افتقار أديس أبابا لمسطحات مائية جعلها تدعم الاقتتال والتشرذم وانفصال الصومال المركزي عن إقليمي بونتلاند وصومالاند واستغلال موانئ تلك الأقاليم الصومالية شبه المستقلة لإنعاش صادراتها واستقبال وارداتها.
ولعل أحد القراء يرى أن موقف أرتيريا وإثيوبيا من عاصفة الحزم متوقع كونها دولاً ليست أعضاء في الجامعة العربية ولكن هناك دول إفريقية ليست أعضاء في جامعة الدول العربية ولكنها كانت قوة داعمة لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية مثل السنغال، وغامبيا، وسيراليون.
أرى كباحثة في الشؤون الإفريقية أنه لابد أن يكون هناك تحليل منطقي للوضع في إفريقيا جنوب الصحراء لأن الصورة ما زالت سلبية ومغلوطة وغير عادلة في الذهن الخليجي عن دول الجنوب الإفريقي، فرغم أهمية تلك الدول التي أصبح أغلبها أعضاء في تكتلات اقتصادية قوية مثل البريكس والايكواس والكوميسا التي تحولت لمنطقة تبادل للتجارة العالمية الحرة إلا أن دول مجلس التعاون الخليجي تكاد تكون غير حاضرة «سياسياً» في تلك الساحة.

* باحثة إماراتية في الشأن الإفريقي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"