عادي

الصمت الأسري.. جمود في العلاقات وعواقب وخيمة

02:45 صباحا
قراءة 7 دقائق
تحقيق:ميرفت الخطيب

خلصت دراسات وإحصائيات عالمية حديثة أن معدل الحوار بين الزوجين يصل إلى 5 دقائق يومياً. وأن معدل الوقت، الذي تقضيه الأم مع أطفالها يقل عن ساعة يومياً، والأب مع أولاده أقل من ربع ساعة. وللأسف جاءت الإجابات من قبل الأخصائيين والمسؤولين مؤيدة لهذه النسب، التي تعد مؤشراً خطراً ليس في مجتمعاتنا العربية فحسب، بل في دول العالم كافة.
ورغم أن الحل بسيط جداً، وفي متناول الجميع، إلا أن أحداً لا يحاول بذل الجهد، لكسر هذه القوالب الاجتماعية، التي كبلنا أنفسنا بها، ويكمن ذلك الحل في الحوار الإيجابي، فهل من الصعب وضع أجهزة الهواتف النقالة والإلكترونيات في سلة قرب الباب لمدة ساعة في اليوم، وجلوس جميع أفراد الأسرة في غرفة الجلوس أو في الحديقة، يتداولون الحديث بين بعضهم بعضاً، وليسرد كل واحد ما يجول في خاطره إن كان مفرحاً أو حزيناً، وليروي الطفل ما حصل معه في المدرسة أو في الباص، والأب بدوره ينصحه ويناقشه ومن ثم يلعب معه.. وتشاركهما الأم بحنانها واهتمامها بتوفير هذه البيئة الصحية، التي بالضرورة ستنعكس إيجاباً على الجميع.

يشير الدكتور حسين العثمان رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة، بأن معدل قضاء الأم مع أطفالها أقل من ساعة يومياً، والأب مع أولاده أقل من ربع ساعة، في حين أن معدل التواصل بين الرجل وزوجته هو 5 دقائق يومياً؛ وذلك بحسب دراسة عالمية.
ويشرح أسباب ومصداقية هذه الأرقام بالقول: «إن شكل الأسرة الحقيقي أو بالأحرى الطبيعي، الذي كان سائداً في الأجيال السابقة لم يعد له أي وجود في حياتنا اليوم، والسبب يعود إلى اختلاف أنماط الحياة أو المجتمع، فسابقاً كانت ظروف المجتمعات تقليدية متشابهة، والمهن محدودة، وكذلك اهتمامات الفرد، مما كان يوفر أوقاتاً كبيرة للتواصل إن كان بين أفراد الأسرة الواحدة أو أفراد المجتمع».
وأضاف: فعلى سبيل المثال كانت الأم رفيقة ابنتها، والولد رفيق والده، يأخذ بنصحه وتوجيهه ويتعلم منه، وبالتالي يعتمده قدوة له دون أن يوجهه أحد لذلك، وفي المقابل كانت الأم في منزلها تربي وتتابع وتحرص على راحة الجميع، وفي مقدمتهم زوجها، الذي يجد راحته لدى رجوعه إلى المنزل، فهنالك زوجة باسمة تنتظره وتريحه، ومستعدة للاستماع له، والتخفيف من عناء العمل.
الحياة في المجتمعات الحديثة اختلفت، وأصبحت الأم تعمل، وفرص التواصل بينها وبين زوجها وأولادها أيضاً تقل تدريجياً، وقسمت الأدوار الأسرية، بل إن مكان العمل أصبح بعيداً عن المنزل فيضطر الزوج إلى البقاء بعيداً عن أسرته وزيارتها في الأعياد والعطلات الأسبوعية، لذا أصبحت المجتمعات مختلفة، وبعيدة عن بعضها بعضاً.
السبب الرئيسي لهذه القضية يعود إلى أن أفراد الأسرة كافة أصبحوا مشغولين في أدوارهم وأعمالهم واهتماماتهم الشخصية والفردية، متناسين بأن للأسرة حق عليهم جميعاً، وأن هذه المؤسسة، الذين هم مسؤولون عنها، وتحديداً الأب والأم، بحجة «ما عنا وقت» وهو مبرر غير كاف وغير مقنع ودقيق؛ لأن الأمر لا يحتاج منا جميعاً إلا إلى تدبير وتمرين على كيفية إدارة الوقت لصالح المؤسسة الأسرية. بمعنى آخر الإدراك والوعي بأهمية الجلوس مع بعضهم بعضاً، وتخصيص وقت معين لهذه الجلسات، ولفترة محددة خلال اليوم، ونهاية الأسبوع.
وينبه بأنه لا يمكن لأحد أفراد الأسرة أن ينوب عن فرد آخر فيها، لأن لكل واحد منهم دوره المنوط به، وبالتالي على الجميع أن يجلسوا معاً، ويتحدثوا في موضوعات مختلفة، وخاصة الأطفال فهم بحاجة إلى وجود الأب والأم معهم، ويعقب قائلاً، «إن من أخطر الأوضاع أو الأشكال الأسرية سوءاً هو سفر الوالد إلى الخارج للعمل، وبقاء الأم وأولادها في بلد آخر، وزيارة الأخير لهم مرة كل سنة أو أكثر. والمطلوب هو تنظيم الوقت لصالح المؤسسة الأسرية، التي تتطلب أيضاً التدريب على أحسن مهارات التواصل».
ويصل العثمان للقول: «وهنا نصل إلى لب الموضوع، وهو أن الوالدين عليهما أن يكونا قدوة لأولادهما في التواصل، فكيف يتحقق هذا الأمر؟، ومعدل التواصل لا يتعدى 7 دقائق يومياً».

تنجيه من الوقوع في الخطأ

من جانبها، أكدت مريم سالم السلمان مديرة دار التربية الاجتماعية للفتيات في الشارقة، بأن الفئة التي تتعامل معها، وهم من الأحداث فإن تواصلهم مع أهلهم يعد معدوماً، وكما يقال «وجودهم وعدمه واحد»، وهذا الواقع لا ينطبق خلال وجودهم في الدار، بل ما قبل ذلك، ويعد من الأسباب الأساسية والرئيسية في وصولهم إلى هذه الحالة، وارتكابهم للمشاكل، التي أدت إلى دخولهم إلى الدار.
وتلقي اللوم على الأهل، لعدم اهتمامهم بأولادهم، ومتابعتهم وتوجيههم ومصادقتهم، معلقة بالقول: «إن توجيه الأبناء لا يحتاج لأكثر من دقيقة واحدة، و5 دقائق يقضيها الأب مع ابنه تكفيه وتنجيه من الوقوع في الخطأ».
وتضيف: إن عدم وجود الحوار بين الأب وابنه أو ابنته، وكذلك عدم الحوار مع الأم يؤدي إلى انجراف الأولاد نحو أشخاص مجهولين، ومن خلال وسائل كثيرة أصبحت متوافرة اليوم في حياتنا مثل: «رفاق السوء، مواقع الإنترنت، الدردشات، الأفلام السيئة...» إحدى الحالات التي واجهتنا فتاة بعمر الزهور، والداها قد انفصلا، وتعيش مع والدها، الذي لا يتكلم معها أبداً، بسبب مشاغله ومشاريعه، وتبقى بمفردها طوال الوقت في المنزل تتكلم على الهاتف المتحرك، لتتعرف إلى أحدهم ومعه تجاوزت مشاهد ومواقف لا تمت إلى شخصية الطفل ولا إلى واقعه. استغلها واستغل براءتها بسبب عدم وجود أي رقيب أو مسؤول عنها، ما أدى إلى وصولها إلى الدار.
وتعقب بالقول: «تعد الأسرة المكونة من الأبوين أقدم مؤسسة اجتماعية للتربية عرفها الإنسان، وما زالت الأسرة في المجتمعات المختلفة هي مصدر التربية والمعرفة بالنسبة لأبنائها، ففيها ينشأ الطفل ويترعرع ويكتسب المهارات والخصائص التي يتلقاها من الأبوين في مراحل طفولته الأولى؛ حيث يتطبع بطابعها ويتأثر بتربيتها».
ورغم وجود مؤسسات تربوية واجتماعية عامة تتشارك في تربية الطفل إلا أنها لا تسد مكان الأسرة في هذه الأمور، فعلى الأسرة يقع قسط كبير من واجب التربية الخلقية والوجدانية والدينية في جميع مراحل الطفولة، ففي كنف الأسرة ينهل الفرد من المعرفة وعلوم الحياة ما يؤهله لتكوين اتجاهات اجتماعية منظمة، «الأخلاقيات والسلوكيات» ويتشرب الحب والحنان، مما يكون لديه الشعور بالروح العائلية والعواطف الأسرية المختلفة، وهذا ما لا تستطيع أي مؤسسة أن تمنحه إياه.

لذا، فإن عدم وجود الأهل إلى جانب أولادهم، والتحدث معهم بشكل يومي له الكثير من السلبيات والانعكاسات الخطرة جداً على الأبناء. فالحوار بين أفراد الأسرة يؤسس لبيئة أسرية صحية والعكس.
فالأطفال في سن الحداثة «عجينة لينة» من الممكن أن نشكلها ونعيد تقويمها من جديد، ومن الممكن أن نجعل منهم هامات في المجتمع أو نتركهم عالة على المجتمع.

وتخلص للقول: «إن الاستقرار النفسي والعاطفي للمربي «الوالد والوالدة» من الأمور المهمة لأفراد المؤسسة الأسرية كافة، وتحديداً الأولاد، فليس من المعقول أن نستطيع تعديل سلوك أبنائنا، ونحن في حالة غضب أو ونحن نعيش مشاكلنا النفسية وخلافاتنا الشخصية».

الواجب والمشاعر الإنسانية

الدكتور منصور أنور استشاري طب الأسرة والصحة المهنية، يشير إلى أن الثقافة الأسرية أصبحت عملية ومادية، ولم تعد تنطلق من الواجب والمشاعر الإنسانية، واختلف مفهوم تربية الأبناء، وكذلك العلاقة الزواجية بدورها أصبحت مادية وغير وجدانية، وأصبح الزوجين يؤديان أدواراً مطلوبة منهما، مثلما يؤديانها في وظائفهما. وفقدت لغة الحوار بينهما، وكذلك التواصل فبدلاً من نقاش الرجل مع زوجته في مسألة ما، أصبح «الواتس آب» مع الأصدقاء هو الحل، كذلك بالنسبة للأم التي تلجأ إلى صديقتها أو أمها. حتى إن مهام الأب والأم تجاه الأولاد أصبحت الخادمة والسائق والطباخ هم الذين يؤدونها.

لذا فإن قيمة وقدسية الزواج نفسه فقدت، وأصبح الطلاق كلمة معتادة في مجتمعاتنا بعدما كان آفة مجتمعية في الأجيال السابقة. وفقدان الحوار يؤدي بدوره إلى فتور العلاقة بين الزوجين، ويؤدي إلى مشاكل كبيرة للأطفال، الذين لا يتواصلون أيضاً مع أولياء أمورهم.
وينصح بالاهتمام أكثر بالثقافة الأسرية، وزرع هذا المفهوم بين أفراد الأسرة، كي ينمو عليه، مع ضرورة زيادة فترات اللقاء الأسري وفتح باب الحوار للتحاور، ولكي يعرف الزوج ما يجول في خاطر ابنه وابنته وزوجه، وبالتالي ينتبه لأي اختلال في المشاعر؛ لأن الحوار الأسري اليومي يعد أمراً ضرورياً وصحياً.
ويؤكد بضرورة احترام كلام الطرف الآخر، خاصة مع الأطفال، لأن الإشكالية تكمن أيضاً في أن الأهل يخوفون أولادهم بثقافة العيب، ليلجؤوا في النهاية إلى مصدر آخر للمعلومات، وهو اليوتيوب وغيره من المصادر الإلكترونية، ولكي لا نصل لهذا الأمر يستحسن أن يتلقى الطفل المعلومة من والديه، وليس من الآخرين.
ويشير إلى أن البيئة الصحية هي أفضل حل، وتخصيص يوم للأسرة داخل البيت مسألة هامة جداً. على أن يتضمن هذا النهار فعاليات مسلية كالمسابقات والأحجية والأنشطة الرياضية والفنية كالرسم والألعاب اليدوية مثل الليغو، وبهذا الشكل يتم الحفاظ على الروابط الأسرية، ويتعرف الأولاد إلى أهمية الأسرة، وأهمية الأم والأب في حياته. كما يشعر الأب وزوجته بأهمية دورهما معاً لبناء أسرة صحية.

غياب الحوار يؤدي للطلاق

يقول الدكتور حسين العثمان رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة الشارقة: أثبتت الدراسات العالمية أجريت على مستوى العالم بأن الأزواج ليس لديهم أي وقت ليتحدثوا مع بعضهم، ومن خلال عملي في الإرشاد الأسري كنت ألتقي بحالات تكون على وشك الطلاق، بسبب عدم وجود حوار بين الزوجين فكلاهما يعمل لساعات طويلة، ويرجع منهكاً إلى منزله يريد أن يرتاح، ولا جلد لديه للتحدث مع الآخر، وهذه بالمناسبة هي حال الكثير من الأسر، لتبدأ العلاقة بالبرود والفتور وصولاً إلى الطلاق.

التعامل بأسلوب «أب لدقيقة واحدة»

مريم سالم السلمان مديرة دار التربية الاجتماعية للفتيات في الشارقة، تقول: «من المهم جداً التعامل بأسلوب «أب الدقيقة الواحدة» نصفها الأول يكون مدحاً، ونصفها الثاني هو توضيح للخطأ، الذي صدر عنه، وكمثال عن ذلك أنت يا ولدي تعد طيباً وممتازاً، لكن هذا التصرف خطأ، وأنا لا أكرهك، لكن أكره تصرفك وبهذا نصحح السلوك الخاطئ مع الاحتفاظ بمعنويات مرتفعة للطفل.
وإذا كان السلوك غير مرغوب فيه فعلينا أن نتجاهله، لكي لا نعززه باهتمامنا له إلى أن ينطفئ هذا السلوك ويتلاشى، أما إذا وجد خطأ في السلوك، ولم يستجب الأولاد بالإرشاد والتوجيه، نستخدم التعزيز السلبي؛ وذلك بمنعهم من مشاهدة برنامجهم المفضل أو بالتوبيخ أو بالهجر بالحرمان، والبعد كل البعد عن الضرب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"